لماذا غاب الأردن عن الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
جمال الطاهات
في الخطاب الذي ألقاه المستبد الفاسد في الأمم المتحدة يوم 19 أيلول 2023، غاب الشعب الأردني عن الخطاب ولم تتم الإشارة له إطلاقاً، ولم يحضر الأردن كدولة وأرض إلا بصفته “دولة مضيفة” للاجئين، وبالذات اللاجئين السورين لتبرير طلب المزيد من الأموال لإشباع شهواته وشهوات عائلته. حيث أخذ موضوع اللاجئين بشكل عام أول دقيقتين و 19 ثانية، بعبارات عاطفية لا معنى لها، ثم انتقل للحديث عن اللاجئين السورين حتى الدقيقة السادسة و30 ثانية من وقت الخطاب البالغ 11 دقيقة و53 ثانية. ثم تحدث المستبد الفاسد عن القضية الفلسطينية بشكل عام حتى الدقيقة 10 و50 ثانية من وقت الخطاب، وفي الدقيقة الأخيرة أشار إلى مجمل الوضع العالمي بحديث مرسل لا معنى له.
لا أحد يعترض على استقبال الأردن للأخوة السورين، فهذا واجب تمليه الجغرافيا والدين والثقافة والمصلحة الوطنية أيضاً، إضافة لكونه التزام أردني تجاه العالم، لا اعتراض عليه. كما أن دعم الأشقاء الفلسطينيين حتى ينالوا حقوقهم المشروعة التزام راسخ تمليه أيضاً حقائق الجغرافيا، والموقف الأخلاقي. ولكن أين الأردن؟ هل يعقل أن يغيب الأردن عن خطاب من يدعي انه يمثل الأردن؟ وهل يعقل أن يحضر العالم كله ويغيب الأردن؟ هل يعقل أن يحضر لاجئي العالم كلهم في خطاب الأردن، ويغيب الشعب الأردني وأبناؤه “المشتتين” في كل بقاع العالم، يبحثون عن فرص عيش لم يجدوها في بلدهم الذي نُهبت موارده من مستبد فاسد وعائلته؟ كيف ينسجم خطاب التعاطف مع اللاجئين والمهاجرين والأردن من أكثر دول العالم تصديراً للمهاجرين، وتصل نسبتهم إلى ربع الأردنيين الذين تركوا الأردن بحثاً عن فرص عيش خارج وطنهم؟
خطاب المستبد الفاسد الأخير في الأمم المتحدة يؤكد على أنه لا يرى الأردن وطناً له أو لعائلته، ولا يرى في نفسه ممثلاً للشعب الأردني يحمل همومه ومشاكله للعالم ويسعى لتمكينه من نيل حقوقه، بل هو يرى نفسه “مالكاً” لدولة يتصرف بها كما يشاء. وحين يمنحه الأردن الفرصة ليكون على منصة العالم، فإنه يتحدث بهموم العالم ولا يتحدث بهموم الشعب الأردني. وهذا الفهم ناتج عن حقيقة تاريخية واضحة بأنه وعائلته حكموا الأردن رغماً عن إرادة الشعب الأردني، وأنهم يعتقدون بأن بقاءهم في الحكم لا يعتمد على رضى الشعب أو قبوله لهم.
وما يفسر غياب الأردن وقضاياه وغياب الشعب الأردني عن خطاب الأردن في الأمم المتحدة، هو أن المستبد الفاسد وعائلته حكموا، وما زالوا يحكمون الأردن استناداً لقوة خارجية مكنتهم من قهر الشعب ونهب ثرواته. وهم يعتقدون بأن المهم لهم حتى يستمروا في حكم هذا الشعب هو رضى الذي مكنهم ودعمهم (وما زال يدعمهم) ليحكموا الأردن، وعليه فإن رضى الشعب أو عدمه لا معنى ولا قيمة له ضمن الصيغة التي مكنتهم من حكم الأردن. فحيث أنهم يحكمون الشعب استناداً لدعم خارجي، فإن ما يبقيهم في الحكم هو استمرار هذا الدعم وليس رضى الشعب وقبوله لهم.
إن أهم عنوان لاسترداد الشعب لدولته سلطة وموارد، هو أن يقرر من يمثله ومن يتحدث باسمه أمام العالم. وهذا يعني تحرير السياسة الخارجية للدولة الأردنية والسيطرة عليها من خلال حكومة منتخبة تحاسب أمام الشعب. فلو كان وزير الخارجية منتخب من الشعب ما كان له أن يقبل بأن يُلقى مثل هذا الخطاب باسم الأردن أمام العالم. وحضور الأردن وقضاياه في خطاب الأردن حق للشعب، تم تبديده بمعادلة دستورية مختلة فرضها المستبد الفاسد وعائلته، ولا يمكن أن تتغير هذه المعادلة بالأماني والعرائض والمطالبات، فلا بد مما ليس منه بد.
أخيراً، حتى يصبح رضى الشعب مطلب للحاكم، لا بد من ان يكون لغضب الشعب وعدم رضاه قيمة. فما دام رضى الشعب وغضبه “مثل بعضهم”، من سيهتم برضى الأردنيين؟ والمستبد الفاسد مقتنع بأنه ما دام يمكنه الحكم بغض النظر عن رضى الناس، فلن يكون معني برضاهم.
2023-09-23