مأزق أوروبا الأمريكي: ماذا يريد ترامب من حلفائه؟
في أحد المهرجانات التي أقامها بعد تنصيبه رئيسًا، قال ترامب إن أحد مناصريه طالبه بألّا يوقع الكثير من الأوامر التنفيذية في اليوم الأوّل له في الحكم وأن يستمر في توقيعها على مدى فترة زمنية طويلة، لأن أنصاره يحبون هذا المشهد. لكن ترامب قال لذلك المناصر ألّا يقلق، فهنالك الكثير من الأوامر التنفيذية القادمة في الطريق. وفعلًا، أصدر تصريحات وأوامر تنفيذية تكاد لا تعدّ، ومارسَ هوايته المفضّلة فظلّ حاضرًا في الإعلام ليل نهار، الأمر الذي يتطلب من المهتمين تخصيص وقت يوميّ لمتابعة مستجدّاته.
هذه القرارات، وإن كان الكثير منها لن ينفذ، بحكم لا واقعيتها وعدم قدرة الولايات المتحدة على تنفيذها، إلّا أنها تحدث إرباكًا عامًا لدى الحلفاء والخصوم على حد سواء، فلا يعرفون بالضبط أيٌ من هذه القرارات والتصريحات للاستهلاك الإعلامي وأيّها سيسعى ترامب لتنفيذه حقًا، بعيدًا عن قدرته على تنفيذها، والأهم كيف يمكن التعامل معها.
خلال الأسبوع الفائت، ترجمنا مقابلات ومقالات تُبرِز بعض آثار تلك القرارات، وتحلل مدى قدرته وقدرة الولايات المتحدة على تنفيذها، وكيفية تعاطي الفاعلين المختلفين معها، وركزنا هنا على مسألتين، الأولى حول الحل السحري الذي يخرجه ترامب من جيبه كلما حدّثه أحدهم عن وضع الاقتصاد الأمريكي، وهو الرسوم الجمركية التي وسّع ترامب دائرة المستهدفين بها لتشمل أقربَ حلفاء الولايات المتحدة؛ كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي، بعد أن كان الهدف الأول منها هي الصين. أمّا المسألة الثانية فكانت الحرب في أوكرانيا، والتي كان ترامب قد صرّح مرارًا أنها ما كانت لتقع لو كان هو رئيسًا للولايات المتحدة عام 2022، إذ صدم مجددًا حلفاءه في أوروبا وأوكرانيا بحديثه مع الرئيس الروسي واستبعاده أوكرانيا وأوروبا من ورائها من أيّ محادثات قريبة حول الحرب.
الرابحون والخاسرون من الحرب الجمركية الأمريكية
ما الذي يريده ترامب حقًا من فرض رسوم جمركية قدرها 25٪ على المكسيك وكندا، والتهديد برسوم أخرى على الاتحاد الأوروبي؟ هل يتوقع لهذا الأمر أن ينجح حقًا، أم أنّه مجرّد تكتيك ابتزازي يمارسه رئيس الولايات المتحدة بغرض دفع تلك الدول لتقديم عروض بديلة هي في الأصل ما كان يريده؟
في برنامجه الانتخابي، لطالما تحدث ترامب عن نيته إعادة الصناعة إلى الولايات المتحدة، ولهذا الغرض تحدث عن فرض الرسوم الجمركية حتى على حلفاء بلاده المقرّبين، لكن ما يشير إليه أستاذا الاقتصاد راديكا ديساي ومايكل هدسون في هذا الحوار هو أن هذا الهدف يحتاج إلى استراتيجية اقتصادية وصناعية، وهي ما لا يمتلكه ترامب، والأهم من ذلك ربما، أن تلك الاستراتيجية الصناعية الأكبر تتطلّب أن «تسيطر الدولة على رأس المال. ولكن في الولايات المتحدة، يسيطر رأس المال على الدولة».
مسألة أخرى يشير إليها الحوار وهي أن ترامب يتصرّف وكأن باقي دول العالم لا تمتلك بدائل عن الولايات المتحدة، ولكن الحقيقة مختلفة، وهي قادرة على الإضرار بمصالح الولايات المتحدة بشكل كبير، فكيف يمكن أن يحصل هذا؟
أوروبا وأوهامها الأوكرانية
يناقش توماس فازي في هذا المقال حالة الرعب التي سادت دول الاتحاد الأوروبي بعد قرار ترامب وقف المساعدات لأوكرانيا، وإن كانت هذه الدول قادرة على تعويض السلاح الذي كانت الولايات المتحدة توفّره، لكن الأهم الذي يقدمه المقال هو عرض الأسباب التي تدفع قادة أوروبيين لرفض فكرة التفاوض مع موسكو والوصول إلى سلام معها في أوكرانيا، بينها أن هذا السلام سيعني فشلًا لاستراتيجيتهم على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي، وكذلك لأسباب نفسية لديهم، لا ترى أوروبا إلّا في حالة من التبعية للولايات المتحدة.
ما بعد الخضوع لواشنطن: خيارات أوروبا المستحيلة لاستعادة مكانتها
وعلى ذكر التبعية، يناقش الدبلوماسي السنغافوري السابق كيشور مهبوباني مجموعة من الحلول التي يمكن للأوروبيين بحثها واللجوء إليها هربًا من المستقبل غير المبشّر الذي يعدهم به ترامب، تتوزّع ما بين ممارسة الضغط على ترامب من خلال التهديد بالانسحاب من حلف الناتو، وهو تهديد سيجبر ترامب على التعامل مع القارّة باحترام لا يبديه لهم اليوم أبدًا، أو عقد صفقة مع روسيا تضمن تحقيق المصالح الأساسية لكلٍ من الطرفين. أما الخيار الثالث فهو الاستدارة نحو الصين، والوصول إلى اتفاق استراتيجي معها، فهل يمكن للاتحاد الأوروبي اللجوء حقًا لهذه الخيارات التي يصفها بالمستحيلة؟
حبر
2025-04-11