“فجأة أصبح الجنود والضباط الإسرائيليون مجرمي حرب”!
جدعون ليفي ..تقديم وترجمة غانية ملحيس
ترجمة لمقال للكاتب التقدمي الشجاع جدعون ليفي في صحيفة هارتس الإسرائيلية صباح اليوم بعنوان: “فجأة أصبح الجنود والضباط الإسرائيليون مجرمي حرب”. يكشف فيه الطبيعة البنيوية الإجرامية العنصرية للدولة الصهيونية، والتواطؤ الكوني لحمايتها من نفاذ الاتفاقات والقوانين الدولية والإنسانية، ما مكنها من مواصلة حرب الإبادة والتطهير العرقي التي ما تزال تتوالى فصولها ضد أبناء الشعب الفلسطيني على امتداد فلسطين الانتدابية للعقد الثامن على التوالي.
تكمن أهمية المقال في إزالته القناع عن عنصرية النظام القضائي الصهيوني الذي يتمسك به ويدافع عنه النصف العلماني من يهود إسرائيل وعموم العالم الغربي، الذي ما يزال يشن حروبه على شعوب العالم بذريعة الدفاع عن الديموقراطية ونشرها ، والتي ليست سوى نظاما عنصريا منمقا يشكل ستارا لحماية مصالحهم وإدامة سيطرتهم الاستعمارية.
وتزداد أهمية المقال في كونه يشكل شهادة مهمة أخرى حول الطبيعة الإجرامية والعنصرية لجميع مؤسسات الدولة العبرية التنفيذية والتشريعية والقضائية. إلى جانب شهادات مئات اليهود والصهاينه، الذين أرعبهم احتمال زوال الحماية الاستثنائية التي ما يزال النظام الدولي يمنحها لإسرائيل، بحجة عدالة واستقلالية النظام القضائي الإسرائيلي، رغم توفر الأدلة القاطعة على الطبيعة البنيوية الإجرامية للدولة العبرية، وعنصرية منظومتها القانونية ومؤسساتها القضائية ضد عموم الشعب الفلسطيني، بما في ذلك مواطني إسرائيل الفلسطينين / نحو 70 قانونا/.
ويؤمل أن تبادر المؤسسات الحقوقية بجمع وأرشفة آلاف الشهادات الإسرائيلية حول جرائم الإبادة والتطهير العرقي وجرائم الحرب التي تمارسها المستعمرة الصهيونية – وكثير منها منشور في وسائل الاعلام والصحافة الاسرائيلية والدولية – حيث تكتسب تلك الشهادات مصداقية لأنها ” وشهد شاهد من أهله “
ترجمة المقال:
“فجأة أصبح الجنود والضباط الإسرائيليون مجرمي حرب”
جدعون ليفي
هارتس
10/9/2023
استولى القلق، الحقيقي أو الكاذب، على رؤساء الجيش والسلطة القضائية: الثورة القضائية تضع جنود جيش الدفاع الإسرائيلي وقادتهم في خطر ملموس للملاحقة القضائية في الخارج. من غير الواضح ما إذا كانت موجة الإحاطات الإعلامية التي اجتاحت وسائل الإعلام خلال عطلة نهاية الأسبوع كانت تهدف فقط إلى التهديد في الحرب ضد الانقلاب الحكومي، أم ما إذا كان الاعتقال حقيقيا. على أية حال، فجأة أصبح قادة الجيش الإسرائيلي، الخائفون على مستقبلهم، يقولون الأمر كما لم يحدث من قبل، مقدمين حقيقة لم يعترفوا بها من قبل.
وفقا لهؤلاء الأشخاص الخائفين، استفاد أفراد الخدمة في جيش الدفاع الإسرائيلي حتى الآن من سترة حماية فعالة في شكل المحاكم الإسرائيلية ذات الشهرة العالمية. والآن بعد أن بدأ هذا الأمر في الانهيار، أصبح الجنود عرضة للمحاكمة في لاهاي ومحاكم أخرى في الخارج. فللمرة الأولى تعترف مؤسسات الدفاع والقضاء الإسرائيلية بوجود سبب للاشتباه في أن جيش الدفاع الإسرائيلي يرتكب جرائم حرب، وأن شهرة المحاكم الإسرائيلية هي وحدها التي وفرت له الحماية حتى الآن.
لكن هيبة المحاكم في هذه القضايا هي افتراء محض، يعلم ناشروه كذبه تماما. ولا يوجد في إسرائيل جهاز يحقق في جرائم الاحتلال. من الواضح أن المحاكم العسكرية نكتة مثيرة للشفقة، والهيبة التي تتمتع بها محكمة العدل العليا لها ما يبررها، طالما أنها لا تواجه جهاز الأمن.
عقود من الاحتلال، دون يوم واحد لم ترتكب فيه جرائم حرب، لم تؤد إلى تحقيق واحد جدير، لم يتم تبييضه أو تكميمه، إلى لائحة اتهام واحدة تتناسب مع الحقائق، وبالتأكيد ليس إلى تحقيق واحد يفضي إلى العقوبة المناسبة للجريمة. دولة تنتهي فيها محاكمة إيلور عزاريا – الذي أطلق النار على مهاجم فلسطيني جريح وعاجز – بالسجن لمدة 18 شهرا بتهمة القتل غير العمد، وتم اختصارها إلى 14 شهرا “لأسباب الرحمة والمراعاة”، والتي تم تخفيضها لاحقا بمقدار شهر ثالث واحد -، والقضية تعتبر صدمة وطنية – هي دولة لا تحقق ولا تحاكم وبالتأكيد لا تعاقب الناس على جرائم الحرب.
كان ينبغي لمحاكمة عزاريا أن تكون نورا للأمم ومحكمة العدل الدولية: فهي الاستثناء الذي يثبت القاعدة. والقاعدة هي أن إسرائيل لا تحقق مع الجنود أو القادة أو تعاقبهم على ارتكاب جرائم حرب. الملفات يتراكم عليها الغبار في مكتب النائب العام العسكري، وتغطيها أكاذيب وخداع الجنود وقادتهم، حتى توضع على الرف.
ولذا يجب على شخص آخر أن يقوم بهذه المهمة لصالح الدولة. وكان من المناسب للاهاي والعالم أن يتمسكا بالوهم الجميل بأن إسرائيل جادة في تحقيقاتها مع العسكريين. وجاء الانقلاب القضائي، وفجأة لم يعد لدينا محام عام عسكري يحقق، أو محكمة عدل عليا تحارب جرائم الحرب.
ولا يوجد شر دون بعض الخير. وكما أيقظت محاولة الانقلاب عددا هائلا من الإسرائيليين من سباتهم وأخرجتهم إلى الشوارع، فربما تؤدي أيضاً إلى استيقاظ العالم من غيبوبته.
بعد أكثر من 35 عاما من التقارير عن الاحتلال، وبعد سماع آلاف القصص المروعة التي تنتهي دائما بنفس الطريقة: مع إطلاق قناصة الجيش النار على الأطفال وغيرهم من المدنيين الأبرياء، مع الرصاص الحي على المظاهرات، مع الغارات الجوية على المدنيين العزل، مع منع الأشخاص المصابين بأمراض خطيرة من دخول إسرائيل لتلقي الرعاية الطبية، مع العقاب الجماعي، والاحتجاز دون محاكمة، والتفتيش الوحشي لمنازل الأبرياء، أمام أطفالهم، مع الإذلال والضرب والإساءة، واستخدام الكلاب الهجومية، والتفتيش بالتعري. وعدد لا يحصى من الجرائم الإضافية، وكلها تنتهي بنفس الطريقة.
“ليس لدينا علم بادعاءات حول العنف الذي يمارسه الجنود. سيتم فحص أي من هذه المطالبات المقدمة “.”ليس لدينا علم بالادعاء بأن الجنود استخدموا الأطفال الصغار كدروع بشرية”. “نحن على علم بالادعاء بوفاة قاصر، والملابسات قيد التحقيق.”
قضاة العالم: هذه “التحقيقات” تدوم إلى الأبد ولا تهدف إلى فعل أي شيء سوى خداع العالم والحفاظ على الحصانة المقدسة والمطلقة لجنود جيش الدفاع الإسرائيلي. ولعل إلغاء معيار المعقولية سوف يدفعكم أخيرا إلى التحرك، وفي هذه الحالة سيكون للانقلاب القضائي نتيجة واحدة غير مدمرة: نهاية عصر الكذبة التي تقول إن إسرائيل وجيشها يحققون في الجرائم بأنفسهم. لم يعتزموا أبدا القيام بذلك
10/9/2023