لقد خدعكم التاريخ ف(المانيا والعدو الإسرائيلي) بينهما زواج عُرفي!

رنا علوان
ليس منا من لم يسمع بقصة المحرقة اليهودية [ الشهيرة بالهولوكوست ] لكن الوثائق التاريخية أظهرت زيفها وعلى لسان اليهود انفسهم ، كما أبرزت هذه الوثائق أن قرار تأسيس الدولة الصهيونية يسبق ظهور النازية بعقود عدة ، لا بل أن فكرة العداء الأزلي بين النازية والصهيونية ، تبيّن نقيضها بعد إتفاقية التهجير الشهيرة عام 1933 بين الطرفين ، والمعروفة بإتفاقية “هآفارا او هغفرا ” التي مكّنت عشرات آلاف اليهود الألمان من الهجرة إلى فلسطين مع ثرواتهم
وبما ان الصهيونية أيديولوجية سياسية تدعي تمثيل اليهود والتحدث بإسمهم ، كانت تدعو إلى استعمار فلسطين وإنشاء دولة يهودية منذ عام 1897 ، من خلال نقل يهود أوروبا وثرواتهم إليها
وفي عام 1933 مباشرة بعد وصول هتلر إلى السلطة ، استغلت الصهيونية وصوله كما الاوضاع السائدة ، فدعا النظام النازي إلى تنقية ألمانيا من اليهود Judenreinوقد أدى التماثل والتقاطع بين الأهداف والمصالح الصهيونية والنازية إلى توقيع اتفاقية هافارا في 25/8/1933 بين ألمانيا النازية والاتحاد الصهيوني الألماني ، نيابة عن الوكالة اليهودية في فلسطين (حكومة إسرائيل المستقبلية)، بعد ثلاثة أشهر من المفاوضات مع البنك الأنكلو- فلسطيني الذي أصبح في ما بعد بنك إسرائيل المركزي وبنك ليومي ، والسلطات الاقتصادية في ألمانيا النازية
ويرى بعض المؤرخين ان هآرفا لم تكن الحلقة الوحيدة في التعاون بين الصهاينة والفاشية ، حيث تبعتها اتفاقيات اخرى لكن اقل شهرة مثل ( اتفاقية القدس ) ، التي ابرمت خلال الحرب العالميه الثانيه ، وتحديدًا أواخر عام 1940 بين منظمة “ليحي” الصهيونية ، بوساطة ايطاليا التي كانت بدورها متحالفة مع المانيا النازية
قد تكون السردية الاشهر حول علاقة المانيا النازية بقيادة ادولف هتلر باليهود التي انتهت بالهلوكوست ، الا ان هذا لم يكن سوى ما سعى له اللوبي الصهيوني والترويج اليه [ منددين بمعاداة السامية ] وما تعرضوا له من ظلم واضطهاد عبر العصور
فالصهيونية دائمًا ما كانت تبني مظلوميتها على إظهار ما ذاقه اليهود من ويلات على يد النازيين ، والتذكير بمحرقة الهولوكوست التي اتخذوها كشماعة لتعليق اهدافهم عليها ، لإنه من خلال التدقيق في الوقائع التاريخية يتبين لنا بالأدلة والبراهين ، ان هتلر في واقع الأمر ، سهل قيام المشروع الصهيوني وشارك في وقوع النكبة الفلسطينيّة ، مقابل مكاسب ماديّة
لقد وجد النازيون والصهاينة أرضية مشتركة تجمعهما: هؤلاء أرادوا النهوض الاقتصادي والمكاسب المادية ، وأولئك أرادوا نقلهم إلى فلسطين ، لذلك رأى الرايخ الثالث في هجرة اليهود وسيلة فعالة “لحل المسألة اليهودية”، وكان حريصًا على دفع مواطنيه اليهود لمغادرة ألمانيا “طواعية” إن أمكن
وفي تفاصيل الأحداث انه في آب 1933 ، بعد محادثات جمعت بين مسؤولي الحكومة الألمانية وحاييم أرلوسوروف ، “رئيس الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية في فلسطين” ، والذي كان المفاوض الرئيسي من الجانب الصهيوني ، [ من خلال هذا الترتيب غير العادي ، يقوم كل يهودي متجه إلى فلسطين بإيداع أموال في حساب خاص في ألمانيا ، ثم تستخدم الأموال المتجمعة في الحساب لشراء سلع ألمانية الصنع (مثل الأدوات الزراعية ومواد البناء والمضخات والأسمدة وما إلى ذلك) يتم تصديرها إلى فلسطين وبيعها هناك من قبل شركة مملوكة لليهود في تل أبيب تسمّى “هافارا ليميتد”
ويتم دفع الأموال من بيع البضائع الألمانية إلى المهاجر اليهودي عند وصوله إلى فلسطين بمبلغ يعادل وديعته في ألمانيا
وبهذه الطريقة تدفقت البضائع الألمانية على فلسطين من خلال الصفقة الصهيونية – النازية
هنا نرى كيف خدمت الاتفاقية الهدف الصهيوني لجلب المستوطنين اليهود ورأس المال التنموي إلى فلسطين ، وفي الوقت نفسه خدمت الهدف الألماني المتمثل في فتح سوق اقتصادي لإلمانيا التي كانت تعاني من انهيار كبير
وبقيت الاتفاقية سارية المفعول حتى 3 أيلول 1939 (أي حتى إعلان الحرب على ألمانيا من قبل بريطانيا العظمى)
ونتيجة لاتفاقية “هافارا” هاجر 55 ألف يهودي واستقروا في فلسطين في الفترة 1933-1939
لم تخلُ هذه الأتفاقية من بروز اصوات معارضة لها ، فلقد برز داخل جهات معينة في الحركة الصهيونية ، ولا سيما من القيادة الأميركية للمؤتمر الصهيوني العالمي والكونغرس اليهودي الأميركي الذين كانوا وراء حملة مقاطعة اقتصادية فعالة مناهضة للنازية وللبضائع الألمانية في عام 1933 (لأن هؤلاء كانوا قد بدأوا يرون تقويض جهودهم بسبب الاتفاق الصهيوني – الألماني)
لكنهم فشلوا في إقناع المؤتمر الصهيوني في التاسع عشر في آب 1935 بالتصويت ضد الاتفاقية
وكانت عملية نقل اليهود إلى فلسطين تتم عبر الانتقال أوّلاً إلى أراضي سلوفاكيا ، وهي دولة موالية للرايخ الثالث ، ومن هناك على طول نهر الدانوب إلى البحر الأسود ، عادة على متن قوارب وسفن مستأجرة من “الجمعية الألمانية للملاحة في الدانوب” ، و الجانب الألماني كان يساعد في الحصول على تأشيرات العبور ووثائق السفر
بعد ذلك جاء الدعم الألماني المكثف لإسرائيل منذ بدء نشأتها ، [وكان يُبرر له ، بأن هناك دواعٍ براغماتية جاءت في لحظات تاريخية بالغة الحساسية لبرلين] فبعد انقشاع غبار الحرب العالمية الثانية ، تنازعت قوى الحلفاء على ألمانيا المهزومة وقسّمتها إلى مناطق محتلة] ومع احتدام الحرب الباردة بين الكتلتين الغربية والشرقية ، انقسمت ألمانيا في عام 1949 رسميًا إلى دولتين ألمانيا الغربية (جمهورية ألمانيا الاتحادية رسميًا) الموالية للولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا ، التي تبنَّت النظام الرأسمالي واقتصاد السوق ، وألمانيا الشرقية (جمهورية ألمانيا الديمقراطية) الموالية للسوفييت ، بنظام شيوعي مركزي
وقد استمر هذا الانقسام طويلاً ، حتى سقوط الاتحاد السوفيتي ومعه جدار برلين الفاصل بين الدولتين عام 1990
وفي مطلع الخمسينيات ، حرصت إسرائيل على الضغط بكل ما لديها على قوى الحلفاء ، وأرسلت مذكرات في مارس/آذار 1951 تطالب بعدم نقل السيادة إلى أي حكومة ألمانية قبل دفع تعويضات هائلة عن المحرقة لدولة إسرائيل الناشئة ، قدَّرتها بـ1.5 مليار دولار
وتصاعدت بعض الأصوات المهددة بحرب اقتصادية على “بون” (عاصمة ألمانيا الغربية) ، ما لم تقدم عرضًا سخيًا يُرضي تل أبيب
ومع أن الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا ردت بأنها لا تستطيع أن “تفرض” على ألمانيا الغربية دفع هذه التعويضات ، فقد مارست هذه القوى ضغوطًا عبر جون ماكلوي ، المفوض السامي في ألمانيا ، للتوصل إلى تسوية مُرضية للعدو الإسرائيلي
وقد أسهمت التعويضات الألمانية ، المدفوعة بموجب اتفاقية لوكسمبورغ المبرمة في سبتمبر/أيلول 1952 ، في إنشاء البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد الإسرائيلي على مدار العقدين التاليين
كما لعبت الكفاءات الألمانية دورًا كبيرًا في شتى المجالات ، وعلى رأسها بناء جيش العدو الإسرائيلي ، وأمَّن التواصل المباشر بين جوزيف شتراوس ، وزير دفاع ألمانيا الغربية في النصف الثاني من الخمسينيات ، وشمعون بيريز ، الذي كان يشغل حينها منصب المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية ، شحنات الأسلحة من مخازن الجيش الألماني إلى ايادي العدو الإسرائيلي
وكان اتفاق لوكسمبورغ قد أثار مشكلات لا حصر لها مع الدول العربية ، وفي طليعتها مصر [لذا كان على الدعم العسكري الألماني لإسرائيل أن يظل سِرًّا] ولجأ شتراوس إلى مناورات لإبعاد الشبهات ، إذ تلقت أقسام الشرطة بلاغات عن عمليات “سطو وسرقة” على مخازن الجيش الألماني تذكر فيها الأسلحة والأجهزة المتجهة فعليًا إلى إسرائيل ، أما الطائرات المروحية والمقاتلة فأُزيلت منها أي رموز تشير إلى السيادة الألمانية ، وشُحِنت بالسفن من ميناء مارسيليا في فرنسا [ وقد استخدم العدو الإسرائيلي هذه الأسلحة بكثافة في حرب 1967 ]
وفي حرب أكتوبر 1973 ، كانت ألمانيا الغربية هي الدولة الوحيدة في العالم التي رضخت للمطالب الأميركية بإمداد إسرائيل بالأسلحة والمعدات
إذ أن واشنطن ، كما أوضحت عبر مارتن هيلينبراند السفير الأميركي في بون ، لوَّحت في تلك الأجواء المتوترة بأن تقاعس حلفائها عن دعم إسرائيل سيؤثر على العلاقات الثنائية معها في المستقبل
[ ونتيجة لذلك استجابت الحكومة الألمانية لمطالب الولايات المتحدة بتسليم دبابات ومدافع وذخائر ، وشحنها إلى ميناء بريمن الألماني لتحميلها على السفن الإسرائيلية]
ختامًا ، نجد كيف [بُرر زيف التاريخ وكذب الصهيونية ] بأن اليهود شعب متسامح ومُحب قد عفا عن النازية وما تعرض له من ظلم على يد الأخيرة ، بُغية تليمع صورة هذا الشعب الذي ما هو سوى “مرتزقة” ارادوا أن يكون لهم وطن يجمعهم
اما موقف المانيا اليوم نجد انه إلى جانب الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل ، سرعان ما تحركت ألمانيا بعد ساعات من “طوفان الأقصى” للتضييق الشديد على الفلسطينيين إنسانيا ودبلوماسيا
فقد أعلنت عن تعليق المساعدات للأراضي الفلسطينية ، وعاب شولتز على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس “اختفاءه الغامض” وامتناعه عن شجب “إرهاب حماس”. وأكد شولتز في خطابه أمام البرلمان الألماني أن استئناف المساعدات التنموية سيأتي بعد مراجعتها بحيث تحقق السلام للدولة الإسرائيلية وبالتشاور معها
كما حظرت الحكومة أي أنشطة مرتبطة بحركة حماس وغيرها من الحركات الفلسطينية ، ومن بينها شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين، ووضعتها تحت المراقبة الاستخباراتية
وخرجت نانسي فيزر وزيرة الداخلية ، مؤكدة أن الحكومة سوف تستخدم “جميع السبل القانونية لطرد داعمي حماس”
ولاقت تصريحات فيزر استحسان لارس كلينغايبل ، رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي أحد أحزاب الائتلاف الحاكم ، الذي تحدَّث بوضوح قائلا
“إذا كان الشخص الذي يحتفل بحماس في الشوارع الألمانية لا يحمل الجنسية الألمانية ، فيجب حينئذ طرده من ألمانيا”
ولم تقتصر التصريحات على المقيمين بألمانيا من غير حاملي الجنسية فقط ، بل امتدت لتَوعُّد حامليها والمتقدمين للحصول عليها أيضًا
[ إننا حاليًا بصدد إصلاح قانون الجنسية “التجنيس هو التزام تجاه بلدنا … مَن لا يشاركنا قيمنا … مَن يدعم معاداة السامية والإرهاب … سيُحرَم من الحصول على جواز السفر الألماني ]
[والأمل الوحيد للخروج من دائرة المغضوب عليهم من الدولة الألمانية هو الإعلان الواضح لإدانة “الإرهاب الوحشي من جانب حماس … أتوقع ذلك أيضًا من جميع الروابط المسلمة في ألمانيا”]
ولقد اتسعت هذه الإجراءات لتشمل كل الرموز والشعارات الفلسطينية ، بما في ذلك ارتداء “الكوفية” الفلسطينية فقط
2023-11-30