مقدمة ابن خلدون!
رنا علوان
ابن خلدون الذي أحدث خرقًا إبستمولوجيًا ، وكأنه ينتمي الى عصر الحداثة مُتخطّيًا الجدار الزمني ، فلقد أثبت أنه عالِم الاجتماع الأول بلا منافس ، وشهدت بذلك الماركسية المعاصرة ، بل هو أهم مؤرخ ، فقد أصدر أحكامه في الخبرات البشرية التي عايشها ، وانتهج نهجًا علميًا في التصدي للتاريخ البشري ، عاكفًا على بحث العوامل الموضوعية لتقدم المجتمعات ، ولقد حاولت أعمال أدبية وأكاديمية وتراجم متنوعة تناول الأفكار الخلدونية ، بيد أن هذا الكتاب يُعد دعوة للتمحيص في أفكار هذا العبقري ، من خلال التركيز على ابن خلدون الإنسان ، وتحليل أعماله التي اختلطت فيها فلسفة التاريخ بفلسفة المعرفة وفلسفة الحضارة
هو عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي ، ويُكنى ب” أبي زيد”، ولد أبو زيد في تونس بنهج تربة الباي لأسرة تمتاز بالعلمٍ والأدب ، حفظ القرآن الكريم وهو طفل صغير حيث كان أبوه هو من يُعلمه
تقلد أجداده مناصبَ سياسيةً ودينيةً هامة في تونس والأندلس آنذاك ، وكانت لهم الكلمة في البلاد ، وكما ذكر ابن خلدون في أحد كتبه أن [ أصله من قبيلة حضرموت وهي قبيلة من عرب اليمن ]
درس القراءات وعلم التفسير وعلم الحديث والفقه المالكي ، وعلم الأصول والتوحيد ، ودرس أيضًا علوم اللغة من نحو وصرف وبلاغة وأدب ، وعلوم المنطق والفلسفة والطبيعة والرياضيات ، وكان مشايخه يُعجبون به في كل العلوم التي درسها على أيديهم
سافر إلى تونس والتي عمل فيها في ديوان السلطان ككاتب للعلامة في مراسيل السلطان ، ثم انتقل إلى المغرب حيث عمل هناك نفس العمل ، وأضاف عليه أنه قد تولى الحجابة لسلطانين ، وعُين للفصل بين الناس وإقامة العدل ، وبعدها انتقل إلى مصر وهناك عمل كحاجب للسلطان تارة ومدرسًا تارةً أخرى
اما عن كتابه مقدمة خلدون الذي زاع سيطه ، فهو في الأصل مقدمةً لكتابه [ العبر ] المعروف أيضًا ب [تاريخ ابن خلدون] ولكن لأهمية هذه المقدمة فقد طُبعت ككتاب مُنفرد من ثلاثة مجلدات واهتموا بتحقيقها وتهذيبها وشرحها
وقد قسّم ابن خلدون هذا الكتاب ( المقدمة ) إلى ستة فصول ، ففي أول فصلين تحدث عن العمران البشري والبدوي وقسم أنواع الأرض ، وفي الفصل الثالث تحدث عن الدول والخلافة والمُلك وعدد مراتب السّلطانية
ثم عاد في الفصل الرابع للحديث عن العمران ولكن عن العمران الحضري في هذه المرة وكذلك تحدث عن البلدان والأمصار ، وأفرد الفصل الخامس بالحديث عن الصنائع والمعاش والكسب ووجوهه ، وفي الفصل السادس والأخير تحدث عن العلوم وطُرث تعلمها وكيفية اكتسابها
اما الموضوع الذي يتناوله كتاب المقدمة ، فقد حاول ابن خلدون أن يُكسب هذه المقدمة طابع الموسوعية ، فتناول فيه جميع موضوعات المعرفة مثل علوم الشريعة والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد ، وكذلك تحدث عن علم العمران والاجتماع والسياسة والطب
كما استعرض فيه أحوال الناس والاختلافات في طباعهم ، وأثرالبيئة الكبيرعلى الإنسان وفيه ، ثم قام بدراسة مراحل تطور الأمم والشعوب وبداية الدولة ونشأتها والأسباب التي تؤدي إلى انهيار الدولة ، وقد ركز في ذلك على مفهوم العصبية
واليكم بعض من أقوال ابن خلدون
شعور الانسان بجهله ضرب من ضروب المعرفة.
إذا فسد الإنسان في قدرته ثم في أخلاقه ودينه، فسدت إنسانيته وصار مسخًا على الحقيقة.
كوارث الدنيا بسبب اننا نقول نعم بسرعة، ولا نقول لا ببطء.
رحل ابن خلدون عن هذا العالم في عام 1406م ، تاركًا إرثًا يُخلِد ذكراه إلى قرون كثيرة بعد وفاته ، ومازالت مؤلفاته وكتبه بمثابة المورد لكل باحث في علم الاجتماع وغيره ، ودُفن ابن خلدون في مدافن الصوفية في مصر في منطقة [ باب النصر ] بمحافظة القاهرة ، وقبره غير معروف مكانه الآن
2023-05-23