متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الواحد والتّسعون، بتاريخ الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر 2024!
الطاهر المعز
يُصادف صُدُور هذا العدد الذّكرى الرابعة والخمسين للوفاة الفُجْئِيّة للرئيس المصري جمال عبد النّاصر ( 1918 – 1970) أحد أقطاب حركة عدم الإنحياز ومنظمة الوحدة الإفريقية، حيث كان النظام المصري يدعم ثورات الجزائر واليمن وغيرها.
يتضمّن العدد الواحد والتّسعون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة عن “التعاون العسكري” الأمريكي الصهيوني، وفقرة عن أحد مظاهر التطبيع المصري مع العدو، وفقرة عن بعض نتائج حملات مقاطعة الكيان الصهيوني، وفقرة عن ارتفاع حجم الديُون ونسبتها من الناتج المحلي الإجمالي، خصوصًا في الولايات المتحدة وفرنسا، وفقرة عن أحد فُصُول الحرب الإقتصادية، حيث تقوم دول أوروبا وأمريكا الشمالية بدعم الشركات العابرة للقارات من المال العام، وتتخذ إجراءات زجرية ضد الصين بذريعة قيامها بنفس الممارسات ونبذة عن مسار تحوُّل الإقتصاد الأمريكي من اقتصاد صناعي منتج إلى اقتصاد ربوِي مُضارب، وفقرة عن زيف الديمقراطية في الإتحاد الأوروبي وممارسة الرقابة الإلكترونية، من خلال وسائل التواصل “الإجتماعي”
في جبهة الأعداء:
نقلت وسائل إعلام عن وزارة الحرب الصهيونية إن كيان الإحتلال تسلَّمَ من الولايات المتحدة من شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023 إلى منتصف شهر آب/أغسطس 2024، أكثر من خمسين ألف طن من المعدات العسكرية لمُساعدته على تنفيذ المجزرة ضد فلسْطِينِيِّي، وتشمل المعدات 500 طائرة عسكرية و107 شحنات بحرية، فضلاً عن مركبات مدرعة وذخيرة ومعدات حماية شخصية ومعدات طبية، بحسب بيان وزارة الحرب الصهيونية التي أوضحت إن هذه المساعدات تندرج ضمْنَ “التعاون والتحالف الأمريكي الإسرائيلي”، ويشمل هذا “التّعاون” الدّعم العسكري والسياسي والإيديولوجي ( تمجيد الإحتلال والإبادة وتهجير السكان الأصليين) والدّبلوماسي والإعلامي، وتحويل الإجرام إلى “دفاع عن النّفس”، وانتهاك قرارات الأمم المتحدة والقضاء الدّولي…
في لبنان، انتقل العدو الصهيوني إلى درجة أخرى من العدوان، بتنفيذ تفجير جماعي لأجهزة الإتصال ( أجهزة النّداء أو الإستدعاء والإرسال)، وأورد موقع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، يوم الثلاثاء 17 أيلول/سبتمبر 2024، نقلا عن “مسؤولين أمريكيين” إن الكيان الصهيوني نَفَّذَ عمليات التّفجير بإخفاء مواد متفجرة داخل دفعة من أجهزة الاتصال التي استوردها لبنان من شركة “غولد أبولو” التايوانية، والتي تم تفخيخها وزَرْعُ مادّة متفجرة داخل كل جهاز اتصال قبل وصول الشّحنة إلى لبنان، ليتسَنّى تفجيرها عن بُعد، ورغم ادّعاء الجيش الأمريكي عدم ضلوعه في عمليات التفجير فإن الخبراء يُؤكّدون إن الجيش الأمريكي يستخدم هذا النوع من التكنولوجيا التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي فقط، من الجو عبر طائرات سي 130.
تمثل عمليات التفجير هذه بُعْدًا جديدًا للعمليات العسكرية والإرهاب الحكومي، أو إرهاب الدّولة أو الإرهاب السياسي، فالعملية الإرهابية الصهيونية التي حصلت في لبنان ليست مُعقّدة من الناحية الفَنِّيّة، وهي ليست أكثر تعقيدًا من زرع أجهزة تَنصّت وتحديد المَواقع، حيث يمكن زرع مادّة مُتفجّرة في أي بطارية لتصبح مجمل الأجهزة التي نستخدمها يوميا قنابل متنقلة، مثل الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب والمُعدّات والأجهزة المنزلية (كأجهزة التلفزيون والثلاجات وأدوات المطبخ) والسّمّاعَات والسيارات الكهربائية والطّائرات المدنية أو العسكرية وغيرها، وتكمن الصعوبة في تنزيل الأوامر التي يمكن أن تظهر في شكل تحديث للبرنامج…
أظهرت هذه العملية الإرهابية المدعومة من قِبَل الإمبريالية الأمريكية مَخاطر استخدامِ أجهزةٍ مصنوعة في الخارج ( في الدّول الإمبريالية أو الحليفة لها) دون إدْراك ما تُخْفِيه مُكَوّناتها، ما قد يُؤَدِّي إلى انفجارها في الأماكن العمومية وفي محلات السّكن أو التجارة أو الأسواق والمستشفيات والمدارس والمصانع والسّاحات والمتاحف وما إلى ذلك، فقد تم إنتاج الأجهزة الملغومة – التي انفجرت في لبنان – من قِبَلِ شركة تايوانية، وتايوان مَحْمِيّة أمريكية، وتم بيع الأجهزة إلى لبنان بواسطة شركة وهمية يقع مقرّها الوهْمِي في المجر، كما انفجرت أجهزة أخرى، بعد حوالي 24 ساعة، تنتجها شركة يابانية، واليابان قاعدة عسكرية أمريكية ضخمة، لها عشرات الفروع في جميع أنحاء العالم، وأدّت هذه الأجهزة المُستوردة من بلدان تُهيمن عليها الولايات المتحدة، إلى قتل عشرات المواطنين وإصابة الآلاف في لبنان، من بينهم جنود وأعضاء حزب الله، ومواطنين عاديين وعُمّال وأطباء وموظفين…
نفّذ الكيان الصهيوني عمليات التفجير الإجرامي في لبنان، بعد أربعة أشهر (19 أيار/مايو – 17 و 18 أيلول/سبتمبر 2024) من انفجار طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية ومرافقيهما، وكانت لديهم أيضًا أجهزة نداء شبيهة بتلك التي انفجرت في لبنان، وقد يكون الفاعلُ (المُجْرِمُ) واحِدًا
مصر، من مظاهر التّطبيع
ارتفع نشاط النقل البحري بين موانئ مصرية (الإسكندرية ودمياط والدخيلة وأبو قير وبورسعيد والعريش)، ومينائي حيفا وأشدود في فلسطين المحتلة، منذ بداية العدواني الحالي على الشعب الفلسطيني في غزة، حيث أصبحت الموانئ المصرية أداة للإلتفاف على المقاطعة وعلى الحصار الذي تفرضه المقاومة اليمنية، وتحوّلت الموانئ البحرية المصرية إلى معابر لنقل الحاويات وشحنات الإسمنت والبضائع غير المعبأة كالحبوب والسكر والفحم وغيرها، واقتصرت مهمة حوالي عشرين من السفن المصرية على نقل الحمولات بشكل دوري من وإلى موانئ موانئ مصرية وفلسطينية، فضلا عن السفن المصرية الأخرى التي تقوم برحلات غير دَوْرِية بين قبرص واليونان وفلسطين المحتلة، لِنَقْل البضائع للعدو، مما يُخفف عنه الأعباء، فهذه الرحلات أقْصَر مُدّة وأرْخَص ثمنًا، وهناك العديد من السفن الأخرى غير المصرية التي تنقل السلع للعدو انطلاقا من موانئ مصر الواقعة على ساحل الأبيض المتوسط، تحت أعلام بنما وليبيريا والكيان الصهيوني ومصر وأنتيغوا وباربودا وسنغافورة وتركيا واليونان وألمانيا وقبرص وسانت كيتس ونيفيس وغيرها وفق بيانات “فيسّلفيندر” لتتبع حركة السفن وتعود ملكية العديد من هذه السفن إلى شركات توجد مَقَرّاتها الرسمية في اليونان وجزر مارشال وفلسطين المحتلة ومصر واليونان وألمانيا وسويسرا…
من جهة أخرى ارتفع حجم التجارة بين مصر والعدو الصهيوني خلال سنتَيْ 2022 و 2023، وزاد بشكل استثنائي منذ شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023 وحتى يوم 22 آب/أغسطس 2024، تاريخ تحرير هذه الفقرة، اعتمادًا على بيانات مكتب الإحصاء الصهيوني التي تُشير إلى ارتفاع واردات مصر من العدو من معدل 106,8 مليون دولارا خلال الفترة من الأول بين كانون الثاني/يناير و 31 تموز/يوليو 2022 و 2023 إلى 331,6 مليون دولارا، خلال نفس الفترة من سنة 2024، وارتفعت صادرات مصر قليلا ( من 162,8 إلى 170,1 مليون دولارا) خلال نفس الفترة، وتزامن ارتفاع حجم التجارة بينهما بالتزامن مع استمرار وتصعيد العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، ومع الحصار اليمني المفروض على السفن المتوجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة.
سلاح المقاطعة
أقَرّت الجامعة العربية، سنة 1955 (قبل استقلال دول المغرب العربي) مُقاطعة الكيان الصّهيوني والشركات المُتعاونة والمتعاملة معه المُصَنَّفَة ضمن “القائمة السّوداء”، وكانت هذه المُقاطعة ناجعة نسبيا، حتى تاريخ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وأُوسلو، فحلت محلها المُقاطعة الطّوْعِيّة الشعبية التي تختلف أساليبها ونجاعتها عن المُقاطعة الرّسمية، فيما تأكّدت نجاعتها في مجال الدعاية والتعبئة السياسية، باعتبارها إحدى أشكال المُقاومة في الوطن العربي وخارجه، رغم النّواقص الكثيرة والقُصُور السياسي أحيانًا، من ذلك اقتصار عبارة “الأراضي المحتلة” لدى جل حركات المُقاطعة “الغربية” على الجزء المُحتل سنة 1967، وتضييق بعض المنظمات الأخرى نطاق المُقاطعة ليشمل “المُستوطنات غير الشرعية”، مما يعني – لدى هذه المنظمات – إن جل المستوطنات أو حتى الكيان الصهيوني نفسه يكتسب وجودًا شرعيا على أرض وَوَطَن الشعب الفلسطيني…
تكثفت دعوات المقاطعة منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 وكان تأثيرها سريعًا على الشركات التي تميز المُشرفون عليها بوقاحة زائدة عن اللُّزُوم مثل ماكدونالدز وكنتاكي وستاربكس ونستليه وغيرها من شركات إنتاج وتوزيع سلع الإستهلاك اليومي، واندمجت نتائج المقاطعة مع تأثيرات الحرب التي تُخفّض من شروط الإستقرار والأمان التي ينشُدُها رأس المال لتعظيم أرباحه، فانسحبت العديد من الشركات الإستثمارية من فلسطين المحتلة، ومُؤَخَّرًا أعلنت شركة “إنتل” للتكنولوجيا ولصناعة الرّقائق – وهي أمريكية المنشأ، وتُشكل فلسطين المحتلة ثاني أكبر موطن لاستثماراتها – تجميد مشاريعها الضخمة التي كانت بصدد إنجازها على الأراضي المُصادَرَة من الفلسطينيين في النّقب (جنوب فلسطين) غير بعيد عن مقر بعض المؤسسات والإدارات والقواعد العسكرية التي انتقل بعضها من ضواحي تل أبيب، وذكرت مواقع إعلامية صهيونية إن شركة “إنتل” تمر بصعوبات كبيرة نتيجة إلغاء عُقُود بعض المُوَرّدِين…
المطلوب الآن تحويل المقاطعة من حملات إلى عمل مستمر، لا يقتصر على الشركات بل يشمل الدّول والهيئات ومراكز البحوث التي تُبرّر التطبيع “بضرورة الفصل بين السياسة والعلم” وهي نفس النّغمة التي نسمعها في مجال التجارة أو الرياضة أو الفن وما إلى ذلك، وما المُقاطعة سوى جُزْء من المقاومة وليس كلها والمطلوب تنسيق كافة أشكال المقاومة، بهدف زيادة النجاعة والفاعلية…
دُيُون
قَدَّرَ صندوق النّقد الدّولي حجم الديون العالمية بنحو 315 تريليون دولار خلال شهر أيار/مايو 2024، أو ما يُعادل 3,7 أضعاف الناتج الإجمالي العالمي، وحطّمت الولايات المتحدة الرقم القياسي حيث ارتفع الدين الإتحادي إلى أكثر من 35,2 تريليون دولار، بزيادة نسبتها 46% خلال خمس سنوات، وتُصبح مسألة الدّيون مُزعجة عند ارتفاع نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن تجاوزها حجم الإقتصاد، كما هو الحال في الولايات المتحدة (129% من الناتج الإجمالي المحلي) وفرنسا (112,3% من الناتج المحلي الإجمالي، خلال شهر أيار/مايو 2024، وفق وكالة رويترز 24 آب/أغسطس 2024
فَصول من الحرب الإقتصادية
ارتفعت الواردات الكندية من السيارات من الصين إلى أكبر موانئها، فانكوفر، بنسبة 460% على أساس سنوي مقارنة بسنة 2023 ، وتُعَدُّ تعد الصين ثاني أكبر شريك تجاري لكندا بعد الولايات المتحدة، واتخذت حكومة كندا يوم 27 آب/أغسطس 2024 قرارًا ضدّ تيار السوق، أي ضد ارتفاع الطّلب على السيارات الصينية، وقررت فَرْضَ رسوم جمركية بنسبة 100% على واردات السيارات الكهربائية المصنعة في الصين، بما في ذلك سيارات تسلا، وفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على واردات الألومنيوم والصلب الصيني، مع احتمال اتخاذ المزيد من الإجراءات “العقابية”، مثل فرض رسوم جمركية على الرقائق والخلايا الشمسية، ويأتي هذا الإعلان بعد خطوة مماثلة من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، بذريعة “دعم الدّولة الصينية للإنتاج وإغراق الأسواق العالمية”، وأعلن رئيس الحكومة الكندية إن هذا القرار حصل “بالتوافق وبالتوازي مع الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم”، وأدّت هذه الإجراءات الحِمائِيّة إلى انخفاض أسهم تيسلا بنسبة تزيد عن 3,2% يوم 27 آب/أغسطس 2024، واعتبرت وزارة التجارة الصينية: “إن هذه الإجراءات تُعَطِّلُ استقرار سلاسل الصناعة والتوريد وتقوض النظام الاقتصادي العالمي وقواعد التجارة الحرة ونظام التجارة المتعدد الأطراف القائم على قواعد منظمة التجارة العالمية…”، وتظهر بيانات الجمارك الصينية أن أهم واردات الصين من كندا سنة 2023، كانت بقيمة نحو 4 مليارات دولار من النفط و3,5 مليار دولار من بذور اللفت وأكثر من مليارَيْ دولار من خام الحديد، بالإضافة إلى ما يقرب من 14 مليار دولار من الذهب غير النقدي، وتدرس الصين خفض وارداتها من كندا كما فعلت مع الإتحاد الأوروبي…
سبق أن أعلن الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن خلال شهر أيار/مايو 2024 مضاعفة الرّسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية بنسبة 100%، ومضاعفة الرسوم الجمركية على أشباه الموصلات والخلايا الشمسية بنسبة 50%، بالإضافة إلى رسوم جمركية جديدة بنسبة 25% على بطاريات الليثيوم أيون والسلع الاستراتيجية الأخرى بما في ذلك الصلب، “لحماية الشركات الأمريكية من الإنتاج الصيني الزائد الذي تدعمه الدّولة”، وأعلنت وزارة التجارة الأمريكية، خلال نفس اليوم الذي أقرت خلاله كندا زيادة الرُّسُوم (27 آب/أغسطس 2024) إنها تدرس “مَنْحَ خمسين مليون دولارا، من المال العام، لمجموعة ( إتش بي – HP ) لدعم توسيع وتحديث منشأة الشركة الحالية في ولاية أوريغون من أجل تعزيز تقنيات أشباه وأجهزة التكنولوجيا المستخدمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والمشاريع الأخرى…”، وسبق أن أقَرّ الكونغرس الأمريكي قبل سنتَيْن (آب/أغسطس 2022) دَعْمًا حكوميا بقيمة حوالي أربعين مليار دولارا لتصنيع أشباه الموصلات والمكونات ذات الصِّلَة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى دعم في شكل قُرُوض بشروط مُيَسّرة بقيمة 75 مليار دولار من سلطة الإقراض الحكومي، مع إعفاء بنسبة 25% على الإستثمار بقيمة تقدر بنحو 24 مليار دولار، وسبق أن حصلت مجموعة ( HP )، وهي ليست الوحيدة، على مساعدات حكومية أمريكية “لدعم تكنولوجيا أشباه الموصلات المُهِمّة لابتكار وتصنيع أجهزة ومعدات مختبرات العلوم الحيوية المستخدمة في اكتشاف الأدوية وأبحاث الخلية الواحدة وتطوير خطوط الخلايا…”، وأعلنت وزارة التجارة الأمريكية تخصيص حوالي ثلاثين مليار دولارا من المال العام في شكل قُروض مُيسّرة و32 مليار دولارا أخرى في شكل مِنح لنحو 17 شركة أمريكية في مجالات التكنولوجيا الدّقيقة، وحصلت شركات احتكارية عديدة على “منح” أو “جوائز” من دول تطبق النيوليبرالية وترفض دعم سَكَن وصحة وتعليم ونقل الفقراء، فقد حصلت شركة سامسونغ (كويا الجنوبية) على 6,4 مليارات دولارا من الحكومة الإتحادية للولايات المتحدة “لتوسيع إنتاج الرّقائق في تكساس”، ومنحت الحكومة الأمريكية 8,5 مليارات دولارا ( آذار/مارس 2024) للشركة التايوانية ( TSMC ) وشركات أخرى على مبالغ تفوق ست مليارات دولارا لكل منها…
أليس ذلك ما تفعله الصين؟
في خبر آخر يخص اتفاقية العلوم بين الولايات المتحدة والصين وتَفَوُّق الصين في مجال الإبتكارات وبراءات الإختراع، ضمن الحرب الإقتصادية، أُثِيرَ جدل حول اتفاقية العلوم بين الولايات المتحدة والصين، بذريعة أن الصين تستفيد بشكل غير عادل في مجالات مثل التكنولوجيا الحيوية وأشباه الموصلات، وذلك لأن الحكومة الأميركية تدعم 1020 براءة اختراع لمخترعين مقيمين في الصين، منذ سنة 2010، وفق بيانات من وكالة براءات الاختراع الأمريكية التي أوردت إن وزارة الحرب الأمريكية ووكالة الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا) ووكالات حكومية أخرى مولت أبحاثا أدت إلى أكثر من ألف براءة اختراع أمريكية لمخترعين أمريكيين مُقِيمين في الصين بما في ذلك في مجالات حساسة مثل الأدوية والتكنولوجيا الحيوية وأشباه الموصلات وغيرها، ويُطالب المُنْتَقِدُون بحظر التعاون مع الصين أو الشركات الصينية، بذريعة السرقة المزعومة للملكية الفكرية الأميركية، وحماية المصالح الأمريكية في مجال العلوم والتكنولوجيا وإن التقدم العلمي والتكنولوجي الصيني يمثل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي…
تمنح براءات الاختراع حقوقًا قانونية حصرية للمخترعين ولكنها تكشف أيضًا علنًا عن المعلومات الفنية المتعلقة بهذه الاختراعات، وتمثل براءات الاختراع التي حددها مكتب براءات الاختراع الأمريكي جزءًا صغيرًا من براءات الاختراع العالمية التي تمتلكها الصين التي تجاوزت خلال السنوات الأخيرة الولايات المتحدة في مجالات الابتكار العالمي، لتصبح أكبر دولة في العالم من حيث عدد طلبات براءات الاختراع، وفق وكالة رويترز 29 آب/أغسطس 2024
الولايات المتحدة، اقتصاد ربَوِي أم مُنْتِج؟
تتصدّر الولايات المتحدة قائمة أعلى اقتصاد في العالم من حيث قيمة الناتج المحلي الإجمالي منذ الحرب العالمية الثانية ( بعد تدمير أوروبا والإتحاد السوفييتي واليابان) ولا تزال تحافظ على هذه المكانة سنة 2024، وبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي حوالي 23 تريليون دولارا سنة 2021، أو حوالي رُبع ( 25% ) الناتج الإجمالي العالمي، ونحو 28,8 تريليون دولارا سنة 2023، لكن حصّة الصناعة تتراوح بين 12% و 20% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي فيما تفوق حصة الخدمات نصف حجم الإقتصاد، وتصل أحيانا إلى حوالي 70% وتتراوح حصة التأمين والتّمويل والعقارات بين 12% و 16% وعمومًا انخفض دور القطاعات المنتجة للسلع مثل الزراعة والتصنيع والتعدين والبناء، بفعل إبعاد هذه القطاعات إلى البلدان الفقيرة، حيث المواد الأولية والعمالة الكثيفة والرواتب المنخفضة، ليتم ترويج الإنتاج في الولايات المتحدة والدّول الإمبريالية بأسعار رخيصة، تُمَكِّنُ الفئات المتوسطة والعمال وحتى بعض فئات الفُقراء في الدّول الإمبريالية من استهلاك السلع الرخيصة، والمحافظة بالتالي على السّلم الإجتماعية، وتستمد الإمبريالية الأمريكية هيمنتها من عوامل عديدة، من بينها ازدهار قطاع التقنيات الحديثة والتقدم التكنولوجي والصناعات العسكرية والإنفاق الاستهلاكي القوي وهيمنة الدّولار على التجارة والتحويلات المالية الدّولية، وأدّت هذه الهيمنة إلى ارتفاع الإستثمارات الدّولية في سوق الأسهم والسّندات الأمريكية إلى نحو 15 تريليونَ دولار من بينها نحوَ 12 تريليونَ دولار في شكل قروضٍ قدَّمها العالمُ لحكومةِ الولاياتِ المتحدةِ.
تميز الإقتصاد الأمريكي بين نهاية الحرب العالمية الثانية ونهاية عقد السبعينيات من القرن العشرين، بالأداء القياسي المرتفع، بفعل الدّعم الحكومي للشركات وبفعل “مُرُونة قوانين الإستثمار وقوانين العمل” أي انخفاض الأمان الوظيفي بذريعة تعزيز تنافُسِية الإقتصاد الأمريكي، تحوَّلت الرأسماليةُ في الولاياتِ المتحدةِ من أكبرِ ربِّ عملٍ صناعيٍّ منتج للسلع في العالمِ، يعتمد على العمالة المهاجرة الرخيصة، خلال عقد سبعينيات القرن العشرين، إلى الإقتصاد المرابي الذي يعتمد الأرباح السريعة وتراكم الفوائضُ الماليةُ، فضلا عن اتّساع السوق الإستهلاكية الدّاخلية الأمريكية التي تدعم الإقتصاد وترفع من حجم الناتج المحلي الإجمالي…
الإتحاد الأوروبي والرقابة الإلكترونية
ألقت السلطات الفرنسية، مساء السبت 24 آب/أغسطس 2024، القبض على بافيل فاليريفيتش دوروف مؤسس تطبيق “تليغرام” الذي يحمل الجنسيات الروسية والفرنسية والإماراتية، رجل الأعمال الروسي بافيل دوروف، في مطار باريس لو بورجيه، على خلفية مزاعم بانتهاكات مختلفة منسوبة لتطبيق المراسلة المشفرة، ولرفضه التعاون مع السلطات الأمنية الفرنسية، وصدرت مذكرة الإعتقال قبل وقت قصير من هبوط الطائرة الخاصة لبافيل فاليريفيتش دوروف بمزاعم تتعلق بانتهاكات مختلفة منسوبة لتطبيق “تليغرام” المشفر الذي أسسه صاحبه سنة 2013 والذي أصبح واحدًا من أشهر التطبيقات على مستوى العالم، ويحظى بأكثر من 900 مليون متابع، ورفضت السلطات الفرنسية طلب السفارة الروسية في باريس شرح أسباب هذا الاحتجاز وطلب حماية حقوق المُعْتَقَل والسماح بزيارة ممثل عن القنصلية، وانتقَدَ إيلون ماسك اعتقال رجل الأعمال الروسي، لأن ماسك مُستهدف إذا لم يتعاون مع الإستخبارات الأوروبية، كما يفعل مع الإستخبارات الأمريكية، وبعد خمسة أيام من الإعتقال تم الإفراج عن مؤسس تليغرام يوم الخميس 19 آب/أغسطس 2024، بكفالة، مع حَظْرِ السّفر بانتظار محاكمته المحتملة في قضية تتعلّق بإشراف شركة تليغرام على محتوى منصّتها الخاصة بالمراسلة، والذي وصفته السّلطات الفرنسية ب”قضايا تتعلّق بنشر محتوى متطرّف في تطبيق الرسائل النصية”، وهي خطوة جديدة لاستمرار انهيار حرية التعبير في فرنسا وفي أوروبا التي تُحقق كذلك ضد إيلون ماسك وشبكة التواصل الاجتماعي X/Twitter “لانتهاك قانون الخدمات الرقمية”، وبالتالي فإن اعتقال بافيل دوروف في باريس هو أداة للضغط على إيلون ماسك…
تمتلك الإحتكارات التكنولوجية الكبيرة شبكات التواصل المُسمّى “اجتماعي” ومن مصلحتها اجتذاب أكبر عدد ممكن من المُستخدمين لكي ترتفع أسعار إعلاناتها وترتفع قيمتها في أسواق الأسهم، وتريد سلطات الدّول الكبرى السيطرة على الحجم الهائل من البيانات والمُعطيات ومراقبة محتوى رسائل المستخدمين، مما يخلق تضاربًا (جُزْئِيًّا) في المصالح، وجسّدت المعركة بين الملياردير الأمريكي إيلون ماسك والمفوضية الأوروبية هذا التّضارب، ففي 12 تموز/يوليو 2024، نشر الإتحاد الأوروبي النتائج الأولية لتحقيقاته التي اعتبرت إن شركة X/Twitter تخالف القانون لأن التطبيق الجديد لتوليد الصور لم يكن خاضعًا للرقابة، لكن لا تستطيع المفوضية الأوروبية حظر منصة X/Twitter التي يستخدمها حوالي 45 مليون مواطن في أوروبا، كما فعلت مع TikTok، لأن إيلون ماسك يحظى بدعم وزارة الحرب الأمريكية التي تستخدم تطبيقات منصة تويتر/إكس في مجال الاتصالات العسكرية لحلف شمال الأطلسي وفي أوكرانيا وعدد من الجبهات الأخرى، وقد تنتهي معركة الاتحاد الأوروبي مع الاحتكارات التكنولوجية الكبيرة بغرامة تُشكل نسبة مائوية من دخل هذه المنصات باسم “مكافحة التضليل”، ويتمثل جوهر المسألة في خصخصة الرقابة السياسية.
يُصْدر الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التقارير عن قمع الحريات في الصين أو إيران أو روسيا وأظْهر الدّعم المطلق للعدوان الصهيوني وقمع أي حركة احتجاج، زَيْفَ ادّعاء الديمقراطية، وتُشكل رقابة محتوى الإعلام وإغلاق الشبكات والحسابات إرهابًا للمواطنين والإعلاميين الذي يعتادون على ممارسة الرقابة الذّاتية خوفًا من مواجهة تهمة “الإرهاب” أو نشر الأخبار الزائفة وما إلى ذلك، مما يُؤَدِّي إلى استحالة التعبير الحر ونشر الآراء المتنوعة، وتهدف سلطات الإتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة السيطرة على قاعدة البيانات الضخمة لمُسْتَخْدِمِي شبكات الإتصال ووضعها تحت تصرف قوات الشرطة لإثراء ملفات الرقابة والتجسس وفهرسة كل مواطن أوروبي حسب آرائه الاجتماعية والسياسية.
2024-09-29