قراءة في كتاب
نافذة المعموري ومنفى الحمداني.. قراءة في كتاب نقدي!
د. كاظم الموسوي
نافذة في المنفى عنوان كتاب نقدي، لانطولوجيا شعرية، كتبه الناقد ناجح المعموري، والانطولوجيا بعنوان (حلم بلا أعمدة) للشاعر صلاح الحمداني. والكتاب في 190 صفحة من القطع المتوسط، ومن منشورات مؤسسة ابجد للترجمة والنشر، العراق، ومن الصفحة 152 الى نهاية الكتاب تعريف تفصيلي بالناقد والشاعر.
تحت عنوان ناجح المعموري في سطور، (من ص 152)، نشر عنه: قاص، روائي، وباحث في الاسطورة والتوراة، ولد عام 1944/ بابل، اكمل دراسته في الحلة وتخرج بدرجة دبلوم تربية وعين معلما ولأسباب سياسية نقل الى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وتقاعد في 1988/8/31، صدر له ما يقرب من خمسين كتابا، وصدرت عنه عشرة كتب وشارك في الكتابة في كتب نشرت ايضا. وتفاصيل اخرى عن مساهماته وقائمة بالكتّاب الذين نشروا كتابات عن منجزه الثقافي والمعرفي. واضيف له سطرا يعرّفه ناقدا ادبيا وثقافيا معا، متمتعا بقدرة ثقافية وامكانية نقدية في شتى مجالات المعرفة والنصوص الادبية.
ونشر عن الشاعر (من ص 160)، بعنوان: حصاد المنفى، صلاح الحمداني، سيرة مقتضبة والمؤلفات. انه شاعر وكاتب وممثل ومخرج مسرحي فرنسي من أصول عراقية، يكتب بالعربية والفرنسية. كان مناهضا للدكتاتورية وحروبها وهو ضد الحرب الامريكية الانجليزية على العراق، وضد الاحتلال وضد الطائفية.
ولد الحمداني في بغداد، محلة الفضل (العزة)، في الاول من تموز عام 1951، قضى اربعة اعوام في الجيش العراقي في القوات الخاصة (صاعقة مظلي) 1969- 1973. بدأ بكتابة الشعر عندما كان سجينا سياسيا في العراق وهو لم يبلغ من العمر سوى 22 عاما. كان قد ترك العراق لأسباب سياسية، واختار منفاه الفرنسي لتعلقه الكبير بفلسفة وسيرة الفيلسوف والكاتب الفرنسي ألبير كامو، وهو مقيم في فرنسا منذ عام 1975. ويضيف لما سبق عن دراساته وفعالياته وكتاباته، واصداراته لاكثر من سبعين عملا ادبيا موزعة بين الشعر والقصة والسرد، باللغة العربية واخرى مكتوبة باللغة الفرنسية او مترجمة اليها مع الشاعرة ورفيقة حياته إيزابيل لآني.
كتب الشاعر صلاح الحمداني، تقديما للكتاب، الموضوع عنه وعن نصوصه الشعرية، بعنوان: يتيم الثقافة العراقية!، بقلم يتيمها، لخص فيه رأيه في الكتاب والثقافة العراقية و”الاستاذ ناجح المعموري في كتاباته عن انطولوجيا “حلم بلا اعمدة “، الشعرية، التي صدرت لي عن منشورات اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، عام 2022 في بغداد، اراد، ويريد ان ينبهني الى امر بغاية الأهمية، ليس فقط بالنسبة لي، بل لما ابعد وأكبر مني ومن تراكم مواسمي الطويلة التي عبرتها وحيدا في مسيرتي التعليمية والكتابية منذ نصف قرن ونيّف من الزمن، بل يؤكد المعموري فكريا ونظريا بأنني لم اغادر بغداد يوما، مما يشجعني ان اذهب ابعد من ذلك، واضيف انني لم اعد كما كنت يوما يتيم الثقافة العراقية!”.
ابتدأ الناقد المعموري نقده فيما سجله: الاطلاع على ديوان صلاح الحمداني أحد احلامي المحملة بالغصون والتقطت منها الكثير من الثمار التي نعرفها نحن القراء المولعين بالأسطورة اكثر من ولعنا بالشعر. لكني التقطت ما أبحث عنه وانا اصطاد الشعر وافرز ما اريد التنقيب عنه والحفر فيه حتى تتراكم الأساطير التي لا حضور لها في الشعر بشكلٍ واضح ومكشوف، بل هي تتشكل عبر مفردات وملفوظات، تبدو غير مألوفة، بل هي من ابتكارات الحمداني، ويتسع المجاز فيها لحظة تكونات المقاطع المكسوة بالغرابة، وما تثيره من الدهشة والرمزيات التي لا تقوى القراءة على تأطيرها بالمعنى الواحد.
أختصر فيما سبق الشاعر والناقد مضمون الكتاب والاعتراف بقدراتهما في القراءة النقدية وامكانات الابداع لديهما، في الشعر والنقد، وفي سطور الكتاب كشف عنها بما يقدم وما يقرأ بينها. وثمة تماه بين القراءة النقدية والنص الشعري، حتى غلب على عناوين فصول النقد في الكتاب. فتجد فيها عناوين شعرية لنصوص شعرية في تحليل نقدي/ شعري، او موشرات تشي بقدرات الناقد في قراءته الشعرية عبر ما اشار له في غصون الاسطورة وحلمه فيها، وما سطره عنها في صفحات الكتاب، في اطار نصي لنافذة شعرية ولغة منفى.
منذ اول عنوان لاول فصل وضعه الناقد، الأنثى عطر الفردوس ورائحة الطين، قرأ فيه “الاسطورة التي اخترتها عشا لكل ما اختارته الذاكرة واختزنته بكل ما امتلك من طاقة، وتعاملت مع الأسطورة بطريقة مغايرة (ص10)”، متدرجا في ربط النص الشعري الحاضر بخلفية موروث، اسطوري أو متواصل معه. وهو ما وجده الناقد في ما فعله الحمداني، عندما قال: “رأسي مسمر في حائط المنفى/ مثل نافذة تطل على الحلم”. وفي دهشة القراءة وغرائبية الاختيار، من العنوان الى تفكيك النص الشعري وتقشير التصاقه بالاسطورة، او بالواقع الموازي لها، سواء في حلم او تشابك المنفى مع كثير من الالتقاطات ذات العلاقة مع التاريخ الذي خزنته ذاكرة صلاح الحمداني.
واصل الناقد في اختياره العناوين الشعرية لتفكيك نصوص الحمداني، واستثمار مفاتيح النص وخلفيته المشبعة بتاريخ اسطوري او مستند الى ذاكرة محملة بالموروثات التي عاشها أو تابعها في منافيه. “فالنافذة ممتلئة بشحنة مكانية ولها معنى سيميائي. كل نوافذ الجسد توميء الى الأنثى بما يشبه التماثل (ص18)”. وتتدرج عند الشاعر عتبات النصوص، ودائما يوظفها كرمزية المرآة المعلقة وما ينعكس عليها، او كرمزية النخلة وما تحمله كخزان عقائد وطقوس واحتفاءات، وكذلك الام الكبرى وارتباطات بعدد من الرموز ذات البعد العميق الممتد.
وتحت عنوان: اشتهاء النافذة وفيضان الريح، واصل الناقد تسليط الضوء على مفردة النافذة، كجزء من الامكنة المتعددة في البيت وغيره من أماكن الارتياد، وهي اكثر الامكنة تعددا بالمعنى والدلالات، وما يهم هنا هو علاقة المنفى والنافذة التي جعلها رمزا جماليا وروحيا (ص95). ومن متابعاته كرست النافذة التي لم تنعزل عن الذاكرة، أكثر الرمزيات صحبة مع المنفي الذي وجد فيها اكثر الموجودات تعايشا معه على الرغم من سعة المدن في المنفى. وقارنه مع تجارب الشاعر سعدي يوسف ومقاربته لذات الدلالات في النافذة والمنفى، لكن تظل مفردات الحمداني منقادة ولم يفارق المعروف والملتقط بعناية.
قراءة الناقد المعموري لنصوص الشاعر الحمداني متأنية وباعجاب متقابل بالملفوظات الشعرية، كما يسميها، ومحمولاتها الجامعة بين الاسطورة والتراث الحضاري والتاريخ العام والشخصي، واعادتها الى أسئلة الشاعر وتوظيفه محكيات تغيب اثناء الكتابة الشعرية. وحين يتوقف عند اي نص يتعمق في صياغاته واحساس الشاعر فيه، حيث كتب مثلا في نص اخير، “النص مشبع بمفردات متوترة، غاضبة، لينة، تستحضر الغائب، لا تنساه الذاكرة، والوجع القاسي لان استحالة مكان جديد ان يكون بديلا لمكان قديم، لكن صلاح الحمداني يحاول استرضاء ذاته بالمنفى (ص150).
نقد المعموري لنصوص شعرية للحمداني جهد ثقافي متميز قدم قراءة تحليلية لملفوظات النص، لغته الشعرية، جماليتها الفنية، وتوظيفه الفني لعدد من العتبات الاساسية، رموزا او سرديات، كما كتبها، لاسيما النافذة، والام، والوطن، والمنفى، والحب والمرأة، وغيرها، وصولا الى ان الناقد اشاد في القول عن نجاح الشاعر وقدراته في التقاط ما يريد او يحلم به من صورة تكون لائقة للشعر، عبر بوحه وموهبته، وراصدا امكانات مميزة، معبرة ضمنيا عن كتاب مشترك للنقد والشعر.
2024-11-30