متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثالث والأربعون، بتاريخ الثامن والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر 2023!
الطاهر المعز
يحتوي العدد الثالث والأربعون لنشرة متابعات على فقرة قصيرة تمثل عينة صغيرة من أسباب ومظاهر الهيمنة الأمريكية على الأسواق المالية العالمية وفقرة قصيرة أخرى عن بعض مؤشرات تباطؤ القطاع العقاري باالولايات المتحدة، ما يُذَكِّرُ ببدايات أزمة 2008، وفقرة بشأن أسباب ونتائج الفيضانات التي تَضَرّر منها الشعب الليبي الشّقيق الذي ساءت حاله كثيرًا، منذ تدمير الدولة والوطن سنة 2011، وفقرات – هي بمثابة هوامش – بشأن العدوان الصهيوني/الأمريكي/ الأوروبي الذي يستهدف الشعب الفلسطيني، خصوصًا منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 وفقرة عن بعض مظاهر الصراع الصيني/الأمريكي، وأخرى عن روسيا ومواقفها الضّبابية و”الرّمادية” من قضايانا العربية
هل لرأس المال وَطَن؟
تُعتبر الشركات ذات المَنْشَأ الأمريكي، ومن بينها أبل ومايكروسوفت وميتا وأمازون وألفابت ونفيديا وتسلا، من أضخم الشركات العابرة للقارات، وتُساهم هذه الشركات العملاقة ( إلى جانب القوة العسكرية والدّولار…) الولايات المتحدة من الهيمنة على العالم وتُبيِّنُ الأرقام إن سبع شركات أمريكية كبيرة في مجال التكنولوجيا تقود حاليا (الأسبوع الأخير من تشرين الأول/اكتوبر 2023) ارتفاع أرباح الأسهم العالمية لسنة 2023، وتُمَكِّنُ الولايات المتحدة من الهيمنة على أسواق الأسهم العالمية، من خلال مؤشر إس آند بي 500 للشركات الأمريكية الكبرى الذي يقود بدوره الأسواق في الخارج، حيث أضافت الشركات السبع نحو أربعة تريليونات دولار من القيمة السوقية سنة 2023، لترتفع بذلك حصة الولايات المتحدة من القيمة السوقية العالمية للمرة الثامنة خلال عقد واحد، وفق بيانات نشرتها وكالة “بلومبرغ” يوم 26 تشرين الأول/اكتوبر 2023… أدّت هيمنة الولايات المتحدة على الأسواق العالمية إلى تهميش المراكز المالية الأوروبية ( لندن وفرانكفورت ) وإلى استنزاف السيولة من الأسواق الأخرى، ما يدفع الشركات إلى الإستثمار في الولايات المتحدة والتركيز على أسواقها لأنها توَفِّرُ قدرًا أعْلَى من الأرباح…
انهيار سوق العقارات في الولايات المتحدة
انطلقت أزمة 2008/2009 من انهيار سوق العقارات، وبعد عِقْد ونصف يُبْدي سوق العقارات ضُعْفًا يُؤشِّرُ إلى احتمال انهيار نفس القطاع مرة ثانية، ففي الأسبوع الثالث من شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023، انخفض الطلب على القروض العقارية – وهي القُرُوض الأكثر شُيُوعًا في الولايات المتحدة – إلى أدنى مستوى منذ 28 سنة، بينما بلغت أسعار الفائدة على القروض العقارية – وهي القروض الأكثر شيوعا في الولايات المتحدة – مستوى قياسيا لم تبلغه منذ أيلول/سبتمبر 2000، وهي الزيادة الأسبوعية السابعة على التوالي، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض لشراء منزل وإلى تباطؤ نشاط قطاع العقارات، وامتد التباطؤ إلى خارج الولايات المتحدة، وتجسّد ذلك في انهيار شركة “نِكْسِتِي” وهي أكبر عقارية فرنسية…
ليبيا
حطّمت دول حلف شمال الأطلسي – مدعومة بالدّول العربية وجامعتها – الدّولة الليبية، ومَكّنت المجموعات الإرهابية من نهْب السّلاح بثكنات الجيش الليبي، وتم تفتيت البلاد إلى مناطق نفوذ المليشيات…
أدّى هذا الوضع الجديد إلى اهتراء البُنْيَة التّحتيّة بحكم غياب الصّيانة، ولما هطلت الأمطار، يوم 10 أيلول/سبتمبر 2023، انهار سُدّ مدينة “درْنة” التي تقع تحت سيطرة مليشيات خليفة حفتر ( عميل الإستخبارات الأمريكية وباع جيش بلاده وعاش بالولايات المتحدة التي منحته جنسيتها)، وأدّى تدفّق المياه والأوحال إلى انهيار السّد وتحطيم قنوات الصرف الصحي وقرابة تسعمائة مبنى وتصدّع أكثر من ثلاثة آلاف مبْنَى، وقَتْل ما لا يقل عن 12 ألف مواطن من مختلف الأعمار، بين العاشر والرّابع عشر من أيلول/سبتمبر 2023…
هطلت الأمطار بغزارة يوم العاشر من أيلول 2023، حيث سقط 100 ملم خلال يوم واحد في درنة، و414 ملم في البيضاء على ساحل برقة، بينما يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي في درنة 252 ملم سنويًا، وتحدث مثل هذه الظواهر بانتظام في فصل الخريف، جنوب البحر الأبيض المتوسط في هذه المنطقة المتوسطية شبه القاحلة، وأحيانًا ثلاث مرات في السنة، ويُتَوقّع أن يتسبب تغير المناخ (بفعل النشاط الإنساني ) في تفاقم العواصف المُدَمِّرَة، في مناطق عديدة من العالم، من جنوب آسيا إلى أمريكا الشمالية والجنوبية. أما في ليبيا فإن هذه الكارثة هي نتيجة منطقية لغياب جهاز الدّولة المَرْكَزِيّة التي كانت تُقِرُّ وتُنفّذ تدابير الوقاية والحماية من مثل هذه المخاطر، ونتيجة انعدام التخطيط والتّهيئة العمرانية، وغياب تدابير التحذير وتعليمات السلامة، خصوصًا في المناطق المعرضة للفيضانات، فضلا عن انعدام الثقة في السلطات المحلية الحالية المُتّسِمة بالفساد وغياب الكفاءة، واضطر المواطنون المنكوبون إلى تنظيم عمليات الإغاثة بأنفسهم…
اتجاهات الرأي العام الأميركي من قضيتنا المركزية فلسطين
أصبح جزء هام من الرأي العام الأميركي، وخاصة من الشباب، لا يتفق مع الإدارة الأمريكية الحالية (برئاسة جوزيف بايدن) بشأن الدعم غير المشروط للكيان الصهيوني وفق نتائج استطلاع جديد للرأي، أُجْرِيَ إثر إعلان الرئيس جوزيف بايدن يوم 19 تشرين الأول/اكتوبر 2023، إرسال المزيد من الأسلحة، ومساعدات عسكرية ومالية غير مسبوقة بقيمة 74 مليار دولار للكيان الصهيوني وأوكرانيا، وعبرت العديد من فئات المواطنين، وخصوصا من الشباب الأمريكي عن معارضتها لهذا الدعم السياسي والعسكري والمالي الأمريكي، رغم المجازر الجماعية والأزمة الإنسانية والحصار المتواصل للفلسطينيين من سكان قطاع غزة ومصادرة الأراضي وارتكاب أعمال القتل والتخريب في الضفة الغربية المحتلة، ويبدو إن “الإجماع” الأمريكي التّقليدي بشأن الدّعم غير المشروط للكيان الصّهيوني قد بدأ بالتّصدّع.
العواقب الاقتصادية للحرب في فلسطين: الركود والتضخم والانهيار المصرفي
اتّجهت حاملتا طائرات عسكرية أمريكية إلى شرق المتوسط، لدعم الكيان الصّهيوني الذي يُنفّذ عدوانا واسع النطاق على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلّة سنة 1967، وبذلك وسّعت الإمبريالية الأمريكية رُقْعَةَ العُدوان لتمْتَدَّ من أوكرانيا إلى فلسطين وسوريا وإيران، بدعم من دول الإتحاد الأوروبي والدّول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وهي الدّول التي تَضَرّرت من حرب أوكرانيا من خلال إغلاق خطوط أنابيب نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، واضطرار الدّول الأوروبية إلى شراء النفط الصخري الأمريكي الرّديء، بخمسة أضْعَاف السّعر الذي تُسدّده الشركات الأمريكية، وبذلك تنخفض تنافُسِيّة الشركات الأوروبية مُقارنةً بالشركات الأمريكية، وكانت ألمانيا أكبر مُتَضَرِّرٍ من انقطاع الغاز الروسي، فوقعت عقدًا مع الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال لتوريد الغاز عبر مضيق هرمز، واتفاقية مع شركة ( Venture Global ) الأمريكية لتوريد الغاز المسال، وأصبحت هذه الشركة أكبر مورد لألمانيا، قبل إتمام بناء البُنْيَة التّحْتِيّة والمنشأة التي ستُزَوِّدُ ألمانيا بالغاز…
تمكّنت الولايات المتحدة من زيادة إحكام السّيْطرة على أوروبا، وصدرت سنة 2022 أكثر من نصف الطلب الأوروبي على الغاز المسال، وانخفضت حصّة روسيا وقَطَر إلى الثُّلُث، في ظل نقص المَعْرُوض العالمي من الغاز المسال، وقد يُؤَدِّي هذا النّقص إلى انخفاض نمو الإتحاد الأوروبي، خصوصًا بعد العدوان الصهيوني (منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023) الذي قد يُؤَثِّرُ كثيرًا على اقتصاد أهم البلدان الأوروبية – التي تعاني من الرّكود – بفعل عدم القُدْرَة على تأمين وصول المحروقات وارتفاع نسبة التّضخّم وتراجع أداء القطاع المالي بالتّوازي مع ارتفاع أسعار الفائدة واحتمال ارتفاع عائدات الديون السّيادية التي قد تُؤَدِّي إلى انهيار أسواق الأصول والائتمان، على غرار ما حدث سنة 2020، فيما تحاول المصارف المركزية إنقاذ الأسواق المالية وهي عملية مُكلفة، مُرتفعة الثمن، قد تبلغ قيمتها عدة تريليونات من الدولارات، فضْلاً عن الدّعم غير المحدود الذي تُقدّمه الدّول الإمبريالية، وخصوصًا الولايات المتحدة إلى أوكرانيا والكيان الصهيوني الذي طلبَتْ حُكومته مساعدات عسكرية طارئة بقيمة عشر مليارات دولارا إضافية من الولايات المتحدة لمجابهة مصارف العدوان على الشعب الفلسطيني، وفقًا لوسائل الإعلام الصّهيونية، فيما ذَكرت وسائل الإعلام الأمريكية إن الكونغرس الأمريكي والبيت الأبيض يناقشان حجم المساعدات العسكرية التي سيستفيد منها حُلفاء الولايات المتحدة، مثل الكيان الصهيوني وأوكرانيا وتايوان وتمويل الجدار الذي يفصل بين المكسيك والولايات المتحدة، وفق وكالة رويترز بتاريخ 22 تشرين الأول/اكتوبر 2023 التي أكّدت تقديم الولايات المتحدة مساعدات طارئة بقيمة تفوق مائة مليار دولارا لحلفائها ومن بينها ستين مليار دولار لأوكرانيا وعشر مليارات دولار للعدو الصّهيوني الذي أثبت عدم قُدرته على خوض حرب بمفرده ضد شعب مُحاصَر…
من جهة أخرى، واستكمالا لعدوان 1948، نَشَر موقع البيت الأبيض (الرئاسة الأمريكية) معلومات عن بعض الأهداف الصهيونية من العدوان الذي بدأ يوم 07 تشرين الأول/اكتوبر 2023، وعن التمويل الأمريكي لمخطط التهجير القَسْرِى للفلسطينيين إلى سيناء، ضمن استكمال عملية اقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه والتي بدأت خلال عدوان 1947/1949، ويتلخّص الدّعم الأمريكي لهذه الخطة في الطّلب الذي وجَّهَهُ البيت الأبيض، يوم 20 تشرين الأول/اكتوبر 2023، إلى مجلس النُّوّاب لإقْرار مبلغ 106 مليار دولارا بعنوان “اعتمادات مالية إضافية” لدعم الكيان الصهيوني وأوكرانيا، بذريعة “حماية الأمن القومي الأمريكي”، من ضمنها 3,4 مليون دولارا “كمساعدة إنسانية لسكان غزة الذين سوف يلجأُون إلى بلدان مجاورة”، أي تهجير فلسطينيي غزة إلى سيناء، لأن الكيان الصهيوني يُحاوِلُ طَرْد من لم يتمكّن من تهجيرهم من فلسطيني منذ النّكبة، وكان العدوان على فلسطينيي غزة فُرْصَةً لتهجيرهم نحو سيناء التي استرجعت الدّولة المصرية معظم مساحتها بشُروط مُكَبِّلَة تضمّنتها مختلف الإتفاقيات مع العدو الصهيوني والتي أشرفت على إعدادها وتنفيذها الولايات المتحدة، وطبّق النّظام المصري، طيلة خمس عقود، منذ السادات إلى الآن حصارًا مُطبقًا على قطاع غزة، وخصوصًا منذ سنة 2006، لكن الكيان الصهيوني يُحاول – بدعم امبريالي أمريكي وأوروبي – التّخلّص من فلسطينِيِّي غزة وتوطينهم في سيناء، ما أثار حفيظة النظام المصري وخصوصًا الشعب المصري…
أعلنت الحكومة المصرية إنها “لن تُفَرِّطَ في في أي جُزْءٍ من ترابها لإيواء اللاجئين الفلسطينيين” (بعد التفريط في مناطق من سيناء وجَزِرَتَيْ تيران وصنافير)، ما وَتّر العلاقات السياسية بين النظام المصري وسلطات الإحتلال، فيما بقيت العلاقات وطيدة في مجال الإقتصاد والمحروقات والتعاون الأمني وطيدة، حيث قَمَعت السّلطات المصرية الفلسطينيين الذين تمكّنوا من فك الحصار واقتحام حاجز مدينة رفح (وهي مدينة مُقسمة بين مصر وفلسطين) سنة 2008، كما ردمت السلطات المصرية الأنفاق بين غزة وسيناء، وغمرتها بالمياه المالحة وبالمياه القذرة وشنّت حملة دعائية مناهضة للفلسطينيين…
من جهة أخرى هَمَّشَ النّظام المصري سُكّان سيناء الذين قاوموا الإحتلال الصّهيوني من عدوان 1967 إلى تاريخ توقيع اتفاقيات استسلام النظام المصري سنة 1979، وعند إعادة انتشار جزئي للقوات المصرية سنة 1982 اعتبرت الدّعاية الرسمية المصرية سكان سيناء “طابورًا خامسًا” لتبرير القمع والتّهميش، كما أصبحت بعض مناطق سيناء مناطق صناعية تستغلها الشركات الصهيونية (والمصرية المتعاونة معها) في إطار الجانب الإقتصادي من اتفاقيات الإستسلام، مع الإشارة إلى علاقات القرابة والنّسب بين سكان سيناء والفلسطينيين في غزة وفي النّقَب (جنوب فلسطين) والمراقبة اللصيقة التي تقوم بها أجهزة المخابرات المصرية لسُكّان شبه جزيرة سيناء، واستغل الكيان الصهيوني التّوتّر بين نظام الحكم والسّكّان ليدعم المنظمات الإرهابية في سيناء، وخاصة منذ العام 2011، فيما تذرّعت السلطات المصرية بتهديد الأمن الوطني لتبرير السياسات الأمنية واستخدام القُوّة لمصادرة الأراضي وإقامة مشاريع لفائدة شركات الجيش بعنوان “إعادة تطوير الأراضي”، بالتوازي مع تكثيف درجة القمع وإعلان حالة الطوارئ في شمال سيناء، واعتبارها “منطقة عسكرية” يتعذر دخولها على المَدَنِيِّين منذ تشرين الأول/اكتوبر 2014، ولم يتم رفع حالة الطوارئ حتى الآن، ما يسمح لقوات القمع بتنفيذ عمليات تدمير واسعة النطاق لمنازل المدنيين، وفق تقرير صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” (تمويل وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتعاون الدّولي) سنة 2019، وذَكَر التقرير نماذج للإنتهاكات وجرائم الحرب التي يرتكبها الجيش المصري ضد سكان شمال سيناء منذ عام 2013، وإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة، تمتد لعدة كيلومترات، وتنفيذ عمليات تهجير قسري، ترافقها الإعتقالات التعسفية وحتى الاغتيالات خصوصًا خلال الفترة الممتدّة من تموز/يوليو 2013 إلى نيسان/أبريل 2018، وبتبرير عَسْكَرَة هذه المنطقة ومصادرة الأراضي وإقامة مشاريع عسكرية بضرورات الأمن الوطني…
في جبهة الأعداء – من تبعات العدوان
اضطر الكيان الصهيوني إلى إخلاء مُستعمرات (مستوطنات ) غزة سنة 2005 ونقَل المُسْتَوْطِنين إلى الضّفّة الغربية حيث تكثّفت عمليات مصادرة الأراضي والإعتداء المباشر على الفلاحين الفلسطينيين، ومنذ ذلك الحين يعيش فلسطينيُّو غزة حصارًا وقَصْفًا مُتصاعدًا ومستمرًّا ومُكثّفًا، خصوصًا منذ سنة 2008، وما العدوان الحالي المتواصل منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 (حتى كتابة هذه الفقرات يوم 18/10/2023) سوى استمرارًا لعدوان 2008/2009، بل لعدوان 1947/1948، ومحاولة تهجير الفلسطينيين وإخلاء المكان من أهْلِهِ ليتسنّى الإحتلال العسكري المباشر لقطاع غزة ومصادرة واستغلال الإحتياطيات البحرية للغاز الطبيعي الفلسطيني الذي تم اكتشاف حجمه الضّخم منذ سنة 2002، كما حصل لحقل ليفياثان ( 83 ألف كيلومتر مربع ) وحقل “تمار”، بمساعدة وإشراف الشركة الأمريكية “نوبل إنيرجي” التي بدأت عملية المَسْح والبحث منذ أكثر من ثلاثة عُقُود (قبل “مُفاهمات” أُوسلو) وفرّطت سلطة ياسر عرفات (ثم محمود عباس) في ثروة الشعب الفلسطيني من خلال توقيع اتفاقية (تشرين الثاني/نوفمبر 1999) ضمنت حقوق التنقيب عن الغاز والنفط لمدة 25 عامًا لشركة بريتيش غاز – التي قدّرت احتياطي غاز غزة بما لا يقل عن 1,4 تريليون قدم مكعب – وشريكتها شركة اتحاد المقاولين الدولية (مقرها أثينا )، وفق صحيفة “إندبندنت” البريطانية ( 19 آب/أغسطس 2003 ) والصحيفة الصهيونية “هآرتس” 21 تشرين الأول/أكتوبر 2007
كان الغاز موضوع مناقشات بين حكومة الكيان الصّهيوني وشركة بريتش غاز منذ سنوات، قبل عدوان 2008، ويُشارك النظام المصري وسلطة الحكم الذّاتي الإداري ( أوسلو) في عملية نهب محروقات فلسطين المحتلة من خلال استيراد وتصفية الغاز في مصر قبل تصديره إلى أوروبا، ضمن ترتيب إقليمي جديد يضم الكيان الصهيوني ومصر واليونان وقبرص وإيطاليا، بالتّوازي مع تشديد الحصار البري والبحري، بمشاركة الولايات المتحدة والأساطيل الحربية البحرية للعديد من الدّول الأوروبية، من بينها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها، وجميعها أعضاء في حلف شمال الأطلسي، لتكتملَ عَسْكَرَة ساحل غزة وتحديد حركة قوارب الصّيد، في إطار تجويع الشعب الفلسطيني…
إن سيطرة الكيان الصهيوني على حقول غاز غزة تُمَكّنه من ربطها مع المنشآت البحرية المجاورة في حَقْلَيْ ليفيثان وتمار وَوَصْلِها بممر نقل الطاقة الذي يمتد من ميناء أم الرّشراش، إلى ميناء عسقلان، وإلى حيفا شمال فلسطين، ثم إلى ميناء جيهان التركي لاحِقًا، حيث محطة خط الأنابيب العابر لبحر قزوين باكو- تبليسي- جيهان…
بعد أسبوع من العدوان الصهيوني على فلسْطِينِيِّي غزة، لم تظهر تأثيرات ضخمة على الأسواق، لكن تراجعت عُمْلة الإحتلال (الشيكل) بشكل حاد، إضافةً إلى ارتفاع المَخَاطِر على الإقتصاد العالمي وعلى الأسواق المالية، خصوصًا إذا ما تَوَسَّعَ نطاق الحرب مما قد يرفع أسعار المحروقات، حيث تراجعت أسعار الأسْهُم وارتفع سعر الدّولار وسعر الذهب الذي يُعْتَبَرُ مَلاَذًا، وارتفعت أسعار النفط نحو 6% يوم الجمعة 13 تشرين الأول/اكتوبر 2023، بفعل خوف الرأسماليين ( المستثمرين ) من تأثير الصراع على الإمدادات القادمة من أكبر المنطقة منتجة للنفط في العالم، وخوفًا من تَوَقُّفِ إنْتَاجِ النفطِ فَجْأَةً أو تَعَطُّلِ نَقْلِهِ، وعلى سبيل المثال، أعلنت شركة شيفرون وَقْفَ صادرات الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب رئيسي يمر تحت البحر بين فلسطين المحتلة ومصر، وقد تؤثر هذه البيانات على ارتفاع نسبة التضخم وعلى رَفْعِ أسعار الفائدة في جميع أنحاء العالم، وقد تستفيد الولايات المتحدة من هذا الوضع، لأن المستثمرين الأجانب يضخون أموالهم في ما يعتبرونه ملاذا آمنا أثناء الصراعات العالمية، وفق وكالة “رويترز” بتاريخ الإثنين 16 تشرين الأول/اكتوبر 2023…
تُؤَدّي مُقاومة الإحتلال إلى انتشار الخوف لدى المُستعمِرِين (المُسْتوطنين) والسّائحين ومن يعتزمون الإستيطان في فلسطين وخوف المُستثمرين، كما يمكن أن تؤثر عمليات المقاومة على الإقتصاد الدّولي، فقد أثَّرت العملية الفدائية الفلسطينية والعدوان الصهيوني الواسع ضد سُكّان غزة على أسعار المحروقات بالأسواق العالمية، وعلى سبيل الذّكر، ارتفع سعر برميل النفط الخام يوم الإثنين 16 تشرين الأول/اكتوبر 2023 (خام برنت) بنسبة 4,2% ليبلغ 88,15 دولارا، واضطرت الشركات التي تستغل الغاز المَسْرُوق من سواحل فلسطين إلى إغلاق حقل “تمار”، وقد ترتفع أسعار المحروقات إذا ما نفّذت الولايات المتحدة تهديداتها بتشديد الحصار ضدّ إيران، رابع أكبر مُنتج للنفط (والغاز) ضمن مجموعة “أوبك”، وهو حصار مُشَدّدٌ أصلاً منذ 2018، فضلاً عن التهديد بتعطيل حركة الملاحة البحرية في بحر العرب ومضيق هرمز والبحر الأحمر وقناة السّويس، عن قرار خفض إنتاج النفط حتى نهاية 2023 وفقا لاتفاق أوبك + (أيلول/سبتمبر 2023 ) بدَفْعٍ من روسيا والسعودية، وهو اتفاق مُكمل لاتفاق الثاني من نيسان/ابريل 2023 القاضي بالخفض الطوعي لأكثر من مليون برميل يوميا من أيار/مايو إلى أيلول/سبتمبر 2023، لتتمكّن الدول المُصَدِّرَة للنفط من تدارك الخسائر الناجمة عن كوفيد-19 وموازنة حساباتها المالية والخارجية، ومن مجابهة أزمة العقارات وانخفاض الطلب بفعل تباطؤ الاستهلاك الصيني…
أما عن اقتصاد العَدُوّ فقد تسببت عمليات المقاومة في إرباكه لأنه لا يستطيع تَحَمُّلَ الركود وهروب الإستثمارات الأجنبية، وهو ما حَصَل منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وتجَسَّدَ في ارتفاع المخاطر للإستثمار الأجنبي وفي خسارة نسبة هامة من أرباح أسواق الأسهم والسندات التي أصبحت غير جاذبة للمستثمرين، وفي شلل الإقتصاد وارتفاع الأسعار والتّضخّم المتواصل منذ بداية سنة 2022، وتدهور اقتصادي تمثّل في ارتفاع حجم تسريح العمّال وخروج العُمّال الأجانب واضطراب عمليات الإنتاج في أهم القطاعات، ومن بينها قطاع التكنولوجيا.
تُمثل الأنظمة العربية التي طبّعت علاقاتها مع الكيان الصّهيوني، وخصوصًا دول الخليج النّفطي حصانة للكيان الصهيوني لأن هذه الأنظمة – التابعة للإمبريالية – تحرص على حصر “الصراع” بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني، وتأبى، بل تخشى توسيع مجال المقاومة، وتحرص على عدم امتداد “الصّراع” إلى البلدان العربية الأخرى (الحاضنة الشعبية للمقاومة) لتفادي حصول أي اضطراب في الأسواق الرأسمالية العالمية…
من جهة أخرى جعلت الشركات العالمية (ومعظمها أمريكية) من فلسطين المحتلة إحدى أهم الوجهات الرائدة للاستثمار في مجال التكنولوجيا، ففي عام 2021، جمعت الشركات الناشئة الصهيونية استثمارات من “رأس المال المُخاطِر” بقيمة 27 مليار دولار، غير إن هذا القطاع، ويضم الإلكترونيات والإتصالات والتجسس (وهو أمريكي في الأساس، ومُعظم شركاته مُدْرَجَة في بورصة ناسداك الأمريكية) الذي اسْتطاع على مدار السنوات الماضية مواصلة النُّمُوّ، تأثَّرَ كثيرًا بالعدوان الحالي، إذْ عمليات المُقاومة عدم نجاعة أو جَدْوَى أجهزة التّجسّس والرّقابة الإلكترونية الصّهيونية، مما أثَّرَ على مركز الأعمال بتل أبيب، حيث تَمّ إلغاء ما لا يقل عن ثلاثة مؤتمرات تقنية رفيعة المستوى للذكاء الاصطناعي، كما تَوَقَّفَت الزيارات إلى فلسطين المحتلة بشكل مفاجئ، ولا تزال أعمال العديد من الشركات متوقفة، ولا يمكن القيام ببعض الأعمال الحيوية للنشاط الاقتصادي التكنولوجي عن بعد، وتعود أسباب التّوقّف إمّا “لأسباب أمنية” أو لأن جيش العدو استدعى نحو 300 ألف جندي احتياط، ومن بينهم نحو 10% من موظفي هذه الشركات وحوالي 30% من الشركات الأخرى للمُشارَكَة في العدوان، وأعلن محافظ المصرف المركزي للعدُوّ، يوم الأحد 15 تشرين الأول/اكتوبر 2023 ” ستَكُونُ للحرب التي نخوضها في غزة آثار على الميزانية…”
أظهر العدوان الصهيوني، الذي بدأ يوم السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، نذالة معظم الحُكّام العرب، وبالأخص حكام الخليج الذين انتهجوا سياسات أدّت إلى تذويب العُنصر العربي برفض تشغيل العرب واستيراد الملايين من العُمّال المهاجرين الآسيويين، ما جعل العرب أقلية، وأظْهَرَ حُكّام دُوَيْلات الخليج انحطاطًا سياسيا وعمالة وتبعية لا سابق لها، خلال العدوان الصّهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة، (تشرين الأول/اكتوبر 2023) وهي مجتمعات صغيرة وهجينة فقدت هويتها الثقافية العربية، بفعل ارتفاع حجم الوجود غير العربي إلى نحو 16 مليون آسيوي في مَشْيَخات مجلس التعاون الخليجي، خصوصًا في قَطَر والإمارات، حيث يُمثّل الآسيويون نحو 90% من العدد الإجمالي للسكان، وقد يتضاعف عدد الآسيويين سنة 2025، ما يُهَدِّدُ مُقوّمات العروبة، كاللغة والثقافة وحتى الهوية العربية…
الصين وأمريكا
بدأت الصين – منذ إعلان الحصار الإقتصادي الأمريكي، قبل بضعة سنوات – تتخَلَّصُ تدريجيًّا من الأصول الدُّولارية، لمنع الحصار الاقتصادي، وباعت أستهمًا أمريكية بقيمة 5,1 مليار دولارا، خلال شهر أيلول/سبتمبر 2023، وحطمت الرقم القياسي لمبيعات الأسهم التي تمتلكها، وفقًا لوكالة بلومبرغ بتاريخ 19 تشرين الأول/اكتوبر 2023 التي اعتبرت إن دلالة هذه الأخبار ليست اقتصادية فحسب بل سياسية، لأن هذا القرار الصيني يندرج في سياق الحرب الاقتصادية، وفي سياق الحصار المَفْرُوض على روسيا التي نهبت الدّول “الغربية” أُصُولها واحتجزت المبالغ التي أودَعَتْها روسيا في المصارف الأجنبية لتستورد بها سلعًا وخدمات… وأعربت وزارة الخزانة الأمريكية إن عملية البَيْع المُكَثّف والمتسارع للأصول والسّندات الأمريكية، من قِبَل الصّين، بلغت قيمتها 21,2 مليار دولارًا، وقد تُثير عملية البيع المُستمر منذ أربع سنوات، قَدْ تُثِيرُ أزمة مالية حادّة واستثنائية، نادرة، وقد تُثير قلق رأس المال المالي الدولي، وكتبت وكالة بلومبرغ إن الصّين تحاول دعم عملتها ( يوان) الذي انخفضت قيمته خلال شهر آب/أغسطس 2023 إلى أدنى مستوى له منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2022، من خلال بيع الأسهم والسندات الأمريكية لزيادة احتياطياتها من الدولار، والتي يمكن استخدامها للتدخل في سوق العملات وتعزيز اليوان، كما تقوم الصناديق الصينية بتخفيض محافظ ديونها الأمريكية، ما أثّر أيضًا على الأسواق المالية منذ انتشار وباء كورونا الذي كان أَقَلَّ أَثَرًا على الإقتصاد الصّيني الذي لم يَسْلَمْ من عُيُوب ومساوئ النظام الإقتصادي الرّأسمالي ومن بينها تَقَلُّص التّجارة وانتكاس سوق العقارات وضُعْف العملة، وقد يُؤَدِّي انتكاس الاقتصاد الصيني إلى ركود عالمي، وخصوصًا ركود الإقتصاد الأميركي، ولم تكن الصين لوحدها تبيع الأوراق المالية الأمريكية خلال السنوات الأربع الأخيرة، بل زادت المضاربة على السندات الأمريكية وعمليات بيعها في مناطق أخرى من العالم رغم من ارتفاع العائد على السندات لأجل 10 سنوات إلى 5% وهو أعلى مستوى له منذ سنة 2007، بحسب وكالة بلومبرغ – 19 تشرين الأول/اكتوبر 2023
روسيا “صديق” مَشْبُوه
لا يزال العديد من التّقدّميّين العرب يعتبرون روسيا صديقا لنا، وهذا خطأ في التّقدير، لأن روسيا لا تهتم سوى بالدّفاع عن مصالحها، وهو أمر مشروع، لكن ذلك يتم ضد – أو “على حساب” – مصالح سوريا أو مصالح الشعب الفلسطيني، رغم الضّرر الذي ألحَقَهُ الكيان الصّهيوني بمصالح روسيا في جورجيا وأوكرانيا وشرقي المتوسط…
ينطلق تقييمنا لعلاقاتنا مع الدّول وتصنيفنا للأصدقاء والأعداء من الدّفاع عن مصالحنا، وفي مقدّمتها مصلحة الشّعب الفلسطيني وحقّه في وطنه الذي طُرِدَ منه بالقُوّة ليحتلّهُ المُستعمرون، ومن بينهم أكثر من مليون روسي، من ذوي الكفاءة والخبرة، جاؤوا عند انهيار الإتحاد السُّوفييتي لِيُعَزِّزُوا الإحتلال الإستيطاني واقتلاع ما تبقى من الشعب الفلسطيني في مناطق الإحتلال الأول (أراضي 1948)، فضلا عن تدفّق مبالغ كبيرة من الأموال الروسية إلى اقتصاد العدو، ويعتبر نظام روسيا الحالي هؤلاء المستوطنين “مجموعة تأثير” (لُوبي) تخدم مصالحه، ولذلك يُفضّل تحسين العلاقات مع الكيان الصهيوني ( وكذلك مع تركيا الأطلسية) على العلاقات مع سوريا أو غيرها من الأنظمة في المشرق العربي، ورفضت روسيا تسليم أسلحة تُمكّن سوريا من الدّفاع على أراضيها ضد الهجمات الصّهيونية، كما تدّعي روسيا “الحياد”، رغم قصف السلاح الصهيوني طائرةً روسية (أيلول/سبتمبر 2018) وقَتْل 15 جنديًّا وضابطًا روسيا في سوريا، بل يُشارك نظام روسيا الحالي بزعامة “فلاديمير بوتين” في التّآمر ضدّ سوريا، من خلال إعداد دستور مناهض للعروبة ويهدف تقسيم البلاد، وضد فلسطين من خلال “الحياد” الزائف، ومن خلال تفضيل العلاقات مع الكيان الصهيوني وتركيا على دعم القضايا العربية…
اعتبر العديد من التقدميين العرب إن موقف روسيا الحالي من العُدْوان الصهيوني “مُتوازن” في مقابل الدّعم “الغربي” العلني، وغير المحدود للعدوان، وقدّمت روسيا مشروع قرار بمجلس الأمن، يدعو إلى “وقف إطلاق النّار” وليس لإدانة العدوان – وإن كانت الإدانة لا تتجاوز اللفظ – وعارضت الدّول الأطلسية التي تتمتع بحق النقض (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ) وكذلك اليابان مشروع القرار الروسي، في خطوة تُعبِّرُ عن الدّعم العَلَني للدّول الإستعمارية التي تُشجع الكيان الصهيوني وتُسلّحُهُ لتدمير ما تبقى من غزة وارتكاب المزيد من المجازر
2023-10-29