رحلة الى الشرق والكريات الزجاجية (الأخوية الغامضة):
لا أحد ولا أدب يحيط به الغموض كما الألماني هيرمان هيسه (1875-1962) وأعماله الروائية: سدهارتا 1922 – ذئب السهوب 1927 – الرحلة إلى الشرق 1932، والأستاذ لودي والكريات الزجاجية 1943.
فبقدر ما يقدم هيسه نفسه كرائد من أبناء عصره، بقدر ما يأخذه الغموض بين (إغواء الأخويات) وبين التعاطف معها، ويقول هو نفسه أكثر من مرة: لا يدري إن كان في عالم الحقيقة أم عوالم أخرى.
أيضاً إذا اتفقنا أن لعبة البحث عن دفائن أو لفائف أو كأس مقدسة أو كنز ما هي الناظم الأساسي لموجة الأخويات الروائية، سواء اتخذ البحث طريق الحج والقديسين نحو دفائن أو مخطوطات موهومة، أو كان تعبيراً رمزياً ينتهي بالكشف عن مخبوء داخل النفس البشرية، فلكل كنزه الداخلي، فإن هيرمان هيسه هو المؤسس الأول لها.
ويضاف لذلك الحضور أو الاستحضار الخاص لفنانين وكتّاب وتشكيليين معروفين في مجمل هذه الروايات، كما في روايات هيسه نفسه التي احتفت بشخصيات مثل موزارت وكلينغسور وبول كلي بل إنه في سدهارتا كما في (الرحلة إلى الشرق) يكرر: النيرفانا ليست شيئاً بل كلمة، والكلمة تحتاج إلى مؤلف.
يخبرنا هيسه بصورة غير مباشرة أننا إزاء أخوية تجمع بين تراث (الاستنارة) بوذا على نحو خاص) وبين الإشراق الصوفي، وبين جمعية سرية (لا تمزح) إزاء من يخونها أو يفشي أسرارها وهي أي الرابطة، كما يقول: لم تكن أبداً من نتاج ما بعد الحرب، بل إنها تمتد لتشمل تاريخ العالم كله، وتكون أحياناً، بالطبع، تحت السطح ولكن دون تقطع وبحيث أن بعض المراحل من الحرب العظمى لم تكن إلا مراحل من تاريخ رابطتنا وأكثر من ذلك أن زارادشت ولاوتسي وكسينوفون وفيثاغورس وألبرتوس ماغنوس ودونكيشوت وتريسترام شاندي ونوفاليس وبودلير كانوا من المشاركين في تأسيس رابطتنا أو من أخوانها.
كما تحتفظ الرابطة بطقوس الجمعيات الاستسرارية الأخرى ومنها حكاية القسم والخاتم، وما يرمز له.
والرابطة كما تتكرر في (ذئب السهوب) وفي (الرحلة إلى الشرق) أخوية لا تمانع في تأكيد وظيفتها (سوسيولوجيا التخطي) من اللجوء إلى التحرر التحذيري كما يلاحظ تيموني ليرى تصبح الصصلة بين التحرر التخديري في “ذئب السهوب” وبين الرابطة أكثر وضوحاً”حين يضيع شيء ثمين ولا يمكن استرداده نحس أننا قد استيقظنا من حلم. وكان هذا الشعور في حالتي صحيحاً بشكل غريب لأن سعادتي كانت تنبع فعلاً من حرية تجريب كل شيء يمكن تصوره في وقت واحد واستبدال الخارجي بالداخلي بسهولة وتحريك الزمان والمكان كمشاهد في مسرح”.
لعبة الكريات الزجاجية
حسب الرواية وعلى لسان كنشت يتحدث عن المشابهات والارتباطات في لعبة الكريات الزجاجية ويفصل في حديثه عن الارتباطات بين الارتباطات القانونية” أي التي يفهمها الجميع وبين الارتباطات “الخاصة” أي الارتباطات الذاتية.
والتعرف على الأضداد حق التعرف، أي أن نعرف أنها أضداد أولاً، وأنها أقطاب وحدة متحدة ثانياً. وهذا هو شأن لعبة الكريات الزجاجية. تحبها طبائع الفنانين لأن الإنسان يستطيع بها التحليق بالخيال والتهويم، ويحتقرها العلماء المتخصصون المتزمتون – وكذلك نفر من الموسيقيين – لأنها تفتقر إلى تلك الدرجة من دقة النظام التي تستطيع العلوم بلوغها فرادى.
كما يخبرنا هيسه أن قواعد اللعبة ورموزها وأصولها عبارة عن شيء قريب الشبه بلغة سرية بلغت درجة فائقة من التطور، أسهمت في تكوينها علوم كثيرة وفنون عديدة، وخاصة الرياضة والموسيقى (او بالأحرى علم الموسيقى). ولها القدرة على التعبير عن مضامين ونتائج العلوم كلها تقريباً وعلى إدخالها في علاقات بعضها مع البعض الآخر.