قوافِلُ العطاء!
مرام مرشد*
حديثٌ لا تكاد الصفحات تكفي للبتِّ فيه، مواقف عظيمة تجلت في نفوسٍ زكية، عظماء باعوا من الرحمن فنجحت البيعة، لأن الميزة المهمة في هؤلاء الرجال هي انطلاقتهم وفق المشروع القرآني، فقد حرص شهيد القرآن على أن تكون الانطلاقة قرآنية، ومن بعده احتذى خيرة الرجال ليلتحقوا بذاك الركب، في إطار إيماني أخلاقي؛ لأن أكثر ما تتعرض له الأمة هو محاربة الوعي والمبدأ، فلا بد أن يكون التحرك واعٍ وجاد.
تتجلى انتصارات هذا الشعب، انتصاراً تلو انتصار وفرحة تلو أخرى، فصرنا نسمع بيان خلفه بيان؛ ليشفي غليل الأمة في أعدائها، فلا نزال نقدم ونضحي، من أجل نصر القضية، رغم ماقد حصل من هجوم مباغت، وقصف، وهدم بكل وحشية، إلا أننا مازلنا ثابتون على نفس المبدأ، لأن هذه الأمة تسير على مبدأ الجهاد والروحية الإيمانية، فبقيت مستمرة في العطاء، لأن ماعلى النفس إلا أن تكبح جماح نفسها، وتطغى على رغبات نفسها بالهدى القرآني، لتبقى على ماهي عليه من وعي شامل في مواجهة العدو، فهاهو شعبنا المقدام اليوم يقدم ويبذل خيرة رجاله لنصرة القضية الفلسطينية، إلى جانب ماقدمه من قوافل العطاء.
يتحرك الجميع تحرك جاد لمواجهة العدو، حتى وإن سبق وقدموا قوافل من الشهداء لم يهنوا، وينكسروا كما يظن البعض، بل ازدادوا انطلاقاً بعدة وجاهزية نفسية وميدانية، فهذه الروحية تسكن كل مجاهد، فهو يظل يعطي ويقدم في سبيل الله إلى أن ينتصر أو يعتلي شهيداً، لم يستغلي بروحه، بل أرخصها فداءً للقضية ولنصرة الدين، فما نراه اليوم من صمتٍ من العدوان على اليمن لم يجعل الناس تتخاذل، بل انطلقوا إلى ماهو أعظم، إلى القضية الأم، و اتجه الجميع لنصرتها.
ما يحدث اليوم من ردٍ مزلزلٍ من اليمن للكيان الإسرائيلي لنصرة فلسطين، كافٍ لإيصال رسائل لكل من تسوّل له نفسه بالاعتداء على اليمن، فما اعتلى شأن اليمن، وما وصلت إلى مانحن فيه اليوم، من عزة وكرامة وتمكين، إلا بفضل مجاهديها الأبطال، وبفضل دماء شهدائها الأقحاح البواسل، وها نحن في هذا الشهر المقدّس نحيي ذكرى استشهاد هؤلاء العظماء، فلم يتخصص لهم أسبوع معين، وفي شهرٍ معين للاحتفاء ولإحياء ذكراهم، إلا لعظمتهم، ولمكانتهم السامية والعالية بين أوساطنا.
شهداءٌ أحياء، اعتلت بهم الأمة، ورفعوا من شأنها، فأصبحت تهابها الأمم؛ لعلوا مكانة رجالها، فما ذُلت أمة قط، رجالها من أهل اليمن، هم من آووا ونصروا واستبسلوا منذ عصر رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين، ومازالوا إلى يومنا هذا، هم من استرخصوا دمائهم الزكية حباً لله، ولدينه، وتاجروا بأرواحهم لبارئها، فنعم البائع، ونعم المشتري، وهنيئاً لذواتهم جِنان الخُلد، بكل مافيها من استضافة، ومكانة، وعلو، وشأنٍ، وجاه، فاللهم إنا نسألك الرضى، وأن ترزقنا مارزقتهم من حبٍ لك ولدينك، آثروه على حب أنفسهم وعلى كل ما يرغِّب لهم البقاء في هذه الدنيا الفانية.
اتحادكاتبات اليمن.
2024-11-29