ماذا نحن فاعلون……؟
عزام محمد مكي*
لم تكن صورة المخطط الانكلو-امريكي الرامي لتقسيم العراق والمنطقة والسيطرة على مقدراتها الاقتصادية وتحطيم بنيتها الاجتماعية، كما هي واضحة هذه الأيام. فعدا عن التصريحات والقرارات الصادرة عن مستويات سياسية عليا ضمن الإدارة الأمريكية، والخرائط والمشاريع الرامية لتقسيم العراق والمنسوبة لنائب الرئيس الأمريكي السابق (بايدن) وغيره من السياسيين، فنحن نعرف الآن وبالملموس الدور الخبيث للإدارة الأمريكية في خلق النسخة الحديثة لتنظيم القاعدة الا وهو داعش. فكما دعمت أمريكا، بشكل مباشر او من خلال ادواتها في المنطقة، في سبعينات القرن الماضي (كما اقرت أخيرا هيلاري كلينتون)، تتوفر بين أيدينا الآن العديد من الأدلة عن دور أدوات أمريكا في المنطقة (سعودية، قطريه، إماراتية، تركيه.. الخ) في تمويل وتسليح داعش وتفرعاتها بالإضافة الى تواطئ واحتضان دواعش السياسة الداخلية. لا يخفى على احد الآن كيف استغلت إدارة أوباما سيطرة داعش التدريجية على مناطق واسعه في العراق. فبرغم من وجود (اتفاقيه) امنيه تلزم الإدارة الأمريكية بمساعدة الحكومة العراقية في حالة وجود تهديد، وقفت هذه الإدارة كمتفرج حتى استطاعت داعش من التمكن على مساحات واسعه وأصبحت تهدد اسوار بغداد. لقد استطاع الحشد الشعبي بعيد تشكيله مباشرة معتمدا على فصائل المقاومة ودعم الحكومة الإيرانية السريع، من التصدي لهذا التهديد وكبح تقدمه. وهنا استغلت الإدارة الأمريكية الطلب المقدم من قبل متواطئ الاحتلال للمساعدة في قتال داعش فسارعت بأرسال قواتها لتدخل من شباك داعش ليصل عديدها لحد الآن الى ما يقارب ال 20 ألف. لقد اتضح بشكل لا لبس به الهدف من استخدام داعش في العراق الا وهو استكمال إنهاك العراق اقتصاديا واجتماعيا. بالإضافة الى زرع آلية استولاد الفساد في أجهزة السلطة ما أدى الى تكون فئات من دواعش الفساد المرتبطة بالمصالح الاستعمارية.
لقد كان هناك ولازال الكثير من الاختيارات بيد الحكومة العراقية كبديل للطلب من الامريكان بالتدخل. فبالإضافة الى الخيار الوطني المتمثل بالحشد الشعبي من خلال تقديم الدعم اللازم المادي والمعنوي له، كان يمكن أيضا طلب المساعدة من الروس بدل الامريكان خاصة وان روسيا أبدت الرغبة في ذلك وان مصلحتها في ذلك، ليتكامل مع مساعدتها في محاربة داعش في سوريا.
لقد كان ولازال واضحا لكل المراقبين الموضوعيين الدور الحاسم للحشد الشعبي وفي القلب منه فصائل المقاومة التي قامت بدور حاسم في كسر شوكة هجوم داعش على بغداد. ورغم الهجوم الإعلامي الشرس على الحشد تطورت عمليات الحشد الشعبي بتحرير المدن والقرى العراقية من براثن داعش حتى تم الوصول الى منتهيات عمليات تحرير الموصل والوصول الى قطع الطريق على داعش في التواصل بين سوريا والعراق. ولم يقتصر هذا الهجوم الإعلامي على الحشد، على ما تقوم به دواعش السياسة فقط، حيث قامت القوات الأمريكية بدورها باستهداف قوات الحشد بشكل مباشر للحد من دورهم واخضاعهم للإرادة الأمريكية. وقد أدت هذه الهجمات الى سقوط العديد من شهداء الحشد الشعبي. ولم تستطع الهجمات الإعلامية منها او العسكرية ان تنال من معنويات الحشد ولا من اندفاعه بثبات لأجل دحر داعش والمخطط المرسوم الذي وجدت داعش من اجله. ولم يوفر الاعلام الرجعي العربي من صحافه وقنوات تلفزيونيه أي جهد لشيطنة الحشد. وقد وصلت هستيرية معاداة الحشد الشعبي الى حد التدخل السافر لممثلي حكومات أدوات التدخل الانكلو-امريكي مثل التصريحات الفجة للسفير السعودي في العراق عدا تصريحات وزراء خارجية السعودية والامارات وتركيا. وقد وجدت هذه التصريحات انعكاساتها على لسان الكثير من دواعش السياسة في العراق من قيادات سنيه وشيعيه. ولم يتوانى ممثلي دواعش السياسة من التداعي الى المؤتمرات الدورية تلبيه لإرادات الدول الداعمة لداعش واخواتها وإطلاق التصريحات المتناغمة مع المخططات الانكلو-أمريكية…
مرة ثانيه، لازالت بغال الدواعش العسكريه-السياسيه تُستخدم كأدوات بيد الإدارة انكلو-امريكيه لأنهاك الشعب العراقي كاستمرار للحصار الاقتصادي على الشعب العراقي. ان المخطط الانكلو-الأمريكي لتقسيم العراق كجزء من مخطط تقسيم المنطقه، يأخذ خطوات عمليه حثيثة، كل هذا يجري بالتوافق مع مخطط بيع العراق من خلال الخصخصة والارتهان للبنك الدولي.
أصبح من المؤكد الآن وجود هذا المخطط الاستعماري الرامي لتقسيم المنطقة وليس هذا من بنان أفكار نظرية المؤامرة. وتظهر طبيعة التدخلات الإرهابية في سوريا، العراق، ليبيا واليمن، الديناميكية التي يمتاز بها المخطط الانكلو-امريكي في التعامل مع متغيرات الاحداث خاصة عندما ينحسر الهجوم الإرهابي في بعض الجبهات ووجود عدد من السيناريوهات لتلافي احباط مخططاتهم.
ان رأس الحربة في هذا المخطط هو إيجاد منطقه عازله تشمل غرب العراق وشرق سوريا يهدف لكسر ظهر محور المقاومة. ان الانتصارات التي تم تحقيقها من قبل الجيش العراقي والقوات الأمنية الأخرى في جبهات الموصل بالإضافة الى انتصارات الحشد الشعبي في ميادين غرب نينوى وجنوبها، ساهمت بالإضافة الى عمليات الجيش السوري والقوات الحليفة له على الجانب الغربي من الفرات، في ان تقلل من حظوظ نجاح هذا المخطط. لقد حدثت هذه الانتصارات والتقدم الملحوظ لعمليات الحشد الشعبي لقطع الطريق على التواصل بين مجموعات الدواعش على جانبي الحدود العراقية السورية ومصادر التمويل، رغم الضغوط الكبيرة التي تمارسها الإدارة على الحكومة العراقية للتأثير على سير العمليات العسكرية واستخدام الفيتو ضد مشاركة الحشد الشعبي، بالتناغم مع الحكومة التركية التي هددت بالتدخل العسكري.
تبين الاخبار هذه الايام التقدم السريع والملحوظ لعمليات الحشد الشعبي باتجاه الحدود العراقية السورية لتحرير القيروان والتصريح بنية الحشد السيطرة على الحدود ومنع القوات الأمريكية من ذلك. هذا الامر أدى بالمخطط الأمريكي الصهيوني الرجعي ان يسرع من الخطوات العملية لقطع الطريق على التقاء الجيش السورية وحلفائه مع الجيش العراقي والحشد الشعبي. ومن هذه الخطوات العملية ازدياد عديد القوات الأمريكية وازدياد القواعد الأمريكية في غرب وشمال العراق مع تصريحات بضرورة ان يكون هنالك دور للناتو لما بعد داعش، تلزيم المسؤولية الأمنية على الطرق السريعة الى مرتزقه العدوان الأمريكي من الشركات الأمنية، استخدام الأراضي العراقية لنقل قوات أمريكية الى شمال سوريا، تحشيد قوات أمريكية وبريطانية وغيرها في الأردن قرب الحدود مع سوريا بالإضافة الى إيجاد قواعد في جنوب الباديه السورية وتدريب مرتزقه بحجة محاربة داعش.
ولا يمكن عدم رؤية العناصر الرئيسية في هذا التحالف الكريه والهادف الى تقسيم المنطقة. فإضافة الى أمريكا وحلفائها الغربيين هنالك الدول الرجعية في المنطقة بالإضافة الى إسرائيل التي تلعب الدور المحوري في ذلك. ولا يخفى على أحد السعي المحموم ألآن لإيجاد ما يسمى (الناتو العربي).
وعلى الجانب الآخر فان التحالف الوحيد القادر على دحر هذا العدوان هو التحاف الذي يشمل سوريا وإيران والمقاومة بجميع مفاصله والمدعوم حاليا من قبل روسيا الاتحادية. ان العراق لن يجد مكانه خارج هذا التحالف رغم الممانعات المختلفة من داخل الحكومة او من تلك القوى المرتبطة بالمخطط السعودي التركي الاماراتي.
ان الحشد الشعبي بجميع الفصائل المنضوية تحت لوائه يلعب وسيلعب دور مهم وفعال ضمن الحلف المقاوم لدحر العدوان الصهيو-امريكي الرامي لتمزيق المنطقة.
من الغريب والملفت للنظر انه وامام هذا المشهد المفترض انه واضح لجميع المعنيين بالقضية الوطنية والقومية والإنسانية عموما، نشاهد تصاعد الهجمات الإعلامية بشكل مباشر او غير مباشر، على الحشد الشعبي من استغلال احداث اجراميه شملت خطف واعتداءات لم تثبت فيها مسؤولية الجناة، ليتم القفز الى الحكم بشكل مباشر بمسؤولية فصيل او أكثر من فصائل الحشد الشعبي. يجب ان لا يغيب عن البال بوجود إمكانيات أمنيه تريد النيل من الحشد بافتعال احداث يمكن توجيه الاتهام الى الحشد من خلالها.
انا لا ازعم هنا عدم وجود خروقات ضمن فصائل الحشد او عدم امكانيه ان تحدث تجاوزات من قبل افراد، فهذه الأشياء تعاني منها جميع المنظمات والحركات السياسية مهما كان نبل أهدافها او تضحياتها. انا افهم مسارعة القوى المرتبطة بمشاريع السعودية القطرية الإمارتية لالتقاط هذه الاحداث لتشن هجومها تحت مختلف الشعارات للتشهير بالحشد، والغرض هو حله، والغرض تقسيم العراق. ما لا افهمه حقا هو ان يسارع بعض المتصديين للتحليل السياسي من الذين لا شك في وطينتهم، ان يسارعوا في تأييد وتأكيد هذه الاتهامات وإطلاق تسميات على هذه الفصائل لتسهم في محاولات الحط من وطنيه الفصائل والحشد عموما.
هنالك الكثير من المساهمات الكتابية من ماركسيين، وطنيين على صفحات التواصل الاجتماعي والتي ساهمت في القاء الضوء وفضح المخطط الانكلو-امريكي في العراق والمنطقة. ولكن ورغم أهمية هذه الاعمال لكنها لم تتحول الى فعل منظم له تأثيره الجماهيري القادر على خلق تيار جماهيري ممانع ومقاوم لهذا المخطط الجهنمي.
وانا ادعو البقية الباقية المتمسكة والقابضين على ارث (فهد -سلام عادل) كالقابضين على جمر الحقيقة الوطنية المتمسكين بشعار (وطن حر وشعب سعيد) …كونوا ظهير الحشد الشعبي، فقضية الحشد الشعبي هي قضيتنا الوطنية. الحشد هو القوة الفاعلة الوحيدة على الأرض الواقفة بعناد لكسر ظهر المخطط الانكلو-امريكي الوحشي للقضاء على العراق كوطن لكل العراقيين…..
فماذا نحن فاعلون؟
2020-04-25