عَامَـان على حَـرب الغَـدر في السُّودان.. هذه الأرضُ لنا مهما استَبَدوا!
عطاف محمد
أكمل السودان يوم أمس 15 أبريل 2025، العام الثاني بالتمام، في حرب الخيانة والمُؤامرة الإقليمية، التي تشنّها ميليشيات الدعم السريع ومُرتزقته وحاضنته السياسية.. عَامَان لم تتوقّف آلة القتل في مُحاولة إبادة الشعب السُّوداني من أجل أن يحكم آل دقلو السُّودان بالحديد والنار، عبر مخطط ظلامي يهدف لابتلاع السُّودان، حاكته تل أبيب، وموّله وكلاء الشر في المنطقة.
وفّر الوكلاء كل شيء لحميدتي، كل شيء من أجل أن يُخضع لهم السُّودان الغني بثرواته، أنفقوا مليارات الدولارات تمويلاً وتسليحاً وتدريباً وتشويناً، اشتروا كل شيء، وتهافت لهم عديم الذِّمَّة والضمير من العسكريين والسِّياسيين والمدنيين، الذين باعوا أنفسهم بالأموال المُلوّثة بدماء عشرات الآلاف من السُّودانيين الأبرياء، دون أيِّ خجلٍ أو وازعٍ أخلاقي.
إلّا أنّ المُجرمين خسروا خسراناً مُبِيناً، بعد أن فرض الجيش سطوته عبر السند الشعبي الضخم، حيث شكّل الشعب السوداني عبر كتائب الإسناد والمقاومة الشعبية حائط صد صلد؛ تكسّرت أمامه كل مخطات الشر الغاشم، كيف لا وأمهات السُّودانيين الأحرار قد أرضعن أولادهن لبن الشرف والعزة، فشبُّوا مرفوعي الهَامَـة، فتقدّموا صفوف الشهادة بكل إباء وشجاعة؛ حتى لا تسقط بلادهم في براثن العدو، ما أنجح الجيش في امتصاص الصّـدمة، وها هو يحصد مُرتزقة الميليشيا في أرض الموت التي استدرجهم إليها، فجاءت الفتوحات “قرية قرية، مدينة عقب المدينة، ولاية تلو الولاية”.
عامان من الدم والدموع، القتل والتَّشريد، القهر والذُل، الاغتصاب والاستعباد الجنسي، الإبادة الجماعية والتطهير العرقي على حسب اللون والجنس والقبيلة، ومُرِ الويلات جرّعتها الميليشيا وأعوانها وداعموها للأبرياء العُـزّل في السُّودان – ومازلت تفعل – في ظل حماية دولية للميليشيا، وغض الطرف عن أفعالها الإرهـابيّـة..!!
تواطؤٌ دوليٌّ!!!
عامان ومجلس الأمن والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، يرفضون أن يسموا الميليشيا كمنظمة إرهابية، في وقتٍ دمغوا العديد من الجهات بالإرهاب، لارتكابهم أفعالاً أقل بكثير من ما فعلته ميليشيا الدعم السريع في السُّودان وأهله.
فحتى صباح اليوم تقتل الميليشيا وتُهجِّر الآلاف في معسكرات النازحين في شمال دارفور، وتغتال موظفي وأطباء الإغاثة الدوليين، بتوجيه وقيادة مباشرة من السفاح الإرهابي، عبد الرحيم دقلو، قائد ثاني الدعم السريع. ولا نجد سوى الإدانة من الأمين العام للأمم المتحدة، انتونيو غوتيريش، في وقتٍ يتم رفض، مجرد مُناقشة شكوى العُـدوان الخارجي على السُّودان، في جلسات مجلس الأمن. وسيظل ذلك وصمة عَـار على جبينهم، تتحدّث به الأجـيَـال.
وزير الخارجية السُّوداني د. علي يوسف، قال أمس في مؤتمر صحفي، إنّ الهجمات الوحشية التي شنّتها الميليشيا على معسكرات النّازحين في محيط مدينة الفاشر، لا سيّما في «أبوشوك وزمزم»، تأتي ضمن خُطة “لاستخدام المدنيين كدروع بشرية تمهيداً للسيطرة على الفاشر، تزامناً مع انعقاد مؤتمر لندن، في محاولة مكشوفة لإضفاء شرعية على مشروع تقسيم السُّودان وإقامة كيان مواز في دارفور وأجزاء من جنوب كردفان”.
وبكل هذه الجرائم الوحشية مازال العالم يُوفِّـر الغطاء للميليشيا وداعميها، في أكبر تواطؤ يشهده التاريخ الحديث..!!
مُخطّط تدمير المنشآت الحيوية!
كثّفت ميليشيا الدعم السريع، عقب طردها ودحرها من الخرطوم وولايتي سنار والجزيرة، هجماتها عبر المُسيّرات الاستراتيجية، لتدمير المنشآت الحيوية “المياه والكهرباء والمحطات الحيوية”، حيث أثّرت بشكلٍ مباشرٍ على إمدادات الكهرباء؛ للمنازل والشركات والخدمات الأساسية، مثل المستشفيات.
وتقصد الميليشيا من هذه الهجمات، شل البنية التحتية الرئيسية للطاقة في السودان، مثل ما حدث في تدمير محولات سد مروي الكهربائية، ما أدّى لانقطاعات واسعة النطاق في التيار الكهربائي أثّرت على مدن (أم درمان وشندي وعطبرة وبورتسودان ودنقلا).
هذا المُخطّط تمّ دعمه بتوفير المُسيّرات الاستراتيجية للميليشيا، لتوجيه ضرباتها بدقة، حيث كانت في السابق تستخدم فقط في الاستطلاع العسكري، منطلقة من مطار أم جرس التشادي – وفقاً للتقارير التي نشرتها “نيويورك تايمز”.
وبذلك تنتقل الميليشيا وداعموها، إلى خطة بديلة عقب فشلها في الاستيلاء على السلطة، وهي شل الخدمات الحيوية في الدولة السودانية وزيادة معاناة المدنيين، فحماية البنى التحتية الكبيرة، كمحطات الطاقة والسدود، من هجمات الطائرات المُسيّرة تُشكِّل تحدياً كبيراً، حتى مع توافر الموارد للدول الكبرى، فما بالك بمحدوديتها في دولة مثل السودان.
لماذا يقاضي السودان الإمارات العربية المتحدة؟
الحكومة السودانية بدورها، اتّجهت لمربع آخر، وهو المحاكم الدولية، وتحديداً اتّجهت لمحكمة العدل الدولية، حيث تقدّمت بشكوى رسمية، تُلاحق فيه دولة الإمارات، مطالبةً بإدانتها في قضية تطبيق جريمة الإبادة الجماعية في السودان، وضرورة منع جريمة الإبادة الجماعية والمُعاقبة عليه.
وجاء في خطاب السودان الذي قدّمه د. معاوية عثمان محمد خير، وكيل المدعي (جمهورية السودان): “تطلب جمهورية السودان من المحكمة، ريثما يصدر الحكم النهائي في هذه القضية، أن توضح ما يلي:
(1) تتّخذ دولة الإمارات العربية المتحدة، وفقاً لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، فيما يتعلّق بجماعة المساليت في جمهورية السودان، جميع التدابير التي في حدود سُلطتها لمنع ارتكاب جميع الأفعال التي تندرج في نطاق المادة الثانية من هذه الاتفاقية، ولا سيما:
(أ) قتل أفراد الجماعة؛
(ب) إلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بأفراد الجماعة؛
(ج) إجبار الجماعة عمدًا على ظروف معيشية يقصد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا؛
(د) فرض تدابير تهدف إلى منع المواليد داخل “الجماعة”.
كما طالب السودان أن تمتنع دولة الإمارات العربية المتحدة، وفقاً لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، فيما يتعلّق بأعضاء جماعة المساليت، عن أيِّ سلوكٍ يرقَى إلى مُستوى التواطؤ في ارتكاب أيٍّ من الأفعال الموصوفة في الفقرة (1) أعلاه من قِبل أيِّ وحدات مُسلّحة غير نظامية، أو من قِبل أيِّ منظمة أو أشخاص.
وشدّد السودان على أن تُقدِّم دولة الإمارات العربية المتحدة تقريراً إلى المحكمة حول جميع التدابير المُتّخذة لتنفيذ هذا الأمر في غضون شهر واحد من تاريخه، وبعد ذلك كل ستة أشهر، إلى أن تصدر المحكمة قراراً نهائياً في القضية.
شواهدٌ وبيِّناتٌ
أول التقارير التي أشارت إلى أنّ الإمارات تدعم ميليشيا الدعم السريع في السودان، كتبها خُبراء الأمم المتحدة، حيث اتّهموا في تقاريرهم التي رفعوها إلى مجلس الأمن، دولة الإمارات بدعم الميليشيا، وفقاً لمعلوماتهم الحقيقية الدقيقة.
كما نشرت كبريات الصحف العالمية مثل “نيويورك تايمز وواشنطن بوست والغارديان” تحقيقات مصحوبة بالأدلة وصور الأقمار الصناعية، تظهر تورُّط الإمارات في تسيير مئات الرحلات الجوية لتسليح الميليشيا وتوفير كل العون العسكري لها، كما أظهرت التحقيقات أنّ الإمارات تقوم بمد الميليشيا بالمُسيّرات الاستراتيجية، حيث تنطلق من مطارات تشاد.
كذلك اعترض العديد من أعضاء مجلسي الشيوخ والنُّوّاب الأمريكي، الدعم الإماراتي للميليشيا، وحثُّوا الإمارات على ضرورة التوقف الفوري عن هذه الأفعال، كما تقدّموا بمشروع قانون يُطالب بوقف أمريكا لبيع السلاح لدولة الإمارات.
تقارير خبراء الأمم المتحدة الجديد
بالأمس نشرت صحيفة (الغارديان) البريطانية، تقريراً، (سري للغاية) لخبراء الأمم المتحدة تم تسريبه بشأن دور الإمارات في حرب السودان. وكشف التقرير عن رحلات “متعددة” من الإمارات العربية المتحدة، حيث قامت طائرات النقل بمحاولات متعمدة على ما يبدو لتجنب اكتشافها أثناء طيرانها إلى قواعد في تشاد، حيث يتم رصد تهريب الأسلحة عبر الحدود إلى السودان.
وتثير هذه الاتهامات تعقيدات أمام وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، الذي دعا الإمارات إلى جانب 19 دولة أخرى بشكل مثير للجدل إلى مؤتمر يناقش قضية الحرب والسلام بالسودان في لانكستر هاوس أمس.
وقال دبلوماسي كبير مطلع على التقرير المسرب لكنه طلب عدم الكشف عن هويته: “تحتاج المملكة المتحدة إلى توضيح كيفية استجابتها للمجازر التي تستهدف الأطفال وعمال الإغاثة أثناء استضافتها للإمارات العربية المتحدة في مؤتمرها في لندن”.
تم إعداد التقرير المكون من 14 صفحة – والذي تم الانتهاء منه في نوفمبر الماضي وإرساله إلى لجنة عقوبات السودان التابعة لمجلس الأمن الدولي – من قبل لجنة مكونة من خمسة خبراء من الأمم المتحدة “وثقوا نمطًا ثابتًا من رحلات شحن طائرات إليوشن إيل-76 تي دي المنطلقة من الإمارات العربية المتحدة” إلى تشاد، حيث حددوا من هناك ما لا يقل عن ثلاثة طرق برية يمكن استخدامها لنقل الأسلحة إلى السودان المجاور.
ووجد الباحثون أن رحلات الشحن الجوي من مطارات الإمارات العربية المتحدة إلى تشاد كانت منتظمة للغاية، لدرجة أنها خلقت في الواقع “جسرًا جويًا إقليميًا جديدًا”.
وأشاروا إلى أن الرحلات الجوية أظهرت خصائص غريبة، حيث اختفت الطائرات في كثير من الأحيان خلال “أجزاء حاسمة” من رحلتها، وهو النمط الذي قال الخبراء إنه “يُثير تساؤلات حول عمليات سرية محتملة”.
*
حتما سيشرق نور الشمس بعد الليل الحالك، ستسكت البندقية، والأرض المخضبة بالدماء ستلبس حلّتها الخضراء البهية، ستلمع سنابل القمح الذهبية على شط نيل الحياة، ستُنبَذَ العنصرية ويرفرف علم السودان عالياً، وينشد الصغار في المدارس:
“هذه الأرض لنا فليعش سُوداننا عَلَماً بين الأمم”.
2025-04-20