من ذاكرتنا العربية 17 آذار 1954…
بداية معركة سقوط حلف بغداد
معن بشور
قلائل جداً هم الذين يعرفون ان حلف بغداد الذي بات معروفاً باسم حلف (السنتو) (CFNTO) وانطلق في أواسط خمسينات القرن الماضي ليضم العراق وتركيا وايران وباكستان وبريطانيا وبتوجيه غير مباشر من الولايات المتحدة، قد انطلقت معركة إسقاطه من مظاهرة طلابية أمام البوابة الرئيسية للجامعة الأميركية في 17 آذار 1954 واستشهد في تلك المظاهرة الطالب التقدمي الاشتراكي حسان أبو إسماعيل وأصيب بالشلل ابن الطيبة الجنوبية مصطفى نصر الله، لتتوج تلك المعركة بثورة 14 تموز 1958 في بغداد، ثم ليعلن سقوط ذلك الحلف نهائياً بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران في مطلع عام 1979.. بعد ان كانت سحبت واشنطن دعمها له بعد الحرب التركية في قبرص عام 1974..
كانت مهمة ذلك الحلف، ربط دول الشرق الأوسط بالمنظومة الغربية التي كان يربطها، وما زال، حلف شمال الأطلسي والدافع اليه يومها، مواجهة الخطر الشيوعي، لكن إصرار واشنطن ولندن على ان ينطلق ذلك الحلف من بغداد، في المقابل أدى الى انطلاق الحركة القومية العربية في مواجهته انطلاقاً من مصر عبد الناصر الى سورية البعث والعروبة، الى الأردن النابلسي والريماوي واللواء علي أبو نوار، الى لبنان المنتفض يومها في صيف 1958، وبدلاً من ان يؤدي الحلف الى انخراط المنطقة في المشاريع الاستعمارية أدى الى قيام مد قومي تحرري لم يسهم في تغيير وجه المنطقة وحدها فحسب، بل ساهم في تغيير وجه العالم كله لاسيّما بعد مؤتمر باندونغ عام 1955 وولادة حركة عدم الانحياز بعده.
إن استعادة نضال تلك السنوات ليس حباً في استعادة امجاد الماضي فقط وليس استذكاراً لشهداء اعزاء فحسب، بل هو أيضاً تذكير لكل من يعتقد ان بلادنا جاهزة اليوم للانخراط في مشاريع التطبيع والالتحاق النفوذ الاستعماري، وإن لبنان، المحدود في مساحته وامكاناته، والذي يرزح تحت ضغط استعماري – صهيوني له امتداداته المحلية، مؤهل لأن يصبح فريسة هذه المشاريع في ظل ما يجري حوله من تطورات..
من كان يصدق ان مظاهرة طلابية بسيطة، استشهد فيها حسان أبو إسماعيل وأصيب فيها مصطفى نصر الله ستتحول الى حريق كبير يشعل المنطقة، ومن حولها بنار التغيير الذي كاد ان يكون شاملاً لولا ثغرات عدة أصابت الجسم القومي والتحرري العربي أبرزها ما حصل من انقسامات بين قوى التحرر العربي والإسلامي من جهة، وامراض السلطة التي لم يسلم منها أحد من أطراف هذه القوى..
لا نستعيد تاريخنا كسجون نبقى أسرى له، بل نستعيده كمدرسة نتعلم منه كي نطّور ما فيها من إيجابيات ونتخلص مما علق به من شوائب وسلبيات..
17/3/2025