متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثاني والتّسعون، بتاريخ الخامس من تشرين الأول/اكتوبر 2024!
الطاهر المعز
يتضمن العدد الثاني والتّسْعون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة عن أزمة رأس المال وعن خسائر الشركات الدّاعمة للكيان الصهيوني، وفقرة بعنوان “في جبهة الأعداء” عن الهند وتناقضات سياساتها بين الحكومة و”المجتمع المدني” وفقرة عن اهتزاز الدّور الفرنسي وتضخّم الدّور الصّيني في إفريقيا، من شرقها إلى غربها وفقرة عن التّوجّه الأمريكي نحو الفاشية…
اقتصاد عالمي مُتأزّم – ما العمل؟
تُشكّل نسبة الدّيون من الناتج المحلي الإجمالي ( مقارنة حجم الدّيون بحجم الإقتصاد الكُلِّي) إحدى مقاييس خطورة الدّيون، فقد ارتفعت قيمة الدّيُون العالمية إلى مستوى قياسي، وبلغت 315 تريليون دولارًا بنهاية شهر أيار/مايو 2024، وفق صندوق النقد الدّولي، أو حوالي 3,7 أضْعاف الناتج الإجمالي العالمي وفق بيانات صندوق النقد الدّولي، وارتفعت الدّيُون الأمريكية إلى 35,2 تريليون دولارا وتُمثل الدّيُون الحكومية الأمريكية حوالي 130% من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة بنسبة 46% خلال 5 سنوات…
تفاقمت هذه الديون بسبب ضخ المال العام في خزائن المصارف والشركات الكُبرى الخاصة خلال أزمة 2008 وخلال جائحة كورونا، مع انخفاض الإيرادات الحكومية بفعل إعفاء الأثرياء من الضرائب أو تخفيضها وبفعل حجم القروض المجانية أو شبه المجانية بشكل غير مسبوق، بدون فائدة أو بفائدة ضعيفة قريبة من الصّفر، ورغم الدّعم والحوافز وتخفيض الضّرائب وإعفاء الشركات من المساهمة في تأمين العاملين وفي صناديق التقاعد، أعلنت آلاف الشركات إفلاسها في أوروبا، خلال النصف الأول من العام الحالي (2024)، وبلغت مستوى قياسيا في ألمانيا وفرنسا والنمسا وغيرها من دول الإتحاد الأوروبي، بفعل تطبيق حكومات أوروبا (دول الإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي) القرارات الأمريكية بمقاطعة الغاز الروسي الجَيِّد والرّخيص واستيراد الغاز الصخري الأمريكي الرديء ومرتفع الثمن ( أربعة أضعاف السعر الذي تُسدّده الشركات الأمريكية) وبفعل الدّعم غير المشروط للكيان الصّهيوني مما جعل بعض الشركات الأوروبية هدفًا للمقاطعة…
في ألمانيا، قاطرة الإقتصاد الأوروبي، أعلنت نحو 14 ألف شركة افلاسها وعدم قدرتها على الاستمرار في العمل، بين الأول من كانون الثاني/يناير ونهاية تموز/يوليو 2024 ويتوقع معهد هول للدراسات والبحوث الإقتصادية (Hulle institute economic research ) ارتفاع عدد الشركات المفلسة في ألمانيا إلى عشرين ألف بنهاية سنة 2024، وفي النمسا أعلنت 3300 شركة إفلاسها خلال النصف الأول من سنة 2024، وفي بريطانيا، تواجه أكثر من سبعة آلاف شركة خطر الافلاس، خصوصًا الشركات الصغيرة، بسبب نقص الموارد المالية وإحجام المصارف عن الإقراض وارتفاع سعر الفائدة على القروض…
كانت الصناعة الألمانية تعتمد على الغاز الروسي وتعثر الاقتصاد الألماني انقطاع إمدادات الغاز الروسي، وخصوصًا منذ إشراف الإستخبارات الأمريكية والبريطانية على تفجير خط إمدادات الغاز الروسي “نورث ستريم 2″، وفقد ما لا يقل عن عشرة آلاف عامل بالشركات الكبرى وظائفهم بفعل عمليات الإفلاس، خلال الأشهر الخمسة الأولى من سنة 2024 وفق معهد بحوث الاقتصاد (آي دبليو إتش).
مُقاطعة العدو وداعميه
ساهمت حملة المقاطعة الشعبية للكيان الصهيوني ( بعد تجميد قرارات المقاطعة الرسمية العربية واتفاقيات “كامب ديفيد” و”أوسلو”، وتطبيع العديد من الدول العربية علاقاتها مع الكيان الصهيوني ) في خلق بعض الصّعوبات للشركات الدّاعمة له، وإن كان بعض هذه الشركات متكتما عن دعم الكيان الصهيوني وعن تأثير المُقاطعة التي شملت شركات الغذاء (مثل نستليه أو ماكدونالدز) والملابس وتجارة التجزئة (مثل كارفور) وشركات التأمين ( أكسا الفرنسية) وشركات التكنولوجيا وغيرها، وعلى سبيل المثال، اضطرت شركة آكْسَا للتأمين لبيع استثماراتها في جميع ثلاثة مصارف صهيونية ومن شركة “البيت” للصناعات العسكرية وفق الرئيس التنفيذي لشركة آكسا (نيسان/ابريل 2024) كما حاولت شركة “إنتل” لصناعة الرّقائق الإلكترونية التّكتّم عن سبب الصعوبات المالية التي تعترضها منذ اشتداد العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني (تشرين الأول/اكتوبر 2024) مع الإشارة إن فلسطين هي ثاني أكبر موقع لشركة إنتل بعد الولايات المتحدة، وأعلنت شركة “INTEL” وقف عملية توسعة مصانعها ونشاطها في فلسطين المحتلة بقيمة 25 مليار دولار وتلقّى المُوَرِّدُون إشعارًا بإلغاء العقود الموقّعة معهم لتوريد المعدات والمواد اللازمة لتوسعة مصنعها الجديد في مستوطنة “كريات جات”، في النّقَب، جنوب فلسطين المحتلة.
… من الشركات العابرة للقارات (خصوصا أمريكية المنشأ) التي تضررت بشكل مباشر من المقاطعة، شركة سلسلة مطاعم “كنتاكي” التي أعلنت يوم السادس من آب/أغسطس 2024 انخفاض مبيعاتها بنسبة 3% خلال الربع الثاني من العام 2024، “بسبب تراجع المبيعات في عدد من الأسواق نتيجة الصراع في الشرق الأوسط” وفق الرئيس التنفيذي لمجموعة “يام براندز” المالكة لسلسلة كنتاكي، وأعلنت إدارة مطاعم “أمريكانا” ( إحدى فُرُوع نفس المجموعة) التي تدير السلسلة في إفريقيا وغرب آسيا، يوم الثلاثين من تموز/يوليو 2024، انخفاض أرباحها الصافية بنسبة 41% خلال الربع الثاني من سنة 2024، مما أدّى إلى إلغاء أو إبْطاء وتيرة خطط النّمو، وأعلنت شركة ماكدونالدز انخفاض مبيعاتها في جميع أنحاء العالم، خلال الربع الثاني من سنة 2024 بسبب “تأثيرات الحرب الدائرة في الشرق الأوسط”، فيما أقال مجلس إدارة شركة “ستاربكس” للمقاهي ( يوم 13 آب/أغسطس 2024) رئيسها التنفيذي بعد ارتفاع خسائر أسهمها في أسواق المال إلى 17% لأسباب عدة أهمها المقاطعة، كما كانت مجموعة “نستليه” من الشركات التي شملتها المقاطعة، فانخفضت مبيعاتها المعلنة في منطقة أفريقيا وآسيا بنسبة 6,8% خلال النصف الأول من سنة 2024.
من المستحسن تحويل عملية المقاطعة الاقتصادية، من الحملات إلى المقاطعة المستمرة كشكل من أشكال النّضال الطَّوْعِي الفَرْدِي والجماعي، وعمومًا تُشكل هذه العوامل ( الأزمات وانخفاض الأرباح وارتفاع حجم الدّيُون…) بعض الظّرُوف الموضوعية للإطاحة بالنّظام الرّأسمالي لكن القوى الثورية غير جاهزة، إن كانت موجودة، لِخَوْض نضال جماعي مُنَظَّم ضدّ منظومة رأس المال وإرساء بديل لها.
في جبهة الأعداء – الهند
تعتبر الهند إحدى الدول المؤسسة لمجموعة عدم الإنحياز (المؤتمر التّحضيري – باندونغ بإندونيسيا سنة 1955) ومجموعة بريكس، وصوتت حكومة جواهرلال نهرو ضدّ تقسيم فلسطين وضد انضمام الكيان الصهيوني إلى الأمم المتحدة، سنة 1949، وأصدرت الهند (حكومة إنديرا غاندي، ابنة نِهْرُو) سنة 1981، طابعًا بريديًا تذكاريًا بقيمة روبية واحدة يحمل مطبوعات صغيرة لأعلام الهند وفلسطين، غير إن الهند أصبحت اليوم واحدة من أكبر الدول الداعمة للكيان الصّهيوني، لكن المواطنين لا يتفقون مع حكومة ناريندرا مودي وحزبه العنصري، اليميني المتطرف “بهارتيا جاناتا” ويدعمون الشعب الفلسطيني، وكانت الشركة الوطنية لتطوير الأفلام الهندية (NFDC)، وهي مؤسسة عامة تُموّلها الحكومة، قد قررت تنظيم “مهرجان الفيلم الإسرائيلي” في المتحف الوطني للسينما الهندية في مومباي، يَوْمَيْ 21 و22 آب/أغسطس 2024، لكنها اضطرت إلى إلغائه بسبب معارضة الفنانين الذي أصدر أكثر من ألف منهم بيانا جماعيا يعارض تنظيم هذا المهرجان، “خصوصًا في ظل استمرار جرائم الحرب والإبادة الجماعية منذ أشهر”.
تطورت العلاقات بين الهند والكيان الصهيوني منذ وقّعت قيادة منظمة التحرير “مفاهمات أوسلو” (قبل وصول حزب بهارتيا جاناتا” إلى السّلطة)، وتعززت العلاقات خلال العقد الأخير وأصبحت الهند والكيان الصهيوني شريكتين اقتصاديتين، وارتفع حجم تجارة السلاح بينهما، ومنذ انطلاق عدوان تشرين الأول/اكتوبر 2023، وافقت الهند على إرسال عشرات الآلاف من العمال إلى فلسطين المحتلة لسد النقص في العمالة بعد حظْر دخول العُمّال الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة، ورحيل العمّال من آسيا وأوروبا الوسطى، غير إن قرار تنظيم مهرجان سينمائي صهيوني يتجاوز العلاقات الاقتصادية إلى العلاقات الإيديولوجية، لأن الشركة الوطنية لتطوير الأفلام الهندية (NFDC) تُعَدُّ أيضًا جهازًا أيديولوجيًا للدولة، لكن يتمثل الحَدَث غير المسبوق في رفض المجتمع لدرجة إلغاء المهرجان، وتمَّ تنظيم حملة التوقيعات من قِبَلِ منتدى التضامن الهندي الفلسطيني، وهي منظّمة أَهْلِيّة تهدف رفع مستوى الوعي بشأن قضية الشعب الفلسطيني…
تم إلغاء الحدث، الذي كان مقررًا في الأصل يومي 21 و22 أغسطس في المتحف الوطني للسينما الهندية (NMIC) في مومباي، بعد أن أصدر أكثر من ألف فنان وناشط ومواطن مهتم بيانًا جماعيًا. تم تنظيم حملة التوقيعات من قبل منتدى التضامن الهندي الفلسطيني، وهي مجموعة غير رسمية مكرسة لرفع مستوى الوعي بشأن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة.
تغير إرث سياسات الهند المؤيدة للعرب بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني سنة 1992، وافتتاح سفارة لها في تل أبيب، وشجعت حكومة رئيس الوزراء ناراسيمها راو العلاقات الثنائية ودمرت مسجد بابري التاريخي، واتخذت السينما الهندية الشعبية منعطفًا جذريًا نحو الروايات الرجعية والشوفينية والمخترعة تاريخيًا مثل بومباي (1995)، وسارفاروش (1999)، ولاجئ (2000)، وأصبح الجيش الهندي يتزود بالسلاح والذّخيرة من الكيان الصهيوني،
سايرت الشركة الوطنية لتطوير الأفلام الهندية – NFDC – السياق السياسي المتغير وابتعدت عن هدفها الأولي المتمثل في “دعم السينما التقدّمية والبديلة”، وعندما تم إعادة انتخاب حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الرجعية إلى السلطة سنة 2019، أعادت الحكومة هيكلة مؤسسات أفلام “الخدمة العامة” الرئيسية في البلاد، بما في ذلك NFDC، باتجاه الإيديولوجيات الشوفينية والرّجعية، وباتجاه البحث عن الرّبح، ولذا فإن إلغاء مهرجان الأفلام الصهيوني يشكل انتصاراً صغيراً، ولكن “بوليوود”، ثاني أكبر صناعة سينمائية في العالم، تسير على خطى هوليود، وتتجاهل القضية الفلسطينية وتعتبر الشعب الفلسطيني غير موجود ولذا لا توجد إبادة جماعية.
إفريقيا، هل تحتل الصين مكانة فرنسا؟
كانت فرنسا قوة استعمارية كبرى لفترة طويلة في أفريقيا، تهيمن شركاتها على العقود المُرْبحة للبنية التحتية وبناء الموانئ ومحطات الطاقة وشبكات الطرقات والإتصالات، وتتعرض الهيمنة الفرنسية حاليا للتهديد بسبب المنافسة مع الولايات المتحدة وإيطاليا وروسيا وغيرها، وخصوصًا الصّين التي تنمو علاقاتها مع أفريقيا منذ أكثر من عِقْدَيْن، ويمثل مشروع طريق نيروبي- مالابا السريع نموذجًا لهذا التغيير، حيث حصل كونسورتيوم فرنسي شكلته شركتا فينشي وميريديم سنة 2019 على عقد تنفيذ هذا المشروع العملاق، ثم أعلن الرئيس الكيني ويليام روتو خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين من 04 إلى 06 أيلول/سبتمبر 2024 إلغاء العقد ومنحه إلى مجموعة صينية، ما يُشكّل انتكاسة للمصالح الفرنسية في المنطقة، ويتمثل المشروع في بناء طريق سريع ذو مسارين لِرَبْطِ العاصمة الكينية بالحدود مع أوغندا، بقيمة تفوق مليار يورو، بهدف تسهيل نقل البضائع من كينيا إلى أوغندا ورواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان، وكان المشروع يعتمد على نظام رسوم يسمح للشركات الفرنسية بجعل استثماراتها مربحة لمدة ثلاثة عقود، غير إن مجموعة الشركات الصينية التزمت بتقديم تمويل ضخم وفترة قصيرة لإنجاز المشروع، وسبق أن اختبرت دولة كينيا جِدِّيّة ونجاعة الشركات الصينية من خلال بعض الإنجازات السابقة مثل طريق ثيكا السريع، وطريق نيروبي السريع، وخط السكة الحديد بين ميناء مدينة مومباسا والعاصمة نيروبي.
يُشير هذا المثال إلى تراجع نفوذ الإمبريالية الفرنسية في إفريقيا (وفي العالم) و إلى الصعوبات التي تواجهها الشركات الفرنسية في التكيف مع الواقع الجديد للسوق الأفريقية، وعدم قدرتها على الصمود أمام المنافسة الصينية، وبعض القوى الناشئة الأخرى مثل تركيا أو الهند، إذْ لم يَعُدْ بوسع فرنسا أن تتعامل مع أسواق معينة ( غربي إفريقيا مثلاً) كجزء من فضائها الحَيَوِي، وأدّى تزايد النفوذ الصيني في مجالات استخراج المواد الخام والبُنْيَة التحتية والإستثمار والتبادل التجاري والتعاون الثقافي إلى إعادة تشكيل الأسواق في قارة إفريقيا، خصوصًا منذ إنجاز طريق الحرير الجديد، منذ نحو عشر سنوات الذي مَكّن الصين من تعزيز نفوذها ونفوذ شركاتها في معظم مناطق إفريقيا، ومن بينها المغرب العربي الذي تعتبره المُخطّطات الصينية بوابة أوروبا – من خلال التّحايُل على تعريفات الإتحاد الأوروبي – وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وأصبح شمال إفريقيا يحتل مكانة مركزية في استراتيجية التوسع هذه، وأشارت وسائل إعلام المغرب مؤخّرًا إلى الإستثمارات الضخمة للشركات الصينية العملاقة ( مثل CNGR و Gotion) التي سوف تُحْدِث “تغييرًا جذريًّا في المشهد الصناعي في المنطقة” من خلال “ضخ عدة مليارات من الدولارات، في إنتاج البطاريات الكهربائية في المغرب”، بهدف تصديرها إلى أوروبا وربما إلى أمريكا الشمالية كإنتاج مغربي والإستفادة من الإتفاقيات التجارية والجمركية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، والإلتفاف على قرار زيادة الرسوم الجمركية الأوروبية على الواردات الصينية في قطاع السيارات الكهربائية والبطاريات، وتعد استراتيجية الصين جزءا من استراتيجية أوسع لإعادة تعريف سلاسل التوريد الدولية، حيث تسعى الصين إلى استغلال موارد المغرب المعدنية الأساسية لصناعة البطاريات، مثل الكوبالت والنحاس والفوسفات، بهدف الحفاظ على مكانتها المهيمنة في الصناعات المتطورة، وتوفر اتفاقيات التجارة الحرة بين المغرب والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إمكانية وصول الصين إلى تلك الأسواق، ما يُحَوِّلُ المغرب إلى حلقة وصل حاسمة في استراتيجية الصين للتحايل على الحصار التجاري “الغربي”، كما يمتلك المغرب بنية تحتية لوجيستية أنشأتها الشركات الفرنسية، ليُصبح المغرب أكبر مُنتج للسيارات في أفريقيا، فيما يسمح ميناء طنجة، الذي يقع على بعد 30 كيلومترا من الساحل الإسباني، بإرسال الحاويات إلى أوروبا والولايات المتحدة بشكل فوري، ويأمل المغرب – من خلال التعاون مع الصين – تعزيز مكانته في سلسلة الإنتاج الدولية للسيارات الكهربائية. بالنسبة للمغرب، والتّحَوُّل إلى مركز صناعي وتكنولوجي دولي، وهو ما لم تُوَفِّرْه فرنسا…
تستعد مجموعة “شروق الشمس” ( Sunrise ) الصينية، إحدى أهم المجموعات في العالم، لاستثمار 4,1 مليار درهم في الاقتصاد المغربي، بدءًا بمشروع صناعة النسيج الذي يحظى بدعم من المَلِك المغربي نفسه، ووعدت الشركة الصّينية على عدم الإقتصار على مجرد نقل الإنتاج، بل “إنشاء نظام بيئي متكامل يغطي سلسلة قيمة المنسوجات بأكملها، بدءًا من زراعة القطن وحتى تصنيع الملابس”، وتتخوف النقابات من التّأثير السّلبي لمثل هذه المشاريع العملاقة من تدمير الصناعة والحرف المحلية، رغم الوعود “بخَلْق الآلاف من الوظائف ونقل التكنولوجيات والمعرفة وإحداث تحول دائم في المشهد الصناعي المغربي” وما إلى ذلك من الوُعُود…
فرنسا – دلالات تعيين ميشيل بارنييه رئيسًا للوزراء
تم تعيين ميشيل بارنييه رئيسًا للوزراء في فرنسا من قبل إيمانويل ماكرون، يوم الخامس من أيلول/سبتمبر 2024 ضمن عملية إعادة هيكلة الحياة السياسية وإنشاء التحالف الرسمي بين اليمين التقليدي واليمين المتطرف، حيث اشتهر ميشيل بارنييه بالتقارب مع أطراف اليمين المتطرف وبدا ذلك جليا خلال حملته الانتخابية سنة 2022، من خلال تحميل المهاجرين كل مشاكل فرنسا ومن خلال معارضته توزيع حبوب منع الحمل، ولذلك عبّرت قيادات حزب “التّجمع الوطني” (أهم وأقدم أحزاب اليمين المتطرف ) عن ارتياحها لتعيينه رئيسًا للوزراء، ويُستشف من تصريحات قيادات اليمين المتطرف إنها لن تُعرقله، ولو لم تُشارك في الحكومة التي لا تستطيع الإعتماد على أغلبية برلمانية لدعمها، دون تحالف أو “شراكة” بين اليمين التقليدي واليمين المتطرف الذي تمكّن من اسْتِمالة قسم واسع من “الفِئات الشعبية”، فضلاً عن دعم قيادات منظمات أرباب العمل ودعم وسائل الإعلام المملوكة لفنسانت بولوريه ولمجموعة “بويغ” وبعض الفئات الوُسْطى.
عمومًا، أظهرت انتخابات 2024 في فرنسا، وانحياز وسائل الإعلام (بما فيها محطات الإذاعة والتلفزيون للقطاع العام) لليمين المتطرف، انْزِياحًا لليمين التقليدي نحو اليمين المتطرف، في مجمل بلدان الإتحاد الأوروبي…
أمريكا – ديمقراطية عَرْجاء
تلجأ الرأسمالية إلى الحرب لحل الخلافات بين القُوى المتنافسة، ولكن للحرب مَخاطر كثيرة، فقد أدّت الحرب العالمية الثانية إلى تدمير أوروبا واليابان وهيمنت الولايات المتحدة عليهما، غير إن الإتحاد السوفييتي وَسَّعَ نفوذه، رغم الدّمار والخسائر الهائلة في الأرواح والمعدّات، أما الولايات المتحدة فلم يُصِبها الدّمار لأنها لم تخُضْ أبدًا حربًا على أراضيها (التي نهبتها من الشعوب الأصلية) ولم تُهاجمها أي دولة، بل كانت المُعْتَدِية على شعوب العالم، ولذلك لم تتضرّر من الحرْبَيْن العالميتَيْن، بل خرجت منها قوية، ولا تزال تعتدي على شعوب الأرض وتدعم العدوان الصهيوني وتُساهم بشكل مباشر العدوان على اليمن، وفي الحرب الأطلسية ضد روسيا، وتتحرّش بالصّين وبإيران، وتستخدم الإمبريالية الأمريكية الحرب المُستمرة وزيادة الإنفاق العسكري لإنقاذ اقتصادها…
يُعاني الإقتصاد الأمريكي من خروج القاعدة الإنتاجية واستقرارها في بلدان أخرى بحثًا عن تعظيم الأرباح، وتُعاني الولايات المتحدة من ارتفاع الدّيُون التي يتم استخدامها لتمويل الإنفاق العسكري الضخم والحُرُوب (وليس لتحفيز الإقتصاد العَيْنِي والقطاعات الإقتصادية المُنْتِجَة للسلع والخدمات الضرورية للمواطنين)، ولمواجهة الضغوط والتهديد بالإنهيار تتم أَمْوَلَة (financialization) الاقتصاد الأميركي مما يُؤدّي إلى رفْع أسعار الأصول والأسهم والسندات وهي ثروة وَهْمِيّة لا تستند إلى قاعدة إنتاجية وتُعمّق الفوارق الطّبقية بين أقلية مُضاربة وغير منتجة وأغلبية فقيرة، كما تمارس الإمبريالية الامريكية النّهب والاستيلاء على ثروات الشعوب كالنّفط في دُوَيْلات الخليج وأوكرانيا وتحاول الإستيلاء على ثروات روسيا والصين، وأكّد السيناتور ليندسي غراهام ( يمين الحزب الجمهوري) إن الولايات المتحدة دفعت أوكرانيا إلى مهاجمة روسيا بهدف تدمير وتقكيك أوكرانيا والاستيلاء على ثرواتها المعدنية التي قُدٍّت قيمتها بنحو 12 تريليون دولار وأراضيها الخصبة، فضلاً عن استنزاف قُدرات روسيا وإنهاكها ومحاولة تغيير نظامها السياسي والإستيلاء على ثروات روسيا كالمحروقات والمعادن والأراضي الزراعية، لدعم الإقتصاد الأمريكي المُهَدّد بالإنهيار، والتّخلّص من المنافس الرّوسي، وبذلك تكون الولايات المتحدة الرابح الأول من الحرب، ولذلك ترفض الحوار والحُلُول الدّبلوماسية وتدفع حلفاءها ومحمياتها (الكيان الصهيوني وأوكرانيا ومليشيات العشائر الكُرْدِيّة في سوريا…) نحو التّصْعيد وعدم الحوار مع الخُصُوم
في منطقة النفط بالخليج، تهَيْمِنُ الولايات المتحدة على دُويلات صهاينة العرب، وتُحاول منذ 1979 العَوْدَة إلى إيران، لاستكمال الهيمنة على منطقة النّفط والغاز، ولصدّ الصّين، مع الإستمرار في تقديم الدّعم العسكري والإعلامي ( الإيديولوجي) والسياسي غير المَشْرُوط للكيان الصهيوني وتبرير الإبادة الجماعية وتقديمها ك”دفاع عن النّفس” لأن دول الإتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية تعتبر الكيان الصهيوني مُمثِّلاً “للحضارة” الغربية في مواجهة “البربرية” الشرقية…
أظْهرت الحروب العدوانية الأمريكية – خصوصًا منذ العدوان على العراق سنة 1991 ثم احتلاله سنة 2003 – تكامل الأدوار بين الجيش الأمريكي وقوات حلف شمال الأطلسي ووسائل الإعلام التي تُهيمن عليها ست شركات، وبالأخص المؤسسات المالية، أي رأس المال المالي الذي يَدْفَعُ نحو الفاشية، مع توجيه الرّأي العام نحو اليمين المتطرف ودعم عمليات القمع ضدّ “العَدُوّ الدّاخلي” وقمع المُعارضة بدعوى محاربة التّطرّف، ومُساندة العدوان على الشعوب في الخارج بذريعة مكافحة الإرهاب…
2024-10-06