كيفية امتصاص مستويات البطالة!
أ.م.د حيدر حسين آل طعمة..
لم تبرز في العراق ظاهرة البطالة بمعدلاتها المتفاقمة خلال عقد الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي بسبب ظروف التعبئة العسكرية العامة التي شملت معظم السكان النشطين اقتصادياً، لذا لم تتجاوز معدلاتها 5% حسب إحصاءات عام 1987 ، إلا أن البطالة بعد عام 2003 أخذت تشكل هاجساً مقلقاً للدولة بعد ان تفاقمت معدلاتها وتنوعت اتجاهاتها وتعددت اسبابها بحيث تجاذبت أسباب الماضي مع ظروف الحاضر في دفع معدل البطالة الى الارتفاع ليصل الى 28% حسب مسح التشغيل والبطالة لعام 2003 ).
ويبدو، بدلالة مؤشرات التشغيل والبطالة في العراق، ان تفاعل السياسات المعتمدة مع اوضاع المرحلة الانتقالية لم تنجح في تحقيق نسب تشغيل مقبولة.
وتعد بطالة خريجي مؤسسات التعليم العالي إحدى الإشكاليات الكبرى التي تواجه المنظومة التعليمية في العراق، إذْ لا يتمكن معظم خريجي الجامعات العراقية من الاندماج في الحياة المهنية، مما يؤشر خللا في علاقة الجامعة بمحيطها الاقتصادي والاجتماعي، وانفصالها عن حاجات هذا المحيط. وبالرغم من محاولات وزارة التعليم العالي تعديل وتحديث المناهج بما ينسجم والتطورات الحديثة وسوق العمل الا ان تعدد الحلقات الادارية والبيروقراطية المعقدة حال دون تنفيذ معظم هذه التعديلات وبقيت حبرا على ورق. والانكى من ذلك امتداد هذه الظاهرة إلى خريجي الدراسات العليا في البلد. وقد شكلت نسبة بطالة الخريجين (ممن يحملون شهادة جامعية فما اعلى) 31.6% عام 2012 .
كما يعزى ارتفاع معدلات البطالة، لاسيما بطالة الشباب، الى وجود عدد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والامنية التي تواجه البلد بشكل عام وتؤدي الى تضخيم اعداد البطالة باستمرار. لعل من اهم هذه التحديات تأزم الوضع السياسي والامني في البلد وانعكاسه على معظم القطاعات الاقتصادية، وتسارع معدلات نمو القوة العاملة، وانعدام سياسات تمكين الشباب واخفاق المؤسسات الحكومية المعنية “وزارة العمل والشؤون الاجتماعية”.
ولمكافحة هذه الظاهرة ينبغي على الحكومة تبني برامج متقدمة للتدريب والتأهيل تساهم في تمكين قوة العمل العراقية ورفع مستوى مهارتها بحيث تكون هذه البرامج متجانسة ومتناغمة مع متطلبات سوق العمل العراقية. ولمعالجة الاختلالات الهيكلية في توزيع قوة العمل بين القطاعات السلعية وغير السلعية لابد من اختيار ودعم القطاعات التي تستوعب أعدادا كبيرة من قوة العمل اي استخدام أسلوب إنتاج كثيف العمل وخفيف رأس المال كقطاع البناء والإنشاءات وقطاع الخدمات والذي يساهم مساهمة فعالة في معالجة الوتيرة العالية لمعدلات البطالة. كما ان تحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في الصناعات المتوسطة والصغيرة عبر منح اعفاءات ضريبية وقروض ميسرة وحماية جمركية من السلع الاجنبية المماثلة سيزيد من فرصة نمو قطاعات انتاجية جديدة قادرة على امتصاص الايدي العاملة، خصوصا اذا وفرت الحكومة وهيأة استثمار التسهيلات اللازمة لتحفيز هذه المشروعات عبر منح اراضي واجازات استثمار وتذليل العقبات الادارية والحد من الفساد والبيروقراطية المتفشية في مختلف الحلقات الادارية.
2022-09-22