مبادرة عراقية في حظر التحريض على الكراهية!
أ.د عامر حسن فياض
في تشرين الاول من عام 2012 اجتمع (45) خبير واكثر من (200) مراقب في الرباط بالمغرب بشأن حظر الدعوة الى الكراهية القومية او العنصرية او الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز او العداوة او العنف، وتمخض الاجتماع عن مجموعة نتائج وتوصيات سبقها شروحات ومناقشات دسمة حول العلاقة الحساسة بين حرية التعبير وخطاب الكراهية فيما يتصل بالمسائل الدينية. واليوم تصاعدت حدت هذا الموضوع وسبب مشاحنات وأعمال عنف وأفعال ازدراء ضمن مجتمعات وفيما بينها الامر الذي يجعل من معالجة هذا الامر مسؤولية وحاجة ملحة على الصُعد الوطنية والدولية.
اليوم حيث ان العالم ازداد ترابطاً وتحولت طبيعة المجتمعات الى التعددية الثقافية، رافقتها اشكاليات ونزاعات واضطرابات قد تضمنت بدرجات ومستويات متفاوتة عنصر التحريض على الكراهية القومية او العنصرية او الدينية. وكثيراً مايقال ان هناك تناقض بين حرية التعبير وحرية الدين والمعتقد لكنهما في الحقيقة مترابطتان وتدعم احدهما الاحرى، وان حرية ممارسة المرء شعائر دينية او معتقده لايمكن تحقيقها إلا مع احترام حرية التعبير التي تتضمن الحوار واحترام التنوع والتفكير النقدي.
وقد استهدفت استنتاجات اجتماع الرباط الى حث جميع الاطراف المعنية على تنفيذ الحظر الدولي لأي دعوة الى الكراهية القومية او العنصرية او الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز او العداوة او العنف. وان عدم وجود اي حظر قانوني للتحريض على الكراهية في الاطر القانونية الوطنية عبر العالم لايساعد على تحرير حرية التعبير والحرية الدينية من قيود تلغيها او تتجاهلها.
ومن حيث المبدأ العام ينبغي التمييز بين ثلاثة انواع من التعبير هي التعبير الذي يشكل جريمة والتعبير الذي لايستحق العقاب جنائياً انما يمكن ان يكون مبرراً لدعوى مدنية او عقوبات ادارية ، والتعبير الذي لايستدعي اي عقوبات جنائية او مدنية او ادارية مع كونه مثيراً للقلق بشان التسامح والتأدب واحترام حقوق الاخرين.
وبقدر تعلق الامر بالعراق فأنه كان من السباقين تشريعياً في تثبيت النصوص القانونية الوطنية التي تجرم خطاب الكراهية.
دستوريا يحظر الدستور العراقي لسنة 2005 (م7 أولاً) كل كيان او نهج يتبنى العنصرية او التكفير او التطهير الطائفي او يحرض او يمجد او يبرر له … كما ان هذا الدستور في المادة (42) ذهب الى التأكيد “لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة” وقد سبق لقانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة (1969) النص على تجريم ومعاقبة دعاة الكراهية حيث يُعد فاعلاً للجريمة من دَفع بأية وسيلة شخصاً على تنفيذ الفعل المكون للجريمة (م 47/3) وحكم بالسجن مدة لاتزيد على سبع سنوات كل من … او حبذ او روج مايثير النعرات المذهبية او الطائفية او حرض على النزاع بين الطوائف والاجناس والبغضاء او اثار شعور الكراهية بين سكان العراق (م 200) كذلك يعاقب مدة لاتزيد على ثلاث سنوات او بالغرامة كل من:
.1 اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية او حَقر من شعائرها.
.2 من أهان علناً رمزاً او شخصاً هو موضوع تقديس او تمجيد او احترام لدى طائفة دينية (م 372).
يضاف الى كل ذلك فان العراق صادق على نصوص قانونية تضمنتها معاهدات ومواثيق دولية تجرم خطاب الكراهية مثل الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع اشكال التمييز العنصري والتي صادق عليها العراق عام 1970. وفي تموز 2021 سلطت الجمعية العامة للامم المتحدة الضوء على المخاوف العالمية بشان الانتشار المتسارع لخطاب الكراهية وانتشاره. ويقر القرار بضرورة تعزيز الحوار بين الاديان والثقافات والتسامح في مواجهة خطاب الكراهية، كما يقر بضرورة مكافحة التمييز وكراهية الاجانب وخطاب الكراهية واعلن يوم 18 حزيران يوماً دولياً لمكافحة خطاب الكراهية يتم الاحتفال به لأول مرة في عام 2022. وتماشياً مع مبادرة الامم المتحدة بشأن خطاب الكراهية التي تم إطلاقها في حزيران عام 2019 فان مجلس الوزراء العراقي حريص بعد احداث الازدراء للاسلام وحرق القران على اطلاق مبادرة على الصعيد الاقليمي والدولي لحظر التحريض على الكراهية الدينية تراعي مايأتي :
- تراعي الخط الواصل والخط الفاصل بين حرية التعبير وحظر الكراهية الدينية والتمييز العنصري بما فيها الازدراء بالاديان والتعامل غير اللائق مع الاشياء الدينية لمجتمع ديني وحرق أو اهانة الكتب السماوية المقدسة بطرق علانية.
- تراعي التشريعات والنصوص القانونية الوطنية والدولية ذات الصلة بحظر التحريض على العنف والعداء والكراهية الدينية والتمييز العنصري.
- مبادرة لاتؤدي الى قلة احترام الدين والنظام العقائدي ولا تميز لصالح دين او اديان او نظم عقائدية او تكون ضدها او لصالح اتباعها ضد اتباع دين آخر.
- مبادرة لا تقر الحظر لمنع انتقاد الزعماء الدينين او التعليق على مذهب عقائدي على وفق التفكير النقدي الموضوعي في البحوث والدراسات المعرفية العلمية ويترك للقضاء القائم على احترام القانون والنزاهة والموضوعية الفصل بين حرية التعبير وحظر التحريض على الكراهية. قضاء على اطلاع وبانتظام على احدث مستجدات المعايير الدولية والسوابق القضائية والفقه المقارن على الصعيدين الدولي والاقليمي فيما يخص التحريض على الكراهية .
- مبادرة لا تتوقف عند الحظر القانوني للتحريض على الكراهية بل تمتد الى اتباع سياسات عامة والممارسات والتدابير التي تعزز الوعي الاجتماعي والتسامح بقصد ايجاد ثقافة السلام والتسامح والاحترام المتبادل ورفع مستوى الوعي الاخلاقي والمسؤولية الاجتماعية في اوساط المؤسسات التربوية والاعلامية والتيارات الدينية والاجتماعية والسياسية والطلب منها الامتناع عن استخدام رسائل التعصب او اشكال التعبير التي يمكن ان تحرض على العنف او العداوة او التمييز بل عليهم تأدية ادوار حاسمة في الحديث علناً وبحزم شديد ضد التعصب والتنميط التمييزي وخطاب الكراهية مع ضرورة المساهمة في التثقيف بشأن التعددية والتنوع وضمان مساحة للاقليات للتمتع بحقوقهم وحرياتهم الاساسية، مع اعتماد القيم التقليدية الايجابية المتوافقة مع معايير حقوق الانسان المعترف بها وطنياً ودولياً للمساهمة الفعالة في مكافحة التحريض على الكراهية.
- مبادرة تحث الدول على محاربة الاراء المسبقة السلبية والتمييز ضد الافراد والجماعات على اساس الانتماء القومي او الاصل العرقي او الدين او المعتقد وان تعزز التفاهم بين الثقافات وتدريب المعلمين وقوات الامن والعاملين في انفاذ القانون على المسائل المتصلة بحظر التحريض على الكراهية ، وعلى الدول انشاء المؤسسات الضرورية لجمع المعلومات بشكل منهجي حول خطاب وجرائم الكراهية، وكذلك على المنظمات غير الحكومية والاحزاب السياسية اتخاذ مبادى استرشادية ان تلعب دوراً في حظر التحريض على الكراهية ومكافحة التمييز وتعزيز التفاهم ما بين الثقافات والحذر من الانزلاق الى القولبة النمطية السلبية ضد الاديان والاشخاص والجماعات مع تجنب الاشارة غير الضرورية الى العرق او الدين او الجنس او غيرها من خصائص الفئات التي يمكن ان تغذي الكراهية والتعصب.
اخيرا ان العراق بتواصل هذا الجهد من خلال هذه المبادرة بالتاكيد يخطو في الطريق السليم لتعزيز الجهود الوطنية والتعاون الدولي في هذا المجال.
2023-09-20