كتاب صدر عن دار نشر ( اندرية دوتج) Andre’ Deutsch عام 2007 ، بعنوان (ما قلتُ وداعا” أبدا) وفيه تتحدث امرأة بريطانية، مؤلفة الكتاب (بولين نوليس – سامرائي) كيف تزوجت من شاب عراقي نبيه ومتميز، بعد أن تعرفت عليه سنة 1957 اثناء دراسته ببريطانيا في الهندسة الكيمياوية اسمه( منعم السامرائي) مبعوثا” من قبل حكومته الملكية لتفوقه بالدراسة حسب نظام البعثات المعروف بسياستها التعليمية في تلك السنوات. آرتحلت لوطنه مع طفلها الاول مازن، تاركة امّها الارملة وكانت وحيدتها، ليصبح العراق وطنها متخلية عن جنسيتها الانكليزية بعد قانون عدم السماح بالزواج من الاجنبيات الذي شرعه نظام حكم البعث بعدئذ.. تسرد بولين ذكرياتها متطرقة لمنظر سقوط النظام الملكي.. شاهدت بعد ذلك، منظر اعدام الزعيم عبد الكريم قاسم في بناية الاذاعة العراقية ..ثم تلاه انقلاب تلاه انقلاب ثم وراءه انقلاب. كانت حكايتها الدراميه تتعالى بفصول صبرها على تحمّل عيشها مع عائلة زوجها ببغداد أولا” وكيف انسجمت مع الحياة البغدادية وصارت لها صديقات، منهن جارات أو زوجات اصدقاء زوجها بوظائفه المتعددة تبعا لكفاءته كخريج في الهندسة الكيمياوية من جامعة برمنغهام البريطانية.
تصف كيف عمل في مصفى الدورة قرب بغداد ثم انتقل للعمل بمصفى خانقين شمال العراق ثم مساعدا” للحكومة على تأميم نفط العراق حيث قام بواجبه بكل اجتهاد واخلاص، وهمه أن يعيش العراقيون مرفهين، بعد ذلك، بخيرات بلدهم النفطية.
تعرفت على صدام حسين في بيتهم حين جاء للتعزية بعد وفاة أحد اخوة زوجها.. عرفته واحدا” ساهم في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم بشارع الرشيد وبعدها اعتلى السلطة تدريجيا” بعد انقلاب.
لا شك أن الاخيرعرف كيف يستخدم زوجها لمأربه لدرجة أن جعله وكيلا” لوزير النفط وأعطى لهم بيتا” حديثا” للسكن بمنطقة المهندسين وسيارة مع سائق بالانتظار بالباب.. لكنهما عاشا بترقب قلب خائف وقلق دائم، سيما أنهما أدركا أن الحاكم ، للاسف، لا يؤتمن، لا احد يعرف متى يقلب لهما ظهر المجن، وعلى مقولة بعض من يعرفه شخصيا” ( لا صاحب عنده) ما عدا من كان مطيعا” وعبدا” له..عرفوا كيف افتتح حكمه بقتل العشرات من رفاقه في الحزب من البعثيين بطريقة لا يمكن تصورها، اثناء جلوسهم في قاعة الاجتماع لسماع خطبته.. مارس سلوك أسوء العصابات، مكتفيا” بتدخين سيجاره الكوبي بعجرفة، آمرا” حمايته بالقاء القبض عليهم وهم جالسون واحدا” واحدا”، بحجة أنهم متآمرون. سجلت المؤلفة بولين الجو المخيف بالعراق وكيف ُقتل وزير الصحة، بعدئذ، بمجرد اقتراح طرحه على صدام اثناء الحرب العراقية – الايرانية، ليسلمه بعدئذ لزوجته مقطعا إربا” إربا. بهذا الرعب عاشت بولين مع زوجها متجنبين الكلام حتى في بيتهم خوفا” من الآت التصنت عليهم، وقبل أن تخبرهم ابنتهما ( ندى) التي ولدت بالعراق، بعد سنوات، إنها سئُلت في المدرسة كي تتجسس على والديها لكنها رفضت..
لا ينتهي الكتاب التوثيقي إلا ويصل إلى الدور المأسوي لزوجها حيث يعدمه صدام اثناء ما تكون هي وابنتها في زيارة لأمها ببريطانيا. المحزن أن زوجها شعر بالخطر عليهما بالعراق واحس بما سيجري له لكنه لم يستطع المحافظة على نفسه.. كانت جريمته، في رأيها الآن، أنه تحدث بصوت عال منتقدا” ممارسات سيئة فذهب دون أن تقول له وداعا”.. ذكر البعض لها انه ظهر بالتلفزيون العراقي، بعد القاء القبض عليه، مرتديا” البيجاما، مدافعا” عن نفسه قائلا” انه خدم بلده مضحيا” بكل شئء كي يكون العراق بوضع أفضل. عرفت بعدئذ، إنه أُعدم مع آخرين معه من دون محاكمة يوم19 آب سنة 1986 ودفن جثمانه في موقع للعائلة بمدينة سامراء. بقيت بالخارج خائفة على ابنها الوحيد مازن ذي الثلاثة والعشرين ربيعا”، تلوب، متحينة الفرصة من أجل اخراجه من العراق دون جدوى.. بعد انتظارها لسبع سنوات عجاف، والنتيجة فاشلة، تتفق مع اصدقاء لها فلسطينيين في عمان، لديهم مشروع تجاري في الخارج. رتبت معهم على أمل أن يخرج مازن من العراق فيجد عملا عندهم. أخيرا تجازف بالذهاب للعراق وإياهم بحجة زيارة أحد اقاربهم الطالب في جامعة بغداد. تصف الليلة التي قضتها معهم وكيف قُدم لها أطيب أنواع الآكل ولكنها لم تستطع أكله بسبب القلق والترقب على أمل رؤية ابنها.. النتيجة كانت مؤلمة حين تهرول نازلة من السيارة، متلهفة لتدخل بيت السامرائي بمنطقة الكرادة ببغداد، لتجد أحد أخوان زوجها هناك وحده، وهو في حالة انكسار.. أخبرها بجملة مقتضبة واحدة : صدام شنق مازن.
بهذه العبارة المختصرة المدمرة تعود للاردن ليست فاقدة لشهية الطعام وانما للحياة كلها.
وكما نعرف أنّ سنّة الحياة ليست دائما سوداء، لقد خُطبت ابنتها ندى لمحمد ( صبوح) ابن اصدقائها الفلسطينيين.. تزوجت منه وانجبت طفلا”.. أول شيء فكروا فيه بعد مجيئه أن يطلقوا عليه اسم مازن احياء لذكرى خاله المغدور الذي أعدم بسجن أبو غريب ودفن قربه.. أخيرا” وبعد محاولة عائلة السامرائي معرفة مكان جثمانه أعطي لهم رقم مراجعة : 519 ونصحهم المسؤول أن يكفوا عن أي استفسار آخر!!
منقول
———————-
تعليق الاخ مهدي فرحان العقابي على المنشور
سبب أعدام أبو مازن الله يرحمه هو أنه رفض الموافقة على تحويل 25% من واردات النفط الى ديوان رئاسة الجمهورية والتي كانت تعني لحساب صدام وجلاوزته لأنه كان في وقتها هو الحاكم بدل البكر , وقد تم فصل أخيه الرائد عصام حسن السامرائي وهو زميلي في هندسة الطائرات وقد سرد لي كل تفاصيل أعدام وكيل وزير النفط لشؤون المؤسسات عبد المنعم السامرائي و روج النظام السابق عنه تهمة الأختلاس وأرساء عقود الوزارة لبريطانيا كونه درس
هناك وزوجته أم مازن بريطانية وأعدم معه مصلاوي صاحب شركة خلوصي للألبان , كان المرحوم عبد المنعم رجلاً عصامياً ومهنياً ذو كفاءة عالية وأخلاقه متواضعة ..
2023-09-05
تعليق واحد
انها واحدة من حلقات مسلسل الرعب الذي عاشه العراقيون. حسنا فعلت الكاتبة لاظهار جرائم الدكتاتور واجزم ان صوتها مسموع باعتبارها بريطانية، فالمواطن الاوربي يسمع من ابناء جنسه اكثرمما يسمعه من ابناء الدول المضطهدة من حكامها الذين بالاساس هم صنيعة الامبريالية الامريكية والبريطانية. ليت المخدوعين من العروبيين الذي مازالوا يعتقدون ببطولة صدام وانه فارس العروبة ، لبتهم يقرأون هذا الكتاب الوثيقة التاريخية التي تدين الدكتاتور من داخل بيئته باعتبار ها زوجة الشهيد السامرائي .