متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الرّابع والتّسعون، بتاريخ التاسع عشر من تشرين الأول/اكتوبر 2024
الطاهر المعز
يتضمن العدد الرّابع والتّسْعون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرات بعنوان في جبهة الأعداء عن الهجرة المُضادة، أي خروج المُستوطنين من فلسطين المحتلة، وعن الدّعم الأمريكي الضخم للعدوان الصهيوني، وفقرة عن باكستان كنموذج للدّول المُقْتَرِضة من صندوق النقد الدّولي، وفقرة عن الإقتصاد الألماني المُتأزم، وهو أكبر اقتصاد أوروبي، وفقرة عن الدّعم الحكومي الأمريكي المباشر للشركات الكُبرى ( وهي التّهْمَة المُوَجَّهَة إلى حكومة الصّين) وفقرة وعن الحرب التكنولوجية والإقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضدّ الصين، وفقرة عن ثروة أثرى الأثرياء في الولايات المتحدة، أفرادًا وأُسَرًا
في جبهة الأعداء 1
هجرة مُضادّة
نشر المكتب المركزي الصهيوني للإحصاء، يوم الأحد 22 أيلول/سبتمبر 2024 بيانات تُفيد استمرار، بل ارتفاع عدد المُستوطنين الذين يغادرون فلسطين المحتلة بشكل نهائي، إلى 55300 أو ما نسبته 5,7 عن كل ألف نسمة، وتُصنّفهم البيانات الرسمية على إنهم “مُنْشَقُّون” أي لم يعودوا منذ فترة طويلة أو ما يُسميه مكتب الإحصاء “الهجرة طويلة الأمد، وتخص هذه الأرقام الهجرة المُعاكسة السّابقة للعدوان على فلسطينيِّي غزة، وتظهر البيانات التّقديرية زيادة بنسبة 59% بين عدد المُغادرين سنة 2023 (25500 شخص) وسنة 2024 (بيانات مؤقتة): 40600 شخص، خلال الأشهر التسعة الأولى، وبلغ متوسط الفارق في حالات المغادرة طويلة المدى كل شهر بين سنَتَيْ 2023 و2024 نحو 2200 شخص إضافي هذا العام (2024)، وشملت الزيادة المُستوطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عامًا، وتفوق نسبتهم 40% من المُغادرين، فيما يُفكِّرُ حوالي ثلث “الإسرائيليين” في مغادرة فلسطين المحتلة، والعودة إلى البلدان التي أتوا منها، وفق استطلاع تم إجراؤه خلال شهر تموز/يوليو 2023، أي قبل العدوان على فلسطينيي غزة…
تزايدَ حجم الهجرة المُضادة (الخروج من فلسطين) باستمرار، ولو بِبُطْءٍ، منذ 2009، بعد اندلاع العدوان السابق التي استمر ثلاثة أسابيع ثم تلته موجة من الهجرة المضادة سنة 2014، وخلال سنة 2020، بلغ عدد المستوطنين الجدد عشرة آلاف، فيما غادر البلاد حوالي 21 ألف مُستوطن، ووجب استهداف التّجمّعات الكبرى للمستوطنين ومؤسسات النشاط الإقتصادي والتجمعات العسكرية لتسريع عمليات الهجرة المُضادّة وخفض حجم الإستثمارات وعدد السّائحين وتسريع نهاية الحلم الصهيوني…
في جبهة الأعداء 2
دعم عسكري أمريكي ضخم
تُشير وسائل إعلام صهيونية إلى أن العُدْوان على أهلنا في فلسطين ولبنان لم يكن ممكنًا بدون الدّعم السياسي والإعلامي والدّبلوماسي الأمريكي وخصوصًا الدّعم المالي والعسكري وزيادة حجم ونوعية شحنات السلاح والذخائر الأمريكية، والدعم المادي واللوجيستي الذي تقدمه الولايات المتحدة ويتضمّن العتاد العسكري المتطور 75 طائرة مقاتلة من طراز إف-35، التي مولت تصنيعها الدّول الأوروبية من أعضاء حلف شمال الأطلسي، وتعتبر أكثر المقاتلات تقدما من الناحية التكنولوجية، وحصل عليها الكيان الصهيوني قبل أي من الدول التي ساهمت في تمويل تصنيعها، وتم تسديد الثمن بمساعدة أمريكية، كما نصبت الولايات المتحدة في فلسطين المحتلة أنظمة دفاع مثل باتريوت والقبة الحديدية وأرسلت أموال ضرائب سكان أمريكا (أمريكيين ومقيمين) لمساعدة العدو الصهيوني وإعادة تزويد نظام القبة الحديدية بالصواريخ الاعتراضية، ولتمويل تطوير نظام “مقلاع داود” المصمم لإسقاط الصواريخ التي تطلق من مسافة 100 إلى 200 كيلومتر، وما إلى ذلك من الأسلحة المتطورة، وأعلنت وزارة الحرب الصهيونية يوم الخميس 26/09/2024 عن حصولها على مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة بقيمة 8,7 مليار دولارا لدعم العدوان على الشعب اللبناني، وتتضمن المساعدات 3,5 مليارات دولار لتمويل شراء مستلزمات حيوية للحرب (دون تفصيل) و5,2 مليارات دولار لتسليح أنظمة القبة الحديدية ومقلاع داوود ونظام “سَهْم” ونظام الليزر، وفق بيان وزارة حرب العدوّ الذي أشار إنه تم الإتفاق على تسليم المبالغ والمعدات المذكورة خلال الفترة القصيرة المقبلة (دون تحديد)، واتخذت إدارة جوزيف بايدن (بدعم من أعضاء الكونغرس) هذه القرارات رغم استطلاعات الرأي التي تُشير إلى أن أكثر من نصف الأمريكيين يعتقدون “بضرورة تقييد المساعدات العسكرية” المقدمة للكيان الصهيوني الذي يستهدف النساء والأطفال والمباني والمدارس والمستشفيات وشبكات المياه والكهرباء، مما خلّف في غزة دمارًا لم تعهده الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، ومجاعة غير مسبوقة، وتهديدًا لحياة ملايين الفلسطينيين بسبب حَظْر دخول الغذاء والدّواء وفِرق الإغاثة وبسبب رفض تطبيق قرارات ما يُسمّى “المجتمع الدّولي” والمُؤسسات القضائية الدّولية…
قُدِّرَت قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية للكيان الصهيوني، من سنة 1948 إلى سنة 2022، بنحو 158,8 مليار دولار، وفق البيانات الأميركية الرسمية، وشبكة “بي. بي. سي”، وقدّرت بيانات خدمة أبحاث الكونغرس إن هذا المبلغ قد يصل إلى 260 مليار دولار عند احتساب معدل التضخم، وتنقسم المساعدات الأميركية إلى مساعدات عسكرية ( لا تتضمن عشرة مليارات دولارا لبرامج الصواريخ) ومساعدات اقتصادية، وتكون معظم المُساعدات العسكرية في شكل مِنَحٍ لشراء أسلحة أمريكية، فضلا عن 3,8 مليارات دولارا سنويا يتلقاها الكيان الصهيوني في شكل منحة من البرامج الأمريكي للتمويل العسكري الموجّه للخارج بالإضافة إلى 500 مليون دولار سنويا للبحث والتطوير ونشر أنظمة الدفاع الصاروخي مثل القبة الحديدية، وبلغت المُساعدات المُقدَّمة للعدو الصهيوني – سنة 2021 – نسبة 59% من إجمالي المساعدات العسكرية التي تُدْرِجُها الولايات المتحدة ضمن برنامج التمويل العسكري الخارجي، وتبلع نسبة بقية دول العالم 41% من إجمالي المساعدات الأميركية، ويتم ذلك بدعم من الكونغرس الأميركي الذي أقَرَّ عدة تشريعات تضمن استمرار التفوق العسكري الصهيوني على الجيوش العربية مجتمعة، من خلال تقديم أحدث الأسلحة الأميركية مجانا حيث يتم تسديد ثمنها من برامج المساعدات العسكرية…
باكستان
أقرّت حكومة باكستان خلال الأسبوع الأول من تموز/يوليو 2024، موازنة الدّولة الهادفة إلى “ضَبْط اقتصاد البلاد المُتعثّر” وفق وزير المالية (محمد أُورنْغزيب، ، الذي فَرَضَهُ صندوق النقد الدّولي، وهو مدير سابق في المصارف الأمريكية مثل “سيتي غروب”، و “جي بي مورغان”، ويحمل الجنسيات الباكستانية والهولندية والأمريكية ) الذي حَذّرَ يوم السابع من تموز/يوليو 2024، من خطورة الوضع المالي وأعلن إن الإقتراض من صندوق النقد الدّولي ومن الدّائنين الآخرين سوف يستمر، وإن زيادة الضرائب حتمية، وفق صحيفة فايننشال تايمز البريطانية التي أشارت إلى بعض مظاهر الخلل في اقتصاد باكستان ومنها ارتفاع حصة الإقتصاد الموازي من الناتج المحلي الإجمالي وبقاء نسبة التضخم مرتفعة ( 12,6% ) رغم انخفاضها عن مستوى السنة الماضية (2023) وتباطؤ النمو وانخفاض الإستثمار وانخفاض حجم احتياطيات النّقد الأجنبي، واحتمال التّخلّف عن سداد الدّيون كما كاد يحصل سنة 2023…
أدّى “الإنقلاب الدّستوري” ( بدعم أمريكي وسعودي) على الرئيس عمران خان إلى انكماش اقتصاد باكستان وإلى تَدَهْوُرٍ وَضْع الكادحين والفُقراء، وبلغت نسبة التضخم 38% خلال شهر أيار/مايو 2023 وانخفض احتياطي النّقد الأجنبي إلى ثلاث مليارات دولارا، أو ما يعادل ثلاثة أسابيع من الواردات، واشترط صندوق النقد الدّولي سنة 2023 – لمّا وافق على قَرْض طارئ بقيمة ثلاث مليارات دولار، انتهى أجله بنهاية شهر نيسان/ابريل 2024 – “خفض دعم الطاقة والغذاء ودعم إيرادات الدّولة من خلال زيادة تحصيل الضرائب”، وتضمنت الموازنة التي تمت الموافقة عليها زيادة الضرائب على الأجُور وعلى بعض شركات التّصدير وتجارة التجزئة لِجَمْع 13 تريليون روبية (46,6 مليار دولار) بحلول يوليو/تموز 2025، بزيادة 40% تقريبا عن السنة المالية السابقة 2023/2024، “لتخفيف عبء الديون” ( أصل الدَّيْن + الفائدة + “خدمات” أي نفقات بعثات صندوق النّقد والدّائنين الآخرين ) التي بلغت حصتها 57% من الإيرادات الحكومية، وفق وزير المالية الذي هَدّد “المتهربين من ضريبة الدخل بفرض إجراءات ردْعية ضدّهم، من بينها فرض قيود على الهواتف المحمولة وتهديدهم بقطع وصول الغاز والكهرباء ومنعهم من السفر إلى الخارج…”
ارتفعت ديون باكستان منذ حوالي عشرين سنة بسبب الإعتماد على إصدار السّندات وعلى الإقتراض من الصين ودول الخليج وتوجيه الإستثمار نحو قطاعات مُوجّهة إلى التّصدير، وإهمال الإستثمار في القطاعات المُنْتِجَة التي تُلَبِّي احتياجات السكان المحليين مما جعل البلاد تعتمد على الواردات، والإقتراض – من صندوق النقد الدّولي والصين والسعودية والإمارات – لسداد الديون القائمة والمتراكمة، ويشترط الدّائنون الخليجيون الحُصُول على أسهم ومقاعد في مجالس إدارة الشركات والمؤسسات العمومية. أما صندوق النّقد الدّولي فقد وافق مجلس إدارته يوم 25 أيلول/سبتمبر 2024، على برنامج قرض جديد لباكستان بقيمة سبع مليارات دولار على مدى ثلاث سنوات بهدف ” دعم الجهود التي تبذلها حكومة باكستان لتعزيز اقتصادها ولتهيئة الظروف لنمو أقوى وأكثر شمولاً ومرونةً”، وهذا القرض الجديد هو الرّابع والعشرون، من صندوق النّقد الدّولي، منذ 1958 مما يُفيد إن القُروض لا تُساهم في إنجاز التنمية، بل تهدف تكبيل الشّعوب والبلدان من خلال فَرْض القُيُود على استخدام القروض ومن خلال الشّروط المُرافقة لها، والتي يُسمّيها صندوق النّقد الدّولي “إصلاحات” أو برامج التّكَيُّف الهيْكلي، وأثار تطبيق هذه الشّروط معارضة شعبية في جميع بلدان العالم، بسبب الأضرار التي يُلحقها تطبيق هذا الشروط بالكادحين والأُجَراء والفُقراء…
ألمانيا
أشار تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” يوم 17 أيلول/سبتمبر 2024، إلى تَراجُعِ التوقعات الاقتصادية في ألمانيا بشكل حاد، خلال شهر أيلول/سبتمبر 2024، ما يُؤَشِّرُ إلى عُمْق أزمة أكبر اقتصاد بالإتحاد الأوروبي، وتُشير البيانات إلى انخفاض “مؤشر معهد البحوث الاقتصادية الألماني” (زد إي دبليو) الذي يقيس “معنويات” الاقتصاد الألماني، من خلال متابعة توقعات المحللين الاقتصاديين للأشهر الستة المقبلة، والتي تتسم بالتشاؤم بشأن الاقتصاد الألماني بعدما كان المؤشر إيجابيا منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، رغم الضُّعف الذي أصاب النشاط الإقتصادي الألماني والأوروبي، منذ حرب أوكرانيا وما رافقها من الإذعان للأوامر الأمريكية بحَظْر التجارة مع روسيا وعدم توريد الغاز الروسي الذي مكّن الإقتصاد الألماني من الإزدهار بفعل جَوْدَتِهِ وانخفاض ثمنه، وكانت ألمانيا قد ساهمت في بناء خطوط نقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا وأوروبا الشمالية، والتي تم تفجيرها ليتوقف ضخ الغاز الروسي، ويتدفق الغاز الصخري الأمريكي، الذي تُسدّد الشركات الأوروبية كلفته المرتفعة والبالغة خمسة أضعاف السِّعْر الذي تُسدّده الشركات الأمريكية، ورغم “تلاشي الأمل في تحسين سريع للوضع الاقتصادي”، وفق رئيس معهد البحوث الاقتصادية الألماني (زد إي دبليو) تواصل الحكومة الألمانية (تحالف حزب الديمقراطية الإجتماعية وحزب الخضر والحزب الليبرالي ) ضخ الدعم المالي والعسكري للكيان الصهيوني وأوكرانيا مما جَعَل ألمانيا ثاني دولة – بعد الولايات المتحدة – تدعم الكيان الصهيوني ونظام زيلنسكي…
كما انخفض المؤشر الخاص بالوضع الحالي للاقتصاد الألماني إلى مستويات قريبة من فترة بداية جائحة كورونا ( بين آذار/مارس و أيار/مايو 2020 ) وفق “دويتشه بنك”، حيث انكمش الإقتصاد الألماني خلال الربع الثاني من هذا العام، مع توقعات بنمو ضئيل لبقية سنة 2024، في ظل التراجع المستمر لقطاع التصنيع وانخفاض الإستهلاك، في ظل مناخ تَمَيَّزَ بتراجع أداء منطقة اليورو ككل ( 20 دولة أوروبية)، رغم قرارات المصرف المركزي الأوروبي بخفض سعر الفائدة خلال شهرَيْ حزيران/يونيو و أيلول/سبتمبر 2024، وأكّدت وكالة بلومبرغ ( 27/09/2024) “إن اقتصاد ألمانيا، وهو الأكبر في أوروبا، يُواجِهُ حالة رُكود، دون توقع حدوث انتعاش سريع “، ونقلت الوكالة التّوَقُّعات المتشائمة لرئيس معهد “إيفو للبحوث الاقتصادية” الذي اعتمد على ضُعْف أداء قطاع التصنيع الذي يُعتبر مهمًا جدًا وشمل الضُّعْفُ الصناعات الكيميائية ومعدات الكهرباء وصناعة السيارات التي تضرّرت من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي على الصين، ونتيجة لهذه المعطيات، نشرت معاهد اقتصادية ألمانية، يوم الخميس 26 أيلول/سبتمبر 2024، توقعات بتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنهاية سنة 2024، بنسبة 0,1% ( انخفض الناتج المحلي الألماني بنسبة 0,3% سنة 2023) وتتوقع هذه المعاهد انتعاشا ضئيلا بنسبة 0,8% سنة 2025، وبنسبة 1,3% سنة 2026.
استفاد الاقتصاد الألماني خلال السنوات السابقة من السعر الرخيص للطاقة بفضل اتفاقيات إمدادات الغاز الروسي، وبفضل ارتفاع الطلب الصيني على السلع الألمانية، وأدّت التوجّهات الحمائية والحظْر والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وطبّقتها أوروبا إلى انخفاض النشاط الإقتصادي وإلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 6% من القوى العاملة بنهاية شهر آب/أغسطس 2024، ويتوقع ارتفاع حالات إفلاس الشركات وخطط تسريح العُمّال وخفض عدد العاملين، وعلى سبيل المثال، أعلنت شركة “فولكسفاغن”، أكبر شركة أوروبية لصناعة السيارات، يوم الإربعاء 25 أيلول/سبتمبر 2024، إنها تعتزم إغلاق مصانع في ألمانيا وإلغاء آلاف الوظائف، بسبب تراجع الطّلب وتشديد العُقوبات على الصين…
دعم حكومي أمريكي لشركة خاصة
أعلنت صحيفة “فاينانشال تايمز” ( موقع الصحيفة يوم 27 أيلول/سبتمبر 2024) إن شركة “إنتل” لصناعة الرقائق، التي تضررت من علاقاتها الوطيدة بالكياني الصهيوني ( يوجد ثاني أكبر مصانعها للرقائق بضواحي تل أبيب) تُعاني أزمة كبيرة وألغت مشروع إنشاء مصنع في فلسطين المحتلة باستثمار قدره 25 مليار دولارا، وتدخّلت الحكومة الأمريكية لإنقاذ هذه الشركة وضخ مبلغ – في صيغة تمويل مباشر – بقيمة 8,5 مليار دولار قبل نهاية العام 2024، شرط اتخاذ تدابير لخفض التكاليف، وتَجَنُّب استحواذ شركات أجنبية على شركة إنتل التي تنافسها شركات الصين وتايوان وكوريا الجنوبية، وسبق أن حصلت نفس الشركة، خلال شهر آذار/مارس 2024، على نحو عشرين مليار دولارًا في صورة منح وقروض لتعزيز إنتاجها المحلي ( الأمريكي) من أشباه الموصلات، ولبناء مصنعين جديدين وتحديث مصنع قائم…
هذه الأخبار معلومة ومنشورة بوسائل الإعلام الأمريكية، وتخُصّ الدّعم الحكومي الأمريكي المُباشر للشركات الخاصة، أي ضخ المال العام (من ضرائب المُقيمين بالولايات المتحدة) لصالح الشركات الخاصة التي تُوزّع الأرباح على أصحاب الأسهم وعلى المديرين التنفيذيين في شكل رواتب مرتفعة جدًّا، ولكن الحكومة الأمريكية تعترض على دعم الصين أو روسيا أو غيرهما لشركات محلية، وتُقر عقوبات وترفع قضايا إلى المحاكم الأمريكية (وليس الدّولية) بذريعة “عدم احترام قواعد المنافسة الحُرّة” !!!
الحرب الإقتصادية
نشرت صحيفة نيويورك تايمز يوم الإثنين 23 أيلول/سبتمبر 2024 بعض التفاصيل بشأن إعلان إدارة الرئيس جوزيف بايدن “عن مبادرة شاملة لحظر استخدام البرمجيات التي طورتها الصين في السيارات المتصلة بالإنترنت في الولايات المتحدة”، بذريعة “منع الصين من مراقبة تحركات الأمريكيين أو استخدام المركبات كوسيلة للوصول إلى شبكة الكهرباء الأمريكية أو غيرها من البنية التحتية الحيوية، وسبق أن نشر موقع مجلة “بوليتكو” دراسة عن محاولات مَنْع الصين من المُشاركة في بناء البُنَى التحتية الرقمية الدّولية، باسم “حماية الأمن القومي” الأمريكي…
تريد الولايات المتحدة أيضًا حظر تطبيقات الكمبيوتر الصينية في المركبات، زيادة على الحظر المفروض على معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية لشركة هواوي، وعلى حَظْر تطبيقات TikTok في الهواتف المحمولة، بالإضافة إلى مَنْع تركيب رافعات صينية الصنع في الموانئ الأمريكية، وكان الرئيس جوزيف بايدن قد أعلن بايدن هذا العام ( سنة 2024) رفع الرُّسوم الجمركية بنسبة 100% على السيارات الكهربائية الصينية، بذريعة الدّعم الحكومي للشركات الصينية الذي يجعل المنافسة غير عادلة التي تؤدّي إلى تدمير الصناعات والوظائف الأمريكية، وأضاف جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، سببًا ( واهيا ) آخر ومُلخّصه “إن العديد من هذه التقنيات تجمع كميات كبيرة من المعلومات حول السائقين، كما أنها تتصل باستمرار بالأجهزة الشخصية، والسيارات الأخرى، والبنية التحتية الحيوية في أمريكا، والشركات المصنعة للمركبات والمكونات الأصلية… إن المركبات المتصلة والتكنولوجيا التي تستخدمها تجلب نقاط ضعف وتهديدات جديدة، خاصة بالنسبة للمركبات أو المكونات التي تم تطويرها في جمهورية الصين الشعبية وغيرها من البلدان ذات الاهتمام”، وفق جيك سوليفان…
أدْلت الإستخبارات الأمريكية بِدَلْوِها وأضافت إن برنامج “فولت تايفون” يُثير القلق، وهو برنامج كمبيوتر تقول المخابرات الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي إنه “محاولة صينية لإدخال تعليمات برمجية مَخْفِيَّة في الأنظمة الكهربائية الأمريكية وأنابيب المياه وغيرها من البنية التحتية الحيوية” وأضاف تعليق صحيفة نيويورك تايمز (23/09/2024) “تخشى واشنطن – لو حدثت أزمة مثل محاولة الصين الإستيلاء على تايوان – (وهي أرض صينية) أن يتم استخدام برنامج فولت تايفون لشل القواعد العسكرية الأمريكية في جميع أنحاء العالم”، وتُعتَبَرُ مثل هذه التأكيدات مُجرّد افتراضات لم يتمكّن أحد من تقديم دليل واحد على ظهور أي مُؤشّر على تنفيذها، بل تندرج هذه التأكيدات ضمن الدّعاية (البروباغندا) التي تُبرّر الإجراءات الحمائية، والعداوة تجاه الصين التي تم تحويلها من مُنافس أو خصم إلى عدُوّ، فيما تُظْهِر كافة البيانات والتصريحات والميزانيات المُعْلَنة إن الولايات المتحدة والدّول الأوروبية واليابان وغيرها تُحَفِّزُ وتدعم شركاتها، وتتجسّس على شعوب وحكومات العالم وتشن العدوان تلو الآخر وتدعم الكيان الصهيوني والمليشيات الإرهابية في أمريكا الجنوبية وآسيا وإفريقيا وحتى في أوروبا (يوغسلافيا سابقًا وأوكرانيا حاليا)، وذلك بغرض عرقلة تطور التكنولوجيا في روسيا والصين، ومنعهما من الوصول إلى الكابلات البحرية التي تنتقل من خلالها شبكة الإنترنت، الأمر الذي من شأنه أن يسرع من تجزئة الأسواق العالمية ويضع حداً للإنترنت كشبكة اتصالات عالمية.
الولايات المتحدة – من أَيْن لهم هذا؟
بدأت مجلة فوربس نشر قائمة أثرى الأثرياء، سنة 1982 ( في ظل النيوليبرالية وحكم الرئيس رونالد ريغن في الولايات المتحدة ومارغريت تاتشر في بريطانيا) وكانت قائمتها تضم 400 ثريا تفوق ثروتهم 75 مليون دولارا، وتضمنت القائمة آنذاك 13 مليارديرًا، وأصبح الحدّ الأدنى للثروة 3,2 مليار دولارا للإنتماء إلى هذه القائمة، سنة 2024، وعلى هذا الأساس، قُدِّرَت الثروة الشخصية (الفَرْدِيّة) ل801 من الأثرياء المقيمين في الولايات المتحدة بنحو 6,22 تريليون دولارا، ومن بينهم صاحب شركة تيسلا وسبيس إكس، إيلون ماسك (252,5 مليار دولارا) وصاحب شركة أمازون، جيف بيزوس (204,8 مليار دولارا) وصاحب شركة أوراكل، لاري إليسون بنحو 197 مليار دولارا ومالك شركة ميتا، مارك زوكربيرغ بنحو 182 مليار دولارا و مالك شركة الإستثمر “بيركشاير هاثاواي”، وارن بافيت ب141 مليار دولارا، وتُظْهر قائمة فوربس إن ثروة 12 مليارديرًا أمريكيا تفوق مائة مليار دولارا لكل منهم. أما عن ثروة الأُسَر فقُدّرت الثروة الإجمالية لستة أعضاء من عائلة “والتون” بنحو 349,3 مليار دولار، وستة أفراد من العائلة المالكة لشركة “مارس” بنحو 142,7 مليار دولار، وثروة إثنَيْن من أفراد عائلة كوش بنحو 141,6 مليار دولار…
ارتفعت ثروة العديد من هؤلاء الرأسماليين خلال فترة انتشار وباء كوفيد – 19، حيث ساءت حال معظم سكان العالم، واستفاد الأثرياء من المال العام، فارتفعت بذلك ثروة إيلون ماسك من أقل من 25 مليار دولارا في 18 آذار/مارس 2020، إلى 185 مليار دولارا في بداية سنة 2021، وارتفعت ثروة جيف بيزوس من 113 مليار دولار يوم 18 آذار/مارس 2020 إلى 204,8 مليار دولار يوم 13 أيلول/سبتمبر 2024، وارتفعت أصول ثلاثة أفراد من عائلة والتون – جيم وأليس وروبرت – مجتمعة من 161,1 مليار دولار يوم 18 آذار/مارس 2020 إلى 286 مليار دولار يوم 13 أيلول/سبتمبر 2024، وقائمة فوربس لأثْرَى الأثرياء المنشورة يوم 13 أيلول/سبتمبر 2024
إن الهدف من نشر مثل هذه الأخبار هو إبراز إن الأثرياء لم يحصلوا على ثرواتهم بالعمل والكَدْح، وإنما بالوراثة وبالمُضاربة وكذلك بالمال العام الذي تُوزّعه الدولة على الأثرياء، في شكا حوافز وإعفاء من الرسوم الجمركية ومن الضرائب وفي شكل ضَخّ مُباشر للسُّيُولة مثلما حصل خلال أزمة 2008 و خلال جائحة كوفيد -19
2024-10-20