تكريمًا لشُهدائنا….
مائوية الثائر الإفريقي أميلكار كابرال 12 أيلول/سبتمبر 1924 واغْتِيل يوم 20 كانون الثاني/يناير 1973!
الطاهر المعز
يُصادف يوم 12 أيلول الذّكرى المائوية لميلاد أميلكار كابرال، أحد رموز الثورة الأفريقية والنضال ضد الإستعمار البرتغالي الذي كان يحتل بلاده غينيا بيساو، وهو مُهندس زراعي ساهم بِبُحوثه العلمية في مساعدة صغار الفلاحين على تكييف عملهم وفق طبيعة الأرض والمناخ واحتياجات السّكّان…
لما كان طالبًا يدرس الهندسة الزراعية في لشبونة، عاصمة البرتغال، حتى عام 1952، التقى بطلاب المستعمرات وساهم معهم في النضال من أجل استقلال البلدان الناطقة بالبرتغالية وغرب وجنوب أفريقيا، مثل أغوستينو نيتو من أتغولا ، وإدواردو موندلين من موزمبيق، وأنشأوا معًا مركز الدراسات الأفريقية لتعزيز ثقافة الشعوب السوداء المستعمرة، بالتعاون مع الحزب الشيوعي البرتغالي المَحْظُور، قبل تأسيس حركات التحرير المناهضة للاستعمار في بلدانهم، وأسس أميلكار كابرال، سنة 1954، منظمة سياسية قومية في بيساو تحت غطاء الأنشطة الثقافية والرياضية، تم منع نشاطها من قِبَل الإستعمار البرتغالي وتم طرد كابرال من بلده نحو أنغولا – وهي مستعمرة برتغالية كذلك – حيث يقود بعثات للشركات الزراعية، وسمح له عمله في مجال التحقيقات والدراسات عن الفلاحين في ظل الاستعمار بتطوير تحليله للمجتمع الاستعماري الأفريقي، ثم سمح له الإستعمار سنة 1956 بزيارة بلاده مرة واحدة كل سنة، واغتنم الفرصة لتأسيس الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا وجزر الرأس الأخضر سرًا، وتم تعيينه أمينًا عامًا، وقرّر الحزب خَوْض الكفاح المُسلّح إثر المذبحة الاستعمارية لإضراب عمال الرصيف سنة 1959، لكن لم يبدأ القتال الفعلي سوى سنة 1963، بعدما حصل على دعم غينيا كوناكري وبعض أطراف المعارضة في السينغال، وخصوصًا في منطقة كازامنس، جنوب السينغال التي يسكنها أبناء عمومة سكان غينيا بيساو، وأدّى التّحضير الجَيّد للكفاح المُسلّح إلى سيطرة الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر بسرعة على نحو 50% من الأراضي سنة 1966 ونحو 70% سنة 1968 وأنشأ مؤسسات لإدارة شؤون المناطق المحررة، مع الإلتزام بوقد شرح كابرال خصائصها على النحو التالي: ” ممارسة الديمقراطية والنقد والنقد الذاتي، والمشاركة المتزايدة للسكان في إدارة حياتهم، ومحو الأمية، وإنشاء المدارس والخدمات الصحية، وتدريب المديرين التنفيذيين من خلفيات الفلاحين والعمال”، وفق أميلكار كابرال، الذي يعتبر “النضال من أجل التحرير ليس مجرد حقيقة ثقافية، بل هو عامل ثقافي أيضًا”، ونشر كابرال عدة دراسات تُحَلِّلُ الواقع الوطني والتناقضات في المجتمعات المحلية (غينيا بيساو والرأس الأخضر) وشارك سنة 1961، بالقاهرة في المؤتمر الثالث للشعوب الأفريقية، مُمثلاً عن حركات التحرر في البلدان التي تستعمرها البرتغال.
اهتم أميلكار كابرال بدراسة القوميات والطبقات الاجتماعية مُعْتَبِرًا “إن الناس لا يقاتلون من أجل المثل العليا أو من أجل ما لا يهمهم بشكل مباشر، بل يُناضلون من أجل أشياء ملموسة ومن أجل ظروف معيشية أفضل لهم ولأبنائهم، والعيش في سلام، لأن شعارات الحرية والأخوة والمساواة هي كلمات فارغة إذا كانت لا تعني تحسنا حقيقيا في حياة الناس الذين يقاتلون”، وعمومًا اشتهر أميلكار كابرال ( غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر) و أغوستينو نتو ( أنغولا) وسامورا ماشال (موزمبيق) بالجَمْع بين النضال الأيديولوجي والسياسي العسكري، فضلا عن النضال الدبلوماسي للحصول على الاعتراف الدّولي بحق بلدانهم وحركاتهم السياسية وشعوبهم في النضال ضد الإستعمار من أجل، واعترفت الأمم المتحدة سنة 1972 بالحزب الأفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر باعتباره “الممثل الحقيقي والشرعي لشعبي غينيا والرأس الأخضر”، وكان كابرال أيضًا “السفير والمتحدث الرسمي” لحركات التحرر الوطني للمستعمرات البرتغالية، في المؤتمرات الإفريقية والدّولية، وقدّم في كوبا في السادس من كانون الثاني/ يناير 1966 ( خلال مؤتمر القارات الثلاث) نظريته الثورية حول “ملازمة التحرر الوطني للتحرر الاجتماعي الأفريقي، حتى لا يتم استغلال الشعوب من قبل المستعمرين الأوروبيين ذوي البشرة البيضاء، ولا حتى من قبل السود”.
تمكّن الإستعمار البرتغالي من شراء ذمم بعض أطراف الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر، وخلق انشقاقًا وزَوّد المنشقين بالمال والسلاح لمحاربة إخوانهم ورفاقهم السابقين، واغتال هؤلاء العُملاء أميلكار كابرال يوم 20 كانون الثاني/يناير 1973 في كوناكري ( عاصمة غينيا المُجاورة)، قبل إعلان الإستقلال يوم العاشر من أيلول/سبتمبر 1974 وولادة دولة غينيا بيساو والرأس الأخضر.
2024-09-20