لقطاء الكولونيالية!
بقلم: عبد العزيز تويقر
مقصِّرٌ وقاصر النظر من لا يقرأ الحملة الشرسة التي يقودها اليمين المتطرف ضد الجزائر خارج سياق الأطروحات الفلسفية للاستعمار الجديد، والتي ازدهرت وانتعشت بعد موجة التحرر التي قادتها الشعوب المقهورة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ومكّنتها من زحزحة أدوات الفكر الاستعماري التي جسّدها البرتغاليون سنة 1415، ودفعه نحو التقوقع والانحسار.
موجات التحرر التي أعادت الأوروبيين خاصة إلى حدود بلادهم الأصلية، دفعت الفكر الغربي إلى محاولة الالتفاف على الهزيمة المذلة، عبر استبدال السيطرة العسكرية المباشرة، بأخرى سياسية وثقافية تجعل تلك البلدان في نسق استعماري أقل كلفة بالنسبة للغربيين عموما ولكنه أكثر منفعة.
ولفهم هذا المسعى الفكري والفلسفي، يمكن تتبّع مسار اليمين المتطرف في فرنسا في تعامله مع الهزيمة المذلة التي لحقت به في الجزائر وإفريقيا خصوصا، باعتباره وريث سرديات الكلونيالية، فقد سعى هذا اليمين إلى خلق الأزمات، منذ اللحظة الأولى لهزيمة فرنسا، بداية بتأسيس “المنظمة الخاصة” الإرهابية، وانتقالا إلى تنويع الأساليب العنصرية في التعامل مع المهاجرين، وصولا إلى استفزاز الذاكرة التاريخية الملطخة بجرائم الإبادة والقتل والتشريد وانتهاك الأعراض والاستيلاء على الممتلكات بالقوة عبر تصريحات رموزه من سلالة آل “لوبان”. تلك الاستفزازات لم تكن قد تهيأت لها البيئة المناسبة في وقت سابق للبروز والظهور، بفعل سيطرة التيارات الاشتراكية على الحكم في فرنسا والتي كانت أقل عدائية تجاه الجزائر، غير أن الانتقال الذي حصل في العقدين الأخيرين والذي شهد تحالفا واسعا وغير مسبوق بين التيارات الصهيونية واليمينية في فرنسا، مكّنها من التحكم في أدوات أكثر قوة ومنابر ومنصات سُخِّرت للهجوم الواسع على الجزائر باعتبارها دولة محورية في مواجهة هذا التيار وكل من يمثل الفلسفة والعقيدة الاستعمارية، لاسيما بعد الهزيمة الثانية للاستعمار الفرنسي في إفريقيا، الذي نشهد إرهاصاته في السنتين الأخيرتين عبر الطرد المذلّ له من مالي والنيجر والسنغال والتشاد والكونغو…
تحكُم اليمين المتطرّف في أدوات توجيه الرأي العامّ الفرنسي من إعلام ومؤسسات وحكومة، سهَّل له استحضار “حادثة المروحة” في محاولته الهجوم على الجزائر عبر تبني “قضية صنصال” التي كشفت أولُ خيوطها عن مخطط واضح، ومسار مرسوم يمثله الهجوم التصاعدي على الجزائر، انطلق عبر وزير الداخلية روتايو وبعض العنصريين من أمثال موسى درمانان الذي يجب فهم تصرّفاته وفقا لعقدة “الحركي” ووصولا إلى ابنة السفاح جون ماري لوبان التي ورثت منه جينات الإجرام والعنصرية، وكان من الحكمة تطبيق نظرية لومبروزو عليها، قبل أن يستفحل خطرها الإجرامي.
هذا الهجوم المركَّز والتصاعدي الذي هيَّأت له الصهيونية الفرنسية قاعدة إعلامية ضخمة، سينكسر على صخرة الإرادة التي تتكئ على عقيدة التخلص من رواسب الاستعمار، من خلال القرار السياسي الوطني المستقل، وتطوير البني التحتية، وتنويع مصادر القوة الاقتصادية، وتنقية الإرث الثقافي، من شوائب المرحلة الاستعمارية، والأهم من ذلك بناء الدولة العصية والندية.
لم يهضم التيار اليميني الفرنسي وبعض نفاياته في الجزائر بعد، أن البلد يتحكم في مصيره الآن وفق المبادئ التي استُشهد من أجلها ملايين الشهداء، وأن الأزمة التي سعى هذا التيار إلى خلقها منذ فترة، لا يمكن أن تكون إلا بداية لمراجعة شاملة للعلاقات الجزائرية الفرنسية التي أبانت عن مدى قدرة الحكومة الجزائرية على التعامل مع السُّعار الفرنسي، بتفكير الطبيب البيطري الذي لا يملك غير المصل والإبرة لحقن الدواء مع بعض الوخز لمنع انتشار ذلك السُّعار إلى غيرها في إفريقيا.
لقد خسرت فرنسا معركة اقتصادية فارقة في 1971 مع الجزائر، وفقدت بعنجهيتها أهمَّ مورد طاقوي آمن في المحيط المتوسطي، بعد أن قامت الجزائر بتأميم المحروقات، وها هي تخسر الآن كل الأسواق الجزائرية بعد أن تمكّنت هذه الأخيرة من “تحقيق الاكتفاء الذاتي في مصادر الغذاء، وتنويع شراكاتها الاقتصادية مع الخارج، وخسرت معها آخر عنقود لها في إفريقيا”. وهذا للأمانة قول المؤرخ الفرنسي بنيامين سطورا في آخر ظهور إعلامي له.
2025-02-04