مهاجمة ايران بين شخصية ترامب وبنية الدولة الامريكية العميقة!
وليد عبد الحي
تميل نظرية اتخاذ القرار في احد جوانبها للتركيز على البنية السيكولوجية لصانع ومتخذ القرار، فمنذ ثوكوديدس اليوناني (2400 سنة قبل الميلاد) الذي ركز على دور العوامل النفسية في اتخاذ الحاكم لقراره( الخوف والشرف والمصلحة) الى ميكافيللي(المهابة اقوى من الحب) الى سنايدر الذي يختصر الدولة في شخص صانع قرارها مما يستوجب الغوص في شخصيته، مرورا بسبروت وزوجته في ربطهما البيئة السيكولوجية للحاكم بالبيئة الموضوعية في تشكيل القرار ، ثم غرق الباحثون في التمييز بين القرار الصادر عن “الوعي” والقرار الصادر عن تسلل اللاوعي الى آلة تشكيل القرار.
ويبدو لي ان الرئيس الامريكي الحالي دونالد ترامب حظي بكم كبير من العناية من جانب دور العامل النفسي في تشكيل قراراته منذ توليه السلطة 2016 الى العودة لها 2025.
بالمقابل فان تقاليد اتخاذ القرار السياسي بخاصة الاستراتيجي امر راسخ في تاريخ السياسة الامريكية الداخلية والخارجية على حد سواء، فهناك قوى سياسية رسمية( الكونجرس، والمحاكم العليا ، والأحزاب ) بجانب جماعات الضغط المختلفة والراي العام ..الخ) تساهم في الشد والجذب ليصل القرار عبر مساومات المصالح والخيارات العقلية المتباينة لصيغته الاخيرة .
ما الجديد : ؟
لا اعتقد ان هناك رئيسا في التاريخ الامريكي من ال 46 رئيسا سابقا حظي باثارة البعد النفسي في شخصية الرئيس كما فعل ترامب بصفته الرئيس 47، ويكفي ان تضع على محرك البحث عبارة ” Trump Psychology” لتجد انك بحاجة لاسابيع لتطلع على ما تمت كتابته في هذا المجال.
ذلك يعني ان القرار الامريكي الخاص بالموقف من ايران واحتمالات تعرضها لهجوم امريكي بحاجة للاجابة على السؤال التالي : من سيخضع للآخر :ترامب ام المؤسسة؟ وما مدى الاتفاق أو التعارض بينهما حول ايران؟ وما هو القرار الارجح؟
أولا: ترامب:
اكاد ان أجزم ان اكثر من 85% من علماء النفس الامريكيين الذين ناقشوا او وقعوا على بيانات علمية ( احدها وقع عليه حوالي 70 الف توقيع ، وبيان عليه توقيع 18 الف توقيع) وعشرات البحوث النفسية المنشورة في مجلات علمية خلال الفترة من 2016 الى 2025، كلها تجمع تقريبا على خلاصة واحدة هي أن ترامب شخصية ” هوجاء ” لا يمكن التنبؤ بسلوكه او ردات فعله( Unpredictable )، اي انه قد يضرب ايران وقد لا يضرب او قد يتخذ اجراء رمزيا ضدها او قد يتفاوض معها (مباشرة او غير مباشرة ليصلوا الى حل) او قد يتبين ان تهديده ليس الا كذبا ،فهو حسب هذه التقارير تجاوزت نسبة كذبه 76% من اقواله.
وتشير الدراسة في Journal of Social and Political Psychology التي يتناولها الباحث النفسي Thomas Pettigrew الى ان محددات سلوك ترامب هي:
1- -خوفه على سلطته تجعله اسرع لاتخاذ القرار المفاجئ وغير المتوقع ن وربما بسبب حادث فردي منعزل.
2- اكثر المفردات التي يستخدمها هي : خاسر ،رابح او قوي ضعيف، او اخذ وعطاء او تراجع وتقدم…الخ.فهو لا يرى الواقع الا بهذه الثنائية الحادة وفي هذه الحدود الضيقة.
3- نزعة استغلال التراتبية السلطوية: وهي امر انغرس في منظومته المعرفية والنفسية من طول فترة عمله في القطاع الخاص من شركات وغيرها، فهو يفترض انه رئيس الولايات المتحدة بالمعنى المطابق لصاحب الشركة او المصنع ،يجب طاعته ومن حقه طرد اي موظف في اي وقت.
4- العدوانية تجاه “الآخر”، فكل من لا يتطابق في سلوكه مع صورته في مخيلة ترامب عنه فهو عدو، وهذا يتضح جليا في موقفه من الاقليات داخل الولايات المتحدة، ، فالمسلمون في امريكا هم الخطرون، والمهاجرون المكسيك هم المغتصبون ، والسود مجرمون..،بينما يغض الطرف عن آية اوزار للبيض، لذا فهو لا يرى في ايران الا صورة”المسلم الخطر”، وتتغذى نظرته هذه من خلال جمهوره الابيض الذين ينزعون نحو جعل مركزة السلطة بايديهم ، فهي القيمة العليا كما يقول الباحث الامريكي Bobby Azarian.
5- نرجسيته المرضية: يركز التقرير المطول بعنوان :
The Dangerous Case of Donald Trump: 27 Psychiatrists and Mental
Health Experts Assess a President-2017
على ان النرجسية تقوم على تسعة مؤشرات منها ثمانية متوفرة في ترامب، فنرجسيته خطرة كما يرى العالم الامريكي المعروف John Gartner في بيان وافق عليه 18000 وقعوا على عريضة – ورد فيها ان ترامب ” يستوفي بشكل واضح” المعايير المنشورة في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية لثلاثة اضطرابات شخصية على الأقل: اضطراب الشخصية النرجسية، واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، واضطراب شخصية البارانويه(جنون العظمة) ، وهذه الصفات تمثل “مزيجا ساما ” لا يجعل ترامب خطيرًا فحسب ، بل يُضاف إلى مرضى “النرجسية الخبيثة” كما صاغها عالم النفس والمحلل النفسي الألماني إريك فروم. إذ تتجلى في هذه الشخصية تعاضد الكذب مع ما يسميه علماء النفس ” التلاعب بالعقول “( (Gazlighting ودون اي رادع، فترامب مثلا يعلن ” أنه يعرف عن داعش أكثر من الجنرالات، وهذا هو أحد معايير اضطراب الشخصية النرجسية ، كما انه يُصدر تعليماته لدائرة المتنزهات الوطنية بعدم عرض صور تُظهر مدرجات فارغة خلال موكب التنصيب ، وهو ما يكشف “جوعه للاعجاب ” كما يقول الباحث الامريكي Noam Shpancer . وتتطابق هذه المواصفات لدى اغلب الباحثين في شخصية ترامب، بخاصة في نقطة شعوره بالدونية(نتيجة تربيته الخالية من اية عواطف كما سنوضح في السطور اللاحقة)، وهو ما جعله يعوض هذا الاحساس بالدونية من خلال النرجسية (تعظيم الذات) والتعويض من خلال الاعجاب بالأقوياء( فهو معجب بالرئيس بوتين بل وصف الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بانه يسعد باقامة علاقات ايجابية معه).
6- الكذب: اشرنا لارتفاع نسبة كذبه ، وهو ما كان جليا في نفيه التدخل الروسي في انتخابه خلافا لما وصل له تقرير مولر ، ونفى صحة اشرطة عرضتها سي ان ان حول مراسلاته وتهربه الضريبي، كما كذَّب أشرطة نجسية تكشف مجونه ، وطلب المبالغة في عدد المشاركين في احتفالات تنصيبه من خلال الطلب بعدم عرض المدرجات الفارغة كما اشرنا.
وتقدم لنا ابنة اخ ترامب واسمها Mary Trump وهي باحثة متخصصة في علم النفس فتشير في دراسة كاشفة تحت عنوان Too Much and Never Enough: How My Family Created The World’s Most Dangerous Man بأن ترامب تطبيق واضح لنظرية “إدلر” عن السعي لتعويض الطفل النقص الناتج عن عدم الاكتراث الابوي والأمومي ، فترامب هو ضمن خمسة اخوة هو رابعهم، وكانت امهم اميل لرغباتها من العناية باولادها ، بل ان غياب امه لشهور طويلة عندما كان عمره عامين جعله يفتقد الشعور بالعطف والامن، فقد كان ترامب في الثانية من عمره عندما دخلت والدته المستشفى ستة أشهر لإجراء عدة عمليات جراحية. غيابها في تلك السن الحرجة زاد من حدة ما تصفه ماري ترامب بأنه غياب مؤسف للحضور العاطفي طوال حياة دونالد ، فقد كانت امه من نوع الأمهات اللواتي يستخدمن أطفالهن لتهدئة أنفسهن بدلاً من مواساتهم. كانت ترعاهم وقتما يناسبها ، لا عندما يحتاجون إليها”.
كما ان والد ترامب مثال صارخ لفقدان العاطفة أو التعاطف.، وكان هذا الوالد-اسمه إفرد(Fred) يغرس في اولاده فكرة بان الحاجة “تعني الضعف ، وكان يُذل اطفاله إنْ احتاجوه ، وتقول ماري حرفيا عن والد ترامب (او عمها) كان يستمتع بإذلال أطفاله، وزرع الفرقة بينهم ، فهو مريض نفسي شديد الإيذاءا ولا يملك أي نزعات عاطفية على الإطلاق”.
وتخلص ماري “الباحثة النفسية في تشخيص حالة عمها للقول” دونالد اليوم لا يختلف كثيراً عما كان عليه عندما كان في الثالثة من عمره: غير قادر على النمو أو التعلم أو التطور، وغير قادر على تنظيم عواطفه أو تعديل ردود أفعاله أو استيعاب المعلومات وتلخيصها، ولم أرَ قط رجلاً في عائلتي يبكي أو يعبر عن عاطفته تجاه الآخر بأي طريقة أخرى غير المصافحة التي تفتح وتغلق أي لقاء”.
ثانيا: المؤسسة :
ففي ظل سيطرة الجمهوريين في مجلسي السلطة التشريعية بفارق 13 صوتا( 220+53 مقابل 213+45) فان قرار الحرب بيد الكونجرس نظريا ولكنه اجرائيا بيد الرئيس، فإذا اتخذ الرئيس قراره بالهجوم على ايران فسيجد الامر متاحا من حيث الجانب الاجرائي ، لكن قراراته الاقتصادية الاخيرة واستعدائه لاغلب حلفائه الغربيين ولشرائح واسعة من جماعات المصالح والراي العام الامريكي قد يشكل كابحا له.
ذلك يعني ان ” عدم اليقين” سيبقى هو السائد، لكنه قد يذهب لتمديد فرصة الشهرين التي حددها في مارس الماضي لاتخاذ قرار الهجوم ( أي كانه انذار ينتهي في الشهر القادم) ،ولن يرى في ذلك اي مشكلة ولا يرى في ذلك كذبا بل سيحاول ربط التأجيل بتحقيق اهداف سيقدمها على انها انجاز لا يقل اهمية عن نتائج لو مارس الهجوم الفعلي . وقد يعتبر نفسه “لاعبا ماهرا” في أنه وضع الايرانيين في حالة ارتباك لمفاوضته مباشرة كما يريد او غير مباشرة كما يقول الايرانيون ، وقد تبدي دول الخليج ترددا او توسلا لترامب لعدم الدخول في الحرب مع ايران لان نيران الحريق قد تمتد “لمنازلهم”، وقد يلعب بوتين دورا من وراء ستار لكبح رعونة ترامب من ناحية وطمأنة الايرانيين من ناحية ضمان استمرار برنامجهم النووي طبقا لضوابط معينة، وفي ظل شبكة العلاقات المريبة جدا والشائكة بين ترامب وروسيا فان الحساب الدقيق يستوجب وضع الوزن الروسي في تفاعلات اتخاذ القرار، وقد يصل الامر الى ان ترامب ذاهب في قراراته غير المتوقعة الى حد الوصول بان “ينفض الحشد ” من حوله كما يقول الباحث الامريكي Ronald E. Riggio .
من الواضح ان نيتنياهو ذهب لاقناع ترامب باجراء عسكري ضد ايران لان ذلك يخلصه من عبء تحميل اسرائيل هذا القرار (اي تكرار نموذج تدمير العراق) وتكرار التدمير الذاتي في سوريا، ليتفرغ هو لتدمير غزة والضفة الغربية، وعندها سيطربنا العرب بالادانة وقد يرفعوها الى مستوى “اقسى العبارات”..ربما.
2025-04-08
تعليق واحد
هل سيقود هذا الرئيس المتغطرس والنرجسي العالم الى هلاك ام انه سيقود امريكا نفسها الى الضعف والهلاك؟