فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد! “
الكاتب: عبدالرحمن حسنيوي
الهيمنة قديمة قدم الإنسانية” زبيغنيو بريجنسكي
في 12 يوليوز 2006، في أعقاب تصريحات كوندوليزا رايس حول خطة “الشرق الأوسط الجديد”، شن إيهود أولمرت هجوماً واسع النطاق ضد لبنان بحجة أسر حزب الله لجنود إسرائيليين على الأراضي اللبنانية. وعندما تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، بعد مقتل أكثر من 1000 مدني، 30% منهم من الأطفال دون سن 12 عاماً، وأكثر من مليون لاجئ (في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 5 ملايين نسمة)، وتدمير العديد من البنى التحتية، كما تعرضت أحياء جنوب بيروت لأضرار جسيمة، وتسرب النفط في البحر الأبيض المتوسط، ناهيك عن العمليات التي نفذها الجيش الإسرائيلي في قرى الجنوب والتي صنفتها منظمة العفو الدولية على أنها جرائم حرب.
خلال هذه الاشتباكات العنيفة التي استمرت 33 يومًا، خلال مؤتمر صحفي أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس: “ما نراه هنا [تدمير لبنان بالهجمات الإسرائيلية]، بمعنى ما، هو ميلاد مؤلم لـ “الشرق الأوسط الجديد” ومهما فعلنا، يجب أن نكون على يقين من أننا نسير نحو الشرق الأوسط الجديد ولن نعود إلى الطريق القديم”. وجاءت هذه العملية الإسرائيلية في أعقاب غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 على أساس مشروع يسمى “الشرق الأوسط الكبير” – وهو المصطلح الذي سيتم استبداله بـ “الشرق الأوسط الجديد”.
وهذان الهجومان هما بمثابة بداية إعادة تشكيل المنطقة مع الطموح المعلن المتمثل في جلب “الديمقراطية” إلى هناك! ولكن إذا عدنا إلى التصريحات التي أدلى بها في عام 1999 ديك تشيني، مدير شركة هاليبرتون المتخصصة في صناعة النفط ونائب الرئيس المستقبلي جورج دبليو بوش: “إن مكانًا في العالم يحتوي على أكبر احتياطيات من النفط أصبح تحت السيطرة”، السيطرة على دول الشرق الأوسط – الكويت والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، “المشكلة هي أن بعض هذه الاحتياطيات النفطية تسيطر عليها حكومات مارقة” -العراق وايران وسوريا- \محور الشر، ويجب أن نعترف بأن رغبة سلطات الولايات المتحدة الامريكية في إسعاد الناس بجلب الديمقراطية، قد تحولت إلى مشروع استعماري مبتذل للاستيلاء على الموارد النفطية للبلدان المعنية ووضعها تحت السيطرة وتدميرها وتشريد مواطنها. ولتنفيذ هذا الهجوم، قررت الولايات المتحدة، بمساعدة المملكة المتحدة وإسرائيل، إطلاق عمليات عسكرية من أجل خلق “فوضى خلاقة” قادرة على تخويف “المتمردين”.
ففي عام 2003، وتحت ذرائع واهية بأن صدام حسين يمتلك «أسلحة الدمار الشامل» وأنه كان راعياً لهجمات 11 سبتمبر 2001، كان العراق هو الميدان الأول لتجريب هذه النظرية الاستعمارية .وبدعم من المحافظين الجدد الموجودين في السلطة بواشنطن، أدى التدخل المروج للحرب إلى إعادة تنشيط الافتراض الكالفيني المتمثل في وجود أمة أمريكية ذات “مصير واضح” – وهو المصطلح الذي صاغه جون أوسوليفان، وهو صحفي من نيويورك، في عام 1845، من أجل تشجيع الولايات المتحدة لضم تكساس، التي كانت آنذاك ملكية مكسيكية.
وفي إطار هذه الثيوغونية المسيحانية، كان من المفترض أن تكون ميليشيا إمبراطورية الولايات المتحدة الامريكية، في كل الأوقات وفي كل الأماكن، هي الجهة المنظمة للنظام العالمي الجديد. ومن أجل الاستعداد لما كان مخطط له أن يكون اضطرابات كارثية، تبنت الإدارة الامريكية خريطة أعدها رالف بيترز-الجنرال المتقاعد-، نُشرت هذه الوثيقة في مجلة القوات المسلحة في يونيو 2006 تحت عنوان “حدود الدم: كيف سيبدو شرق أوسط أفضل”، وقد أعادة هذه الوثيقة الاستراتيجية إلى الأذهان اتفاقيات سايكس بيكو لعام 1916 وخط دوراند الذي رسمه البريطانيون في عام 1893 لفصل أفغانستان عن باكستان. قام الجنرال بيترز بتأليف هذه الخريطة باستخدام الرسومات التخطيطية التي تم رسمها في عام 1920 تحت رئاسة وودرو ويلسون، في نهاية الحرب العالمية الأولى.
على الرغم من أنها غير رسمية، كانت الوثيقة موضوع عرض تقديمي لكبار الضباط في كلية الدفاع التابعة لحلف الناتو في سبتمبر 2006 في روما وفي أكاديمية الحرب الوطنية الأمريكية. وبينما يمثل قمة ما يمكن أن يحلم به الأمريكيون والبريطانيون والإسرائيليون في المسائل الاقتصادية والاستراتيجية والعسكرية، فإن تحقيق ذلك يفترض قبولًا طوعيًا للمملكة العربية السعودية وتركيا، بينما بالنسبة للأطراف الآخر وفي البلدان المعنية كاليمن وسوريا وإيران ولبنان والضفة الغربية وغزة…، فإن حرباً شاملة كما هو الحال في العراق أو أفغانستان ستكون كافية. وبمجرد انتهاء الحرب التي قادها جورج دبليو بوش في العراق، كان من المفترض تقسيم البلاد إلى ثلاث كيانات: سني في الشمال، وكردي في الشمال الشرقي، وشيعي في الجنوب يمتد إلى الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية والجنوب الغربي لإيران، وبالتالي تطويق الخليج العربي، وهي منطقة بحرية تحتوي على أكبر احتياطيات بترولية على هذا الكوكب. علاوة على ذلك، كان الهدف هو متابعة ما اعتقدت الولايات المتحدة أنه مطلب قومي بدولة كردية واسعة تجمع بين كردستان التركية والإيرانية وكردستان سوريا والعراق (كلاهما غنيتان بالنفط)، والتي ستضاف إليها كركوك (المنطقة الكردية)، مركز النفط الكبير في العراق، والموصل (المليئة أيضًا بالموارد النفطية) بالإضافة إلى أجزاء من أرمينيا وأذربيجان.
وعلى الرغم من حقيقة أنه لا سوريا ولا تركيا (التي احتجت على الفور عندما تم الكشف عن الخريطة في روما أمام سلطات الناتو)، ولا إيران كانت تنوي السماح بمصادرة جزء من أراضيها، فإن الأكراد هم أنفسهم تجاوزوا فكرة دولة قومية ألزمتهم معاهدة سيفر لعام 1920 بالمطالبة بها من أجل الاستقلال السياسي والثقافي عن البلدان الأربعة. وفي بحثه عن الروابط بين الأقليات العرقية، كان البيت الأبيض يعتمد على استقلال البلوش، وهم شعب وزعه التاج البريطاني بين أفغانستان وإيران وباكستان، حيث إن إنشاء “بلوشستان الحرة” سيتم تحقيقه من خلال ضم جنوب شرق إيران، وجزء من جنوب غرب أفغانستان، بالإضافة إلى شريط من الأرض في غرب باكستان، وهي الدولة التي يمثل البلوش 6% من سكانها. ولم تعد أرمينيا وأذربيجان، اللتان بُترتا لصالح كردستان الكبرى، لهما حدود مع تركيا، وهو ما ينبغي أن يطمئن الأرمن في ظل خلافهم مع الأتراك بعد مجازر عام 1915.
ومن المفارقة أن الخاسر الأكبر في هذا الخريطة المعاد النظر فيه هو المملكة العربية السعودية، على الرغم من أنها حليف تاريخي للولايات المتحدة الامريكية، حيث سيتم تقزيم البلاد لصالح الأردن واليمن، ودولة عربية شيعية من أصل عراقي، واستكمالاً لذلك كله، تم إنشاء دولة إسلامية مقدسة تضم الأماكن المقدسة مكة والمدينة، مثل “الفاتيكان” في الحجاز. كما خططت الولايات المتحدة لإنشاء الأردن الكبير، الذي يجمع بين الضفة الغربية والأردن الحالي وجزء من المملكة العربية السعودية على جانبه الشمالي الغربي. أما لبنان، الذي امتد إلى جارته السورية، فقد فتح له رالف بيترز مستقبلاً بتسميته ؛فينيقيا الكبرى”.
عند الاطلاع على كل هذه المخططات، من الصعب عدم التفكير في المشهد الذي ظهر في فيلم “الدكتاتور العظيم ” (1940) لتشارلي شابلن عندما كان يلعب دور أدولف هتلر، وهو يتلاعب بالكوكب على شكل بالون كروي قبل أن ينفجر على وجهه. ومن الواضح أنه لم يحدث شيء كما تصورته التكنوقراطية العسكرية والسياسية في واشنطن. وهذا ما ستؤكده الاحداث والوقائع، ففي يوليو 2021، بعد 18 عامًا من الاحتلال والإدارة المباشرة للبلاد من قبل بول بريمر، انسحبت القوات الأمريكية من العراق دون شرف ودون مجد وبطريقة مدلة وتراجيديا، وبعد عشرين عاماً من الحرب غير المجدية، تركوا أفغانستان في أيدي حركة المقاومة الإسلامية طالبان. بالإضافة إلى ذلك، الاحداث الأخيرة في غزة “عملية طوفان الأقصى” التي قادتها فصائل المقاومة وعلى رأسها كتائب عزالدين القسام، أفشلت جزء كبير من خطط الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة كـخطة “الشرق الأوسط الجديد” و”صفقة القرن” و”اتفاقيات أبراهام للسلام”. والملاحظة الواضحة، أنه لم تنجح أي من المحاولات الرامية إلى إعطاء مضمون لخطة “الشرق الأوسط الجديد”.
2024-10-04