متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثامن والخمسون، بتاريخ العاشر من شباط/فبراير 2024!
الطاهر المعز
يتضمن العدد الثامن والخمسون من نشرة “متابعات” الأسبوعية فقرة عن مؤشرات منظمة فاو” لأسعار الأغذية لسنة 2023 وللشهر الأول من سنة 2024، وفقرة عن محاولة إنهاء مهام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – أنروا- كرد فعل أمريكي وصهيوني وأوروبي على قرار رمزي لمحكمة العدل الدّولية، وفقرة عن تجارة الأغذية المَوْصُوفَة ب”الحلال”، وهي من أكثر القطاعات الغذائية رِبْحِيّةً في العالم، وفقرة عن المعادن الثمينة والنادرة في إفريقيا، وفقرة عن عسكَرَة السياسة الخارجية الأمريكية، مع نموذجيْن لعَسْكَرة الدّبلوماسية في قارّتَيْ أوروبا وإفريقيا، وفقرة عن صفقة ضخمة لتجارة الأسلحة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في ذروة العدوان على الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده (غزة والضفة الغربية ولبنان والأراضي المحتلة سنة 1948 وسوريا) وفقرة عن بعض خصائص الإقتصاد الرأسمالي في الصين وفقرة عن الحرب التكنولوجية الأمريكية ضد الصّين، وفقرة عن استمرار الهيمنة الأمريكية في غياب أدوات جماعية للدّفاع عن الشعوب الواقعة تحت الإستعمار والإضطهاد…
غذاء
تنشر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) مُؤَشِّرًا شهريًّا لأسعار ست مجموعات من الأغذية (الحبوب واللحوم والزيوت والسّكر والألبان ومشتقاتها والسلع الطازجة…) ويعتمد هذا المؤشر على أسعار أسواق الجملة على مستوى العالم، ما يجعل أسعار هذا المؤشر متناقضة مع أسعار الجملة وأسعار التجزئة على صعيد محلي وطني، ولا يعكس هذا المؤشر الأسعار التي يُسدّدها المواطنون (المُستهلكون) لشراء الغذاء، وبحسب هذا المُؤشر، انخفضت أسعار الأغذية سنة 2023 بنسبة 13,7% مقارنة بأسعار سنة 2022، ولم ترتفع سوى أسعار السّكّر، حيث يُستَخْدَمُ قصب السكر لإنتاج وقود الإيثانول…
أما تقرير نهاية شهر كانون الثاني/يناير 2024 فيشير إلى انخفاض أسعار اللحوم (للشهر السابع على التوالي !!!) وأسعار الحبوب (خصوصًا القمح والذّرّة) ويُعلّل مُعدُّو التقرير انخفاض أسعار الحبوب (الذي يبقى افتراضيًّا للمُستهلكين) بارتفاع الإنتاج سنة 2023 إلى مستويات قياسية بلغت 2,836 مليار طنًّا، بزيادة 1,2% عن مستويات الإنتاج لسنة 2022،وارتفع إنتاج الحبوب ( خصوصًا القمح والأرز) في العديد من مناطق العالم: الولايات المتحدة وكندا والصين والهند وتركيا…
محاولات تصفية الأونروا
كان ردّ الفعل الصهيوني والأمريكي جاهزًا لمواجهة قرار محكمة العدل الدولية ( على هِناته وعلى محدوديته ) الرّمزي رغم الوقائع والوثائق والأدلّة التي تدعم تهمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وتمثّل الرّد في تكثيف عمليات الإبادة والتخريب والتّهديم والتّجويع، وفي تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة ذات ميزانية منفصلة لتوفير الحدّ الأدنى للاجئين الذين طُرِدُوا من وطنهم خلال حرب الأحتلال الأول (1948) والإحتلال الثاني (1967) وبقوا في مخيمات فبالدّول المُحيطة بفلسطين ( سوريا ولبنان والأردن) أو في غزة والضفة الغربية وتُوفّر الوكالة خدمات الصحة والتعليم وبعض شؤون الحياة اليومية للاجئين الفلسطينيين، وتهدف الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، من خلال تصفية “أونروا” القضاء على شواهد الجرائم المستمرة للحركة الصهيونية وداعميها من القوى الإمبريالية، وتأمل القضاء السريع على الشعب الفلسطيني، ومحوه من التاريخ، كما فعل الإستعمار الإستيطاني الأوروبي في القارة الأمريكية وفي أستراليا ونيوزيلندا.
أمّا الذّريعة فهي إعلان الكيان الصهيوني أن 12 من موظفي الوكالة (أونروا ) من إجمالي عشرة آلاف موظف لدى الوكالة في غزة شاركوا في العملية الفدائية ليوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وأعادت وسائل الإعلام السائدة وسلطات الدّول الإمبريالية، وبعض الدّول التي كانت تدّعي الحياد، هذه التّأكيدات، بل اتخذت قرار وقف الدّعم المالي للوكالة على الفور، دون دليل أو إثبات، وانطلقت الإشاعة من مقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال وكتبته جندية احتياط صهيونية، وصديقة حميمة للمتحدثة العسكرية الصهيونية، بشأن “تورّط بعض موظّفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين –أنروا- التابعة للأمم المتحدة، في العملية الفدائية يوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، دون تمحيص أو تثبُّت في صحة الخبر، وعلى أساس هذا “الخبر” المُلفّق أعلنت الولايات المتحدة والعديد من الدّول المتحالفة معها تعليق مشاركتها المالية، ضمن عملية تصفية وكالة الأمم المتحدة التي بدأت منذ سنوات، لأن وجود الوكالة شاهد على عمليات الإبادة والتهجير القَسْرِي لنحو 850 ألف فلسطيني وتدمير 531 قرية سنة 1948، ولا تزال الوكالة تقدم خدمات لنحو 2,2 مليون من فلسطينيي غزة التي يُشكل اللاجئون حوالي 80% من ساكنيها، وشَكّك عدد من الصحافيين البريطانيين في صحة العديد من البيانات الرسمية الصهيونية، مثل استخدام المستشفيات والمدارس من قِبَل المنظمات الفلسطينية، غير إن الكيان الصهيوني يحظى بدعم قوي ومستمر من الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وفنلندا وإستونيا وإيسلندا ونيوزيلندا واليابان وكندا وبريطانيا وسويسرا ومن الإتحاد الأوروبي كمؤسسة ومن دول أوروبية عديدة، من بينها: ألمانيا وهولندا وإيطاليا وفرنسا والنمسا والسويد ورومانيا، وهي الدّول التي أعلنت وقف الدّعم المالي للأنروا، دون أي بحث أو تَمْحيص، وهو دعم يتناقص من سنة إلى أخرى، منذ أكثر من عِقْدَيْن، وأفاد كريغ مخيبر، الذي كان حتى استقالته الأخيرة مديراً لمكتب نيويورك لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان: إن جهاز الإستخبارات الدّاخلية – شين بيت – هو مَصْدَر الإشاعة الصهيونية بشأن تشويه سُمْعَة وكالة غَوْث اللاجئين الفلسطينيين وموظّفيها، بهدف تصفيتها.
قَصَف الجيش الصهيوني مئات المباني، منها الكنائس التاريخية والمساجد والمباني التابعة لمنظمات الأمم المتحدة، من مدارس ومحلات الرعاية الصحية والملاجئ المعروفة لدى الجيش الصهيوني الذي قتل، خلال الأشهر الأولى الثلاث من العدوان، ما لا يقل عن مائة من موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، فضلا عن حوالي مائة وعشرين صحافيا، دون إثارة احتجاجات أو إدانة نقابات الصحافيين ومالكي وسائل الإعلام…
تجارة الغذاء “الحلال”
الغذاء الحلال هو – مبدئِيًّا – الطعام المسموح به وفقا للتشريع الإسلامي، خصوصًا في البلدان التي لا يُشكّل المسلمون أغلبية سُكّانها، حيث يُحاول المُقيمون بها والسّائحون العابرون استهلاك أغذية “حلال”، كما تحاول الدّول الإسلامية استيراد أغذية (كاللحوم والدواجن ) مذبوحة وفق التشريع الإسلامي، أو أطعمة جاهزة لا تحتوي محرمات (خمر أو لحم خنزير أو أسماك الأحواض) واستغلت بعض الدّول (الصّين والبرازيل والأرجنتين) الطّلب على هذا النوع من الغذاء، لتحتل صدارة الصّادرات لبعض أنواع اللحوم والمأكولات التي توصف بأنها ‘حلال”، كما استغلت بعض الشركات ارتفاع الطّلب لتتَخَصّصَ في بيع شهادات “الحلال” إلى التّجّار والقَصّابين وأصحاب المطاعم، ومنتجي الحليب ومشتقاته وَوَسَّعت هذه الشركات – التي لا تهتم سوى بمستوى الأرباح التي تجنيها من بيع شهادات “الحلال – مجال عملها ليشمل الأدوية والتجهيزات الطّبّيّة والمنتجات الصّحّيّة ومستحضرات التجميل والزينة، وما إلى ذلك، وتُشير المُلصقات الإشهارية إن هذه الشركات “تُطَبِّق معايير صارمة لمصادر السلع وللنظافة ولسلامة الأغذية لتكون مُطابقة للتشريع الإسلامي…”
يتمثل الوَجْه الظّاهر لتجارة “الحلال” في المتاجر التي تقدم مجموعة من المنتجات الطازجة واللحوم والسلع المعبأة والوجبات الخفيفة لكن لهذه التجارة وَجه خَفِي وسوق واسعة تتجاوز الغذاء إلى المصارف والتحويلات المالية والسياحة الفاخرة، وتستهدف نحو مليارَيْ مسلم، يعيش بعضهم في دُول نَفْطِيّة غنية مثل الخليج، فضلا عن الملايين من غير المسلمين الذين أصبحوا زبائن محلات بيع اللحوم والأغذية “الحلال”، لقربها من محل سكناهم أو لأن المتاجر تبقى مفتوحة لساعة متأخرة من الليل وأيام العطلات الأسبوعية والرسمية.
بلغت القيمة التقديرية لسوق الأغذية الحلال في الولايات المتحدة 59,4 مليار دولار سنة 2022، ويُتوقع أن تصل إلى حوالي 88,9 مليار دولار بحلول سنة 2026 وقُدِّرت قيمة سوق الأغذية الحلال العالمية بأكثر من 2,34 تريليون دولارا، سنة 2023، وفق منصّة “إم إم آر” لأبحاث السوق ومنصة “ألايد ماركت ريسيرتش”، وتتوقّع الدّراسات نُمُوّض إيرادات سوق الأغذية الحلال بمعدل سنوي مركب قدره 10,5% بين سنتَيْ 2024 و 2030، ليصل إلى حوالي 5,3 تريليون دولارا سنة 2030، وأصبحت الأغذية “الحلال” من أكثر القطاعات رِبْحِيّةً على الصعيد العالمي بمجال الصناعات الغذائية، بفعل زيادة عدد السكان المسلمين وانتشار التجارة الإلكترونية والتسويق الرقمي، ولا تشمل هذه الأرقام سوى الغذاء، ولم تشمل منتحجات الصّحّة والأدوية ومستحضرات الزينة والتجميل، وقطاع الخدمات السياحة والتمويل “الإسلامي”، لكن من المُستفيد الأول من تجارة “الأغذية الحلال”؟
نشرت مجموعة “آي إم إيه آر سي” مُلَخّصًا لدراسة بعنوان “تقرير سوق الأغذية الحلال العالمي” وأظْهَر التقرير إن قنوات التوزيع العالمية للغذاء “الحلال” تشمل المتاجر الكبرى وتجار التجزئة التقليديين والإنترنت الخ، غير إن شركات المتاجر الكبرى تملك الحصة الأكبر من السوق، خصوصًا في المناطق الحضرية وضواحي المُدُن الكبرى، بسبب ارتفاع قُدراتها وأهمّيّة شبكاتها التي تُهَيْمن على قنوات التوزيع العالمية، وقُدْرَتها على تقديم مجموعة واسعة من المنتجات الطازجة واللحوم والسلع المعبأة والوجبات الخفيفة، لتقتصر حصة تجار التجزئة التقليديين والشركات الصغيرة على توزيع المنتجات الغذائية الحلال، في الأسواق المحلية…
استحوذت منطقة آسيا والمحيط الهادي على أكبر حصة في سوق الغذاء الحلال باعتبارها تضم أكبر عدد من المسلمين، وباعتبار تنظيم بعض دولها مثل إندونيسيا وماليزيا وباكستان وبنغلاديش الصناعات الغذائية “الحلال” من خلال إنشاء هيئات تنظيمية لإنتاج وتسويق الأطعمة الحلال، فيما ارتفع الطّلب على الغذاء “الحلال” في أميركا الشمالية، حيث أصبح متوفِّرًا في محلات السوبر ماركت والمطاعم الرئيسية، خلافًا لبعض بلدان أوروبا التي تحاول حَظْر التجارة “الحلال”، رغم ارتفاع الطّلب في الدّول الإستعمارية الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وعمل الإتحاد الأوروبي على توحيد عمليات إصدار شهادات الحلال، وبشكل عام أدّى تطور سوق الغذاء “الحلال” إلى اهتمام بعض الشركات العابرة للقارات بصناعة الأغذية “الحلال” مثل نستله (Nestle) وكارغيل (Cargil)التي تمتلك قُدُرات مالية كبيرة وشبكات توزيع ضخمة في جميع أنحاء العالم…
أفريقيا
تمتلك قارة أفريقيا كميات كبيرة من الموارد الطبيعية ومن الرواسب المعدنية التي تسمى “حرجة” والتي تعتبر ضرورية للصناعات الدّقيقة ولإنجاز تحول الطاقة، وتشمل المعادن الحيوية والموارد الأساسية لبناء البنية التحتية للطاقة والتحول الرقمي (الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والمركبات الكهربائية وشاشات اللمس وتخزين البيانات وربط الأنظمة ببعضها البعض)، فقد ارتفع الطلب على الليثيوم بنسبة 200% وزاد الطلب على الكوبالت بنسبة 70% والنيكل بنسبة 40%، بين سَنَتَيْ 2017 و2022، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يتضاعف الطلب بمقدار 3,5 مرات بين سَنَتَيْ 2023 و2030، بسبب استخدام هذه المعادن في إنتاج الطاقة “النظيفة” والانتقال الرقمي.
تتمتع أفريقيا بموقع مهيمن في أربعة معادن تعتبر حيوية: الكوبالت والمنغنيز والكروم والبلاتين، ويحتوي باطن الأرض الأفريقية أيضًا على البوكسيت والغرافيت والنحاس والنيكل والزنك، وغيرها، غير إن التعدين لا يجلب الكثير من الإيرادات أو القيمة المضافة، خصوصًا إذا تم استخراجه من قبل شركات أجنبية وتصدير المعادن خامّة، ويُظْهِرُ مثال النحاس بوضوح التحديات التي يتعين مواجهتها: ففي زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، زاد إنتاج المعادن في حين انخفضت حصة صادرات المنتجات شبه المصنعة. إن تكرير المعادن ومعالجتها هو الذي يطور القطاع الصناعي ويدر دخلاً كبيراً، وكما أسلفنا فإن الشركات العابرة للقارات تستغل هذه المعادن التي يتم تصديرها في حالتها الخام وتقع معالجتها في البلدان الصناعية التي تحقق من تصفيتها وتصنيعها قيمة مضافة كبيرة.
جَمَعَ الاتحاد الأفريقي الدول الأفريقية المَعْنِيّة في كيب تاون (جنوب أفريقيا) لدراسة معالجة المعادن في أفريقيا، من أجل خلق المزيد من القيمة المضافة وتوليد فوائد اقتصادية محلية وإقليمية، وذلك بفضل “مركز تنمية الموارد المعدنية في أفريقيا”، فهذه المعادن تُستخدم في صناعة الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية وبطاريات الهواتف محمولة، لكن يجب على البلدان الأفريقية تدبير الإستثمارات والبنية التحتية الضرورية لمعالجة المعادن مثل النيكل أو الليثيوم أو المنغنيز، فلا يوجد – في الظرف الحالي – مشروع تعاون بين الدول الأفريقية للتكاتف وتحويل المعادن معًا وزيادة الإيرادات، ولا توجد روابط تجارية متينة أو مبادلات أو حتى طرقات تربط بين البلدان الإفريقية، كما لم يتحسن وضع السكان المحليين بعد اكتشاف النفط أو المعادن الثمينة مثل الماس أو الذهب أو الليثيوم، ولذا فقد حان وقت فك الإرتباط بالدّول الإستعمارية ووضع حد للتبعية…
البيانات من الموقع الإلكتروني للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا والموقع الإلكتروني للبنك العالمي
عسكَرَة السياسة الخارجية الأمريكية
أكبر مناورة حربية ضد روسيا
في أوروبا، أعلن الجنرال الأمريكي “كريستوفر كافولي”، القائد الأعلى لقوات الناتو في أوروبا،عن أكبر مناورة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) منذ عقود، “بعنوان “المُدافع الصّامد – 2024” ( Steadfast defender – 2024 ) تجري في أوروبا طيلة أربعة أشهر، في الفترة من نهاية كانون الثاني/يناير وحتى نهاية أيار/مايو 2024، بمشاركة تسعين ألف جندي من 31 دولة في حلف شمال الأطلسي بالإضافة إلى السويد، قبل انضمامها الرسمي إلى الحلف، وتستخدم المناورات ما لا يقل عن 80 طائرة مقاتلة وطائرات مروحية وطائرات بدون طيار و50 سفينة حربية بينها حاملات طائرات و1100 دبابة ومركبات قتالية أخرى، بهدف “اختبار وتحسين استراتيجية الحرب وتعزيز القدرات العسكرية لمنطقة أوروبا ضد روسيا”، وتم اختيار إيطاليا لتكون المقر الرئيسي للمناورات ولتنفيذ مجموعة من المهام التي تتطلب الإنتشار السريع للقوات من إيطاليا إلى بولندا القريبة من روسيا، وسوف يتم استخدام الأسلحة القادرة على حمل رؤوس نووية من طائرات وسفن وأنظمة الصواريخ، لتتمكن الولايات المتحدة من اختبار الأسلحة النووية الجديدة التي تنشرها في أوروبا على مقربة متزايدة من روسيا…
لا يقتصر الإستفزاز الأمريكي على قارة أوروبا، بل يتحدّاه إلى غربي آسيا وآسيا الوسطى.
في إفريقيا، تُحاول الولايات المتحدة عرقلة التّأثير المتزايد لخصومها ومنافسيها (الصين وروسيا) ونشرت قناة “فرنسا 24” تحقيقًا وصف زيارة وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” لأفريقيا (الرأس الأخضر وساحل العاج ونيجيريا وأنغولا ) بأنها خطوة لمواجهة النفوذ الصيني والروسي، بعد الهزائم التي تعرضت لها فرنسا في مستعمراتها السابقة وتقارب الأنظمة العسكرية الجديدة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر مع روسيا، في مجالات عديدة، ومنها المجال العسكري، بينما يقوم الرئيس الانتقالي لتشاد (ابن الرئيس السابق إدريس دبي)، الحليف المُقرب “للغرب” بزيارة رسمية إلى روسيا، في حين أصبحت مجموعة “بريكس” التي تدعو إلى “عالم متعدد الأقطاب” (بدل عالم ذي قطب واحد تقوده الولايات المتحدة) تضم ثلاث دول أفريقية كبرى (جنوب أفريقيا ومصر والحبشة) من إجمالي عشر دول، ويمكن تبرير هذا التحول بعجز الإمبريالية الأمريكية والأوروبية عن تقديم أي شيء للدّول الإفريقية، فقد انخفض حجم التجارة بين الولايات المتحدة وقارة إفريقيا من 142 مليار دولار من التجارة سنة 2008 إلى 64 مليار دولار سنة 2021، لأن الولايات المتحدة لم تعد تستورد المحروقات من نيجيريا والجزائر، فيما بلغ حجم تجارة إفريقيا مع الصين ما يعادل 300 مليار دولار، وحجم التجارة بين روسيا وإفريقيا 23 مليار دولار تقريبًا بين كانون الثاني/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر 2023، ويتوقع أن يرتفع حجمها بنسبة 30% سنة 2024، ولذا لم تتمكن الولايات المتحدة ولا دول الإتحاد الأوروبي من التنافس اقتصاديًا مع الصين ومع روسيا في قارة إفريقيا…
في جبهة الأعداء
في ذروة العدوان على الفلسطينِيِّين في غزة والضّفّة الغربية وارتفاع حدّة القمع المُسلّط على فلسطينيي الإحتلال الأول (1948) وتشريد أكثر من مليونَيْ فلسطيني وقتل وإصابة عشرات الآلاف وهدم المباني والبُنْيَة التّحتية، واغتيال كل ما يَمُتُّ بصِلَة إلى الحياة، نشرت الصحيفة الصهيونية “هآرتس” يوم 25 كانون الثاني/يناير 2024، خبر المفاوضات بشأن ثلاث صفقات تتضمن بيع الولايات المتحدة أسلحة وطائرات عسكرية إلى الكيان الصهيوني، من بينها 25 طائرة مقاتلة من طراز F-35 من صنع شركة لوكهيد مارتن و25 طائرة مقاتلة من طراز F-15 وسرب طائرات مروحية هجومية من طراز أباتشي من صنع شركة بوينغ، وأسلحة ثقيلة أخرى، ولن يُسدّد الكيان الصهيوني فِلْسًا واحدًا، حيث سوف يتم التسديد بفضل المساعدات الأميركية، وكانت الولايات المتحدة قد سلمت طائرات إف 35 إلى الجيش الصهيوني قبل تسليمها لجيوش الدّول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التي مَوّلت تصنيع هذه الطائرة، وتتضمن الصفقة الأخيرة (إضافة إلى الطائرات والمروحيات)، ذخائر الطيران (صواريخ وقذائف ) سوف يتم تسليمها قريبًا، في إطار تجديد مخزونات جيش العدو التي تستنزف بسرعة ضد الشعب الفلسطيني والشعوب المجاورة (سوريا ولبنان)، ما جعل حكومة العدو تُقِر ميزانية حربية إضافية بقيمة 8,3 مليار دولار، لتبلغ الميزانية الحربية مستوى تاريخيًّا يبلغ حوالي 37 مليار دولار.
الصين – مُقَوّمات الإقتصاد الرّأسمالي
لا يزال الحزب الحاكم (والحزب الأَوْحَد) يُصِرّ على ادّعاء صفة “الشيوعية” غير إن اقتصاد البلاد رأسمالي، بخصائص تختلف عن اقتصاد اليابان أو أمريكا الشمالية أو أوروبا، بحكم إشراف الدّولة على التّخطيط والتّجارة والتّمويل وعلى القطاع المالي، غير إن تدخّل الدّولة لا يؤَمِّن الإقتصاد الرأسمالي ولا يَقِيه من الأزمات الدّوْرِية أو العابرة أو الهَيْكَلِيّة وكما انفجرت فُقاعة العقارات في الولايات المتحدة سنة 2008، يُعاني الإقتصاد الصيني منذ منتصف 2023 خطر انفجار فقاعة العقارات التي تمثلت بعض مظاهرها في صعوبات تمويل بعض مشاريعها، رغم بعض الفُرُوق بين هياكل اقتصاد البلَدَيْن، ولكن العلاج واحد، فقد ضخت كل من الدّولَتَيْن المال العام لإنقاذ قطاع يتّسم بالمُضاربة، وأعلنت الحكومة الصينية يوم الجمعة 26 كانون الثاني/يناير 2024، عن سلسلة جديدة من الإجراءات لدعم شركات العقارات الصينية ماليا ومَنْحِ قروضٍ جديدةٍ ، بهدف وضع حد للأزمة العقارية التي قد تؤدّي إلى تداعيات خطيرة على كافة قطاعات الإقتصاد الصيني
شهد قطاع العقارات نمواً كبيراً طوال عقدين (منذ بداية القرن الواحد والعشرين) حيث تم بيع المنازل الجديدة قبل بنائها، وتم تمويل المشاريع بواسطة شركات الإئتمان، وفاق حجم قطاع العقارات رُبع الناتج المحلي الإجمالي للصين، غير إن الصعوبات بدأت تظهر سنة 2020، وأصبحت الديون الهائلة لقطاع العقارات تُشكّل عبئا هاما على الاقتصاد، فَشَدّدت الدّولة شروط الإئتمان والحصول على الدّيون ، مما أدى إلى استنفاد مصادر التمويل للمجموعات العقارية وإفلاس العديد من الشركات العملاقة ودخل القطاع في أزمة حقيقية، خصوصًا في المُدُن الرئيسية حيث انخفض الطّلب وتراجعت أسعار العقارات، وتأثرت قطاعات أخرى بهذه الأزمة وانخفض نمو الناتج المحلي للبلاد إلى 3% سنة 2023، وهي نسبة تقل عن الهدف المُعْلن ما دون وإحدى أدنى المعدلات التي سجلتها البلاد منذ أربعة عقود، ولذلك أعلنت الحكومة عن إجراءات لإنقاذ القطاع العقاري، ونشر البرلمان الصيني يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 تقريرا يدعو المصارف إلى “بَذْلِ المزيد من الجهد لدعم القطاع العقاري وتقليل مخاطر التخلف عن سداد الائتمان، وتهدئة مخاوف الأشخاص الذين يشترون منازل بقروض طويلة الأجل”… ومن تداعيات الأزمة العقارية، تواتر انتكاسات سوق الأوراق المالية وانخفاض قيمة الأسهم الصينية بسوق هونغ كونغ، وتدرس الحكومة الصينية ضخّ 278 مليار دولار لدعم الأسواق المالية الدّاخلية، من خلال صندوق استقرار يشتري الأسهم عبر سوق هونغ كونغ. إن كل هذه الإجراءات هي من مقومات الإقتصاد الرأسمالي الذي يجعل الدّولة تهرع لإنقاذ القطاع الخاص باستخدام المال العام…
حرب تكنولوجية
لمّا أصبحت الصّين تُنافس الشركات العابرة للقارات – ذات المنشأ الأمريكي – في مجالات الطاقات المتجدّدة والإتصالات والتكنولوجيا بشكل عام، حاربتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا واليابان، فتعدّدت الإجراءات لخنق أو عرقلة الثورة التكنولوجية الصينية، من خلال العقوبات وحَظْر دخول إنتاج شركات التقنية الصينية الكبيرة الأسواق الأمريكية والأوروبية، ومنها الألواح الشمسية وإنتاج شركات الهواتف ومعدات الإتصالات، مثل هواوي وزد تي إي، وأضيفت لها قُيُود جديدة، سنة 2023، على أشباه الإتصالات ورقائق “الذكاء الاصطناعي” التي تمكّنتالشركات الأمريكية من تطويرها رغم الحصار والحَظْر، وأجبرت السلطات الأمريكية الشركات الأمريكية المتخصصة في تطبيقات “الذّكاء الإصطناعي”، والشركات المتعاملة معها، منذ بداية العام 2024، مثل شركة ( ASML ) الهولندية المتخصصة في صنع الرقائق، على عدم تصدير وبيع بعض أنواع آلات تصنيع الرقائق للشركات الصينية، بذريعة “استفادة الشركات الصينية من المُساعدات الحكومية لزيادة الطاقة الإنتاجية لصناعة الرّقائق التي يُتوقّع أن تنمُو بنسبة 60% خلال السنوات الثلاث المقبلة، وقد تتضاعف خلال السنوات الخمس المقبلة، ما قد يُؤَدِّي إلى إغراق الأسواق العالمية بالرقائق الصينية، وخفض الأسعار، وفق صحيفة “فاينانشال تايمز” (بريطانيا) التي أكّدت على تخوفات حكومات الولايات المتحدة واليابان وأوروبا والشركات “الغربية” من انخفاض الأسعار وانخفاض الأرباح، كما حصل في مجال الألواح الشّمسية، حيث لجأت الحكومات التي تدافع عن “حرية التجارة والأسواق” إلى الحد من وصول الشركات الصينية إلى الأسواق الدّولية، غير إن شركة “هواوي” الصينية للإتصالات والهواتف “الذّكية” التي حاولت الولايات المتحدة القضاء عليها لما منعت تداول ابتكاراتها من فئة الجيل الخامس ( G5 ) تمكّنت من الإلتفاف على الحظر الأمريكي/الأوروبي ومن تجاوز الشركات الأمريكية والأوروبية واليابانية وهي بصدد تطوير تقنيات صناعة الرقائق مثل تقنية التصنيع باستخدام أشعة الليزر أو النانو تكنولوجي، وتجاوزت الصناعة الأوروبية التي تعتزم استثمار 43 مليار يورو في مجال إنتاج الرقائق الإلكترونية…
يُتَوَقَّعُ أن تتمكّن الشركات الصينية من الوصول والاستفادة من القوة الحاسوبية لرقائق “الذكاء الاصطناعي المتطور”، التي تم منعها سابقًا من شرائها، وأن تستفيد منه لتحقيق تقدم اقتصادي وعسكري، بعدما تمكنت من تطوير الأجهزة الكهربائية والهواتف المحمولة والسيارات والطائرات وشبكات الاتصالات، ومراكز البيانات والحواسيب وأجهزة الإنتاج في المصانع، وأنظمة التسلح والصواريخ والأسلحة النووية…
تغييرات عالمية بآفاق محدودة
تُشكل الإمبريالية مرحلة من تطور الرأسمالية تميزت بهيمنة الشركات الإحتكارية ورأس المال المالي ( المصارف وشركات التأمين وصناديق التّحوّط والمؤسسات المالية) التي توسّعت خارج الحدود الوطنية بحثًا عن مواد أولية وموارد خام، وغزو أسواق جديدة لتسويق إنتاجها ولا تزال الإمبريالية تُهيمن على الإقتصاد العالمي من خلال استخدام القوة العسكرية والقوة المالية (الإستثمارات والقُرُوض) وقوة الإعلام والدّعاية، واحتكار الصناعات الإستراتيجية كالصناعات الغذائية والأدوية والتكنولوجيا ومنظومة الإتصالات والتحويلات المالية، ولا تتردّد الإمبريالية بزعامة الولايات المتحدة وشركاتها الإحتكارية في التّدخّل عسكريًّا للحفاظ على هيمنتها في أي مكان من العالم…
بدأت الهيمنة الأمريكية على العالم خلال الحرب العالمية الثانية التي دَمّرت العديد من مناطق العالم في القارات الأخرى، فيما بقيت أمريكا سالمة، وأنشأت الولايات المتحدة مع بريطانيا منذ بداية الحرب شراكات عسكرية واستخباراتية، وصمّمت نظام هيمنة اقتصادية ومالية قبل نهاية الحرب من خلال ربط سعر الدّولار بالذهب وتأسيس صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية سنة 1944 (تغيرت التسمية وبقي الجوهر) قبل ميلاد حلف شمال الأطلسي سنة 1949 وحرب كوريا سنة 1953 وبدأ التخطيط الرأسمالي المشترك للإمبريالية من خلال مؤتمر بيلدربيرغ (1953) ومؤتمر دافوس (1971) ومجموعة السبع (1974) وغيرها من التشكيلات التي تُخطّ لاستمرار وتأبيد الهيمنة على موارد العالم وعلى الممرات التّجارية والمواقع الإستراتيجية، من خلال نشر أكثر من ثمانمائة قاعدة عسكرية أمريكية حول العالم، فضلا عن قواعد حلف شمال الأطلسي وقواعد المحميات مثل الكيان الصهيوني أو تايوان، وتعول الإمبريالية الأمريكية على القوة العسكرية كأحد أهم أدوات الهيمنة، ويظهر ذلك من خلال ضخامة الإنفاق العسكري للولايات المتحدة وحلفائها الذي يمثل نحو 74,3% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي وكُلّما ارتفع الإنفاق العسكري انخفض الإنفاق الإجتماعي في الدّاخل، وارتفعت التهديدات الأمريكية في الخارج واستبدلت الولايات المتحدة الدّبلوماسية بالتّدخل العسكري (أو عَسْكَرَة السياسة الخارجية) للحفاظ على السيطرة، غير إن تَسارع عملية تحول الصين نحو الرأسمالية أدّى إلى تجاوز حصتها من الإنتاج الصناعي العالمي حصة الولايات المتحدة منذ سنة 2004،
ومنذ ثلاثة عقود أصبحت الصين مُصَدِّرًا صافيًا لرأس المال، وتمكّنت الصين بفضل هذه الأموال الفائضة (ومصدرها الإستغلال الفاحش للطبقة العاملة في الصين وفي إفريقيا وآسيا) من إقراض الدول الفقيرة ومن تمويل المشاريع الضخمة مثل مبادرة الحزام والطريق، منذ 2013، كمحاولة للإلتفاف على الحصار الذي أعلنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون سنة 2012، كما أنشأت الصين أو ساهمت في إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون (2001)، ومجموعة بريكس (2009)، ومجموعة الدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة (2021) وهي منظمات لا تتجاوز المنطق الرأسمالي ولكن تدعو إلى “عالم متعدد الأقطاب” بدل عالم القطب الواحد الذي تهيمن عليه الإمبريالية الأمريكية، والدّعوة إلى التّخلِّي عن استخدام الدّولار في المبادلات التجارية واستبداله باستخدام العملات المحلية.
لا تُشكّل هذه الخطوات بديلا للطبقة العاملة وللكادحين والشعوب المُضْطَهَدَة، لأنها تفتقد إلى أُطُر ومنظمات تجمعها كطبقة أو شعوب مُسْتَعْمَرَة ومُضْطَهَدَة.
2024-02-11