نكبة ثانية ام حل دولتين!
رنا علوان
إن”حل الدولتين” فكرة أتى عليها السياسي وعالم اللسانيات الأمريكي ، نعوم تشومسكي ، وروج لها في الجامعات الأمريكية ، مباشرةً بعد هزيمة العرب في حرب 67
[فما إنْ انتهتْ نكسة 1967 ، وفق التسمية المعتمدة ، والتي دامت ستة أيام فقط، حتى بدأ الحديث ، عن حل الدولتين ،
وينص هذا المقترح ، على تقسيم الأراضي الفلسطينية التاريخية
قسم تابع للاحتلال الإسرائيلي الذي تأسس سنة 1948 ، وقسم آخر لدولة فلسطين التاريخية على أراضي حدود الرابع من شهر يونيو/حزيران سنة 1967
[ ما يعني انسحاب العدو الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها بعد انتهاء حرب حزيران من نفس السنة ، خلال ما عُرف إعلاميًا بإسم “النكسة”]
ونتيجة لهذا المقترح ، وجّه الكثير من الصحفيين والكتاب الإسرائيليين -المنتمين إلى اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة الأمريكية- إلى تشومسكي ، الكثير من الانتقادات الحادة ، وصلت إلى حد التهديد بالقتل ، من طرف بعض عناصر الجماعات اليهودية اليمينية المتطرفة داخل أمريكا وخارجها، تعبيرًا منهم عن سخطهم على تصريحاته ، التي عدّوها “معاداة للسامية”
سبق هذا المقترح عدة محاولات وقرارات مشابهة
لجنة بيل 1937
تعدّ اللجنة الملكية الفلسطينية ، التي تُعرف اختصارًا بإسم لجنة بيل (Peel Commission) ، أول من تحدث عن تقسيم الأراضي الفلسطينية التاريخية إلى دولتين ، وهي لجنة ملكية رفيعة المستوى شكّلها سنة 1937 التاج البريطاني ، والتي يرأسها إيرل بيل ، وزير الدولة البريطاني لشؤون الهند سابقًا ، وعضو المجلس الخاص للمملكة المتحدة ، بعد قيام عرب فلسطين بإنتفاضة وطنية ضد الانتداب البريطاني سنة 1936 ، أُطلق عليها اسم “الثورة العربية في فلسطين”، والتي طالبت بالاستقلال وإنهاء سياسة الهجرة اليهودية المفتوحة نحو الأراضي الفلسطينية ، التي تنتهجها الإدارة البريطانية
لجنة “وودهيد” 1938
بعد فشل لجنة “بيل” في إقناع الأطراف الثلاثة المعنية بتقسيم الأراضي الفلسطينية التاريخية ، عقبها لجنة “وودهيد” سنة 1938 ، بهدف التوصل إلى حل للإنتفاضة العربية في فلسطين ، وإقناع الأطراف الثلاثة بقبول التقسيم ، إذ عملت اللجنة على إعادة تصحيح توصيات لجنة “بيل” السابقة ، والاعتماد عليها في اقتراح عملية أخرى للتقسيم ، لكنَّ بعض المراقبين يرون أن هدف هذه اللجنة ليس التقسيم بل تبرئة البريطانيين من مسؤوليتهم الأخلاقية والتاريخية تجاه فلسطين وشعبها المحتل
القرار الأممي رقم 181 (عام1947)
والذي أصدرته الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة ، في التاسع والعشرين من شهر يناير/كانون الثاني عام 1947 ، القاضي بتقسيم الأراضي الفلسطينية التاريخية إلى ثلاثة أقسام ، فيما عرف بـ”قرار تقسيم فلسطين”، أول قرار أممي تطرق لقضية حل الدولتين ولو بشكل شبه ضمني ، بعد انقضاء فترة “الانتداب” البريطاني لفلسطين
دولة عربية (فلسطين) تمتد على مساحة 11 ألف كيلومتر مربع (4300 ميل مربع) ، بنسبة 42.3 بالمئة من إجمالي الأراضي الفلسطينية التاريخية
وتضم دولة فلسطين وفق خطة التقسيم مدن عكا والضفة الغربية ، والجليل الغربي ، والساحل الجنوبي الممتد من رفح جنوبًا حتى شمال مدينة أسدود ، فضلاً عن أجزاء من صحراء النقب على طول الشريط الحدودي مع جمهورية مصر العربية
دولة يهودية (إسرائيل)، بنسبة 57.7 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية بمساحة تقدَّر بنحو 15 ألف كيلومتر مربع (5700 ميل مربع)، تمتد من جنوب مدينة تل أبيب حتى السهل الساحلي لمدينة حيفا ، علاوة على بحيرة طبرية وإصبع الجليل الموجودتين في الجليل الشرقي ، ثم منطقة أم الرشراش (إيلات حاليًا) في الجنوب بصحراء النقب (صحراء السبع) فيما اقترح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ، إبقاء مدينة القدس الشريف ومدينة حيفا (جنوب القدس) وجميع الأراضي الفلسطينية المجاورة لها ، تحت الوصاية الدولية
[صوَّت عليه 33 مندوب دولة ، ورفضته 13 دولة ، فيما العشرة الآخرون رفضوا التصويت ، أو لم يحضروا للقاعة وقت التصويت]
القرار رقم 242 (عام1967)
كان لمقترح نعوم تشومسكي ، صدى واسع داخل أروقة الأمم المتحدة ، خصوصًا في مجلس الأمن الدولي‘ إذ أصدر مجلس الأمن الدولي بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني سنة 1967 ، قرارًا أمميًا حمل رقم 242 ، كحل وسط ، يحل محل القرارات السابقة التي رُفضت جميعها بسبب عدم توافق القوى التي تملك حق النقض ، خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي
[وضعه المندوب البريطاني لدى مجلس الأمن، اللورد كارادون، الذي اشترط قبوله كليّةً أو رفضه كليّةً، مشيرًا إلى أنه لا يمكن أن يطرأ عليه أي تعديل أو مساومة، وإلا سيكون مصيره “الفشل” كسابقيه]
الا ان هذا القرار لفَّه الكثير من الغموض ، خصوصًا في الفقرة الأولى منه، وهي الفقرة المتعلقة بانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ما دفع عددًا من مندوبي عدة دول ، أبرزها الاتحاد السوفييتي ، والهند ، ونيجيريا ، إلى التصريح قبل التصويت ، بأن القرار فُهم منه انسحاب العدو الإسرائيلي من جميع الأراضي التي احتلها بعد حرب 1967
والسبب في ذلك، هو أن القرار تباينت فيه الصيغ، إذ إن النص الإنجليزي تضمَّن عبارة “انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضٍ احتُلت في النزاع الأخير”، فيما في النصوص الأخرى (الصينية، والفرنسية، والروسية، والإسبانية)، أُضيفت إليها “ال” التعريفية في كلمة “أراضٍ”، وهو ما يعني انسحاب الاحتلال من جميع الأراضي التي احتُلت بعد حرب 67، عكس الصيغة الإنجليزية التي لم تحدد أي أراضٍ ستنسحب منها إسرائيل، لأن الكلمة جاءت بصيغة النكرة
ناهيك عن انه يحمل في طياته وبشكل ضمني الاعتراف “بدولة إسرائيل “، مع تجاهل الإشارة إلى حل القضية الفلسطينية ، التي عدّها القرار مجرد مشكلة لاجئين “وهو قرار وافقت عليه دول عربية”
تلقّت سلطات الاحتلال الإسرائيلي هذا القرار بصدر رحب، حيث عدّته اعترافاً ضمنياً بكيانها، فضلاً عن عدم ذكره (القرار) كلمة فلسطين وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتحرير أراضيه، أو حتى العودة إليها على الأقل.
ومع ذلك، فيعدّ هذا القرار بالنسبة لبعض الفصائل السياسية الفلسطينية، خصوصاً التي تؤيد حل الدولتين، على رأسها السلطة الوطنية الفلسطينية، التي تسيطر عليها حركة التحرير الوطني الفلسطيني، المعروفة اختصاراً بحركة “فتح”، “انتصاراً سياسياً”، لأنه هو القرار الدولي والأممي الوحيد الذي يطالب قوات الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية، إذا اعتُمدت النسخة غير الانجليزية من هذا القرار.
اتفاقية أوسلو عام 1993
بعد سنوات طويلة من المحادثات السرية بين [ فتح الفلسطينية والمخابرات الإسرائيلية] ، في العاصمة النرويجية أوسلو ، وقِّعت “اتفاقية أوسلو”، بين ياسر عرفات ممثلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية ، وشمعون بيريز، وزير خارجية العدو ، ونصت على “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي”، التي نصت أيضًا على قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل بحلول سنة 1999
اللجنة الرباعية 2003
تأسست سنة 2002 باقتراح من رئيس الوزراء الإسباني السابق ، خوسيه ماريا ، على عاتقها مهمة حل المشكلات العالقة بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال الإسرائيلي، إذ قدمت هذه اللجنة المكوَّنة من روسيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة في 30 أبريل/نيسان 2003 ، خريطة طريق تنصّ على إقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005 ، مقابل وقف الفلسطينيين الانتفاضة ، إلى جانب التزام إسرائيل بتجميد عمليات الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة
رغم ما يحظى به مقترح “حل الدولتين” من شبه إجماع عام من طرف الكثير من الدول والمؤسسات الأممية والدولية غير الحكومية ، الا انه بالنسبة لحماس النقيض تمامًا ، فبحسب تعبير الحركة ، هي ترفض أي محاولة للاعتراف بالاحتلال ، ولن تقبل به كدولة ، هو ” عدو ويجب دحره”
أيضًا ، يُبدي الكثير من الأحزاب السياسية والجماعات اليمينية المتطرفة داخل الإحتلال ، امتعاضها مما يسمى “حل الدولتين” ، إذ ترفض هذه الجمعيات أي محاولة للاعتراف بالحق الفلسطيني داخل “أرض الميعاد”، وفق تعبيرها ( والتي ما فتئت تدعو بشكل علني إلى إبادة الفلسطينيين والعرب بشكل عام)
إذن ، من احتمال الدولة إلى فرض النكبة ، نجد كيف تحوّل جنوب غزة مع استمرار العمليات العسكرية للعدو إلى أداة ضغط على مصر ، فحتى الآن لم تتخلَّ حكومة الحرب الإسرائيلية عن هدفها إخراج جزء كبير من أهل القطاع إلى سيناء تحت ذريعة اللجوء المؤقت ، وكيف ان تل أبيب المأزومة تتصرف تحت عنوان رفض التعايش النهائي مع القطاع، أي رفض العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر ، حتى لو أدى ذلك إلى أزمة إقليمية تضعها في مواجهة مباشرة مع القاهرة وعمان
وهنا نجد كيف ان معضلة “فتح معبر رفح” بمثابة المشكلة والحل معًا ، فالعدو الإسرائيلي يريد من مصر أن تفتح المعبر لخروج الفلسطينيين من القطاع في اتجاهٍ واحدٍ دون أمل بالعودة ، وفي الوقت نفسه يُعد فتح المعبر ضروريًا لدخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين
ومع شديد الاسف نجد ان الأمور فعليًا ذاهبة نحو النكبة الثانية ، فحتى لو حصل “الفلسطينيون والمصريون والعرب” على ضمانات بعودة سكان القطاع ، فإن العدو الإسرائيلي لم تلتزم يومًا بتنفيذ أي قرار أممي ، وفي زمن الأحادية القطبية وانحياز واشنطن الكامل ، بل ومشاركتها العلنية ، في هذه الأزمة فإن إمكانية تعنّتها ستكون واردة جدًا ، كما أن الوعي الجمعي الفلسطيني ، يدرك أكثر من غيره أنه منذ قرن وأكثر لم يخرج لاجئ أو مهاجر قسرًا من بيته في هذا الشرق الصعب وعاد إليه ، وهذا ما يدفعهم للصمود اكثر فأكثر ورفض التهجير
برأي حتى لو ان كفة الميزان الراجحة كانت اكثر ميلاً الى الاحتمال الثاني الا انه ايضًا يُعتبر صعب المنال والتحقق ، وما يؤخر حسم الصراع واعتراف العدو بهزيمته ، ورفضه حتى الان ، الذهاب نحو تنازلات كبيرة ، هو عدة أسباب
اولاً ، بيبي النتن (رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو) وحكومته وقياداته العسكرية والمخابراتية ، يعرفون أنّ نهاية الحرب تعني نهايتهم الشخصية حكمًا ، إما السجن وإما الموت كما حصل مع اسحق رابين
ثانيًا ، حكومة أكثريتها من المتطرفين الصهيونيين ، غير قادرة على التراجع عن الثوابت والأساسيات التي يحملونها فكريًا ودينيًا وسياسيًا
ثالثًا ، الانقسام المجتمعي الحاد بين المتطرفين والمعتدلين ، ولكن الأهم هو خوف المستعمرين المدنيين من العودة الى محيط غلاف قطاع غزة والشمال الفلسطيني على الحدود اللبنانيّة ، وهو عامل أساسي ، لا يحل إلا بالقضاء على مسبباته ، فهل من يجرؤ !!
ناهيك عن عامل الهجرة المعاكسة في حال (فشل رواية حكومة الاحتلال على تأمين العنصر الاساسي لوجود الكيان) أي القدرة على السيطرة والاستعمار والتوسع ، مع الحفاظ على التفوق العسكري
رابعًا ، الخوف من سقوط مفهوم الدولة القوية المسيطرة ، ( الذي بات قاب قوسين او أدنى ) ، ما يعني سقوط لمفهوم كل اتفاقيات السلام والخنوع من أوسلو الى وادي عربة وصولًا للإبراهيمية (فبمفهومهم ان العرب يخافون القوي ويحترمونه و يبتعدون عن الضعيف ويحتقرونه)
خامسًا ، كنظرة دولية ، هنا تنتفي الحاجة لمستعمرة متقدمة في الشرق ، وان الكيان الذي لا يُقهر هو في الحقيقة كيان من ورق ، يحتاج الى عشرات الأساطيل والمدافع لحمايته ، ناهيك ان ميزانياته تحتاج الى المليارات من الدولارات ليقف على رجليه ويصمد
ختامًا ، بعد السابع من أكتوبر المجيد ، طويت صفحة من التاريخ ، مضى بعدها أكثر ثمانية وخمسون يومًا من الإبادة الجماعية لشعبنا في غزة ، رافقها حملة شعواء عنصرية ضد أهلنا في القدس والضفة ، لم يتوقّف رحاها حتى هذه الدقيقة ، لكن ماذا جنى العدو سوى الخيبة وإظهار ضعفه وهزيمته بإجرامه
ان ما نراه هو بداية النهاية لهذا العدو ، فهو بات يدرك جيدًا ان حماس عصية على الانكسار ، ومن الأرجح سنذهب نحو تصعيد وعنف وتوتر جديد سيشمل أكثر من جبهة و أكثر من منطقة ، ولن يلجم الحرب ، سوى أميركا [والأخيرة لن تتحرك ، إلا عندما تواجه خطرًا اقتصاديًا كبيرًا ، يؤثّر عليها داخليًا ، ويزيد من معاناتها ]
2023-12-04