عن الشخصية المتفردة لأبناء العراق: أخلاق راقية تأسرك وطيبة وكرم يدهشك.. قصص ومواقف!
محمد مصطفى العمراني
كتبت عن العراق، وكتب كثيرون غيري، وتحدثوا عن بلاد الرافدين في كتاباتهم وكتبهم وأحاديثهم، فكل من عاش مع أبناء العراق لأعوام، أو حتى زارهم لأيام وقع في أسر الشخصية العراقية المتفردة، وأحب أبناء العراق بكل صدق.
ومؤخرا قرأت العديد من الكتب والكتابات التي تتحدث عن كرم وطيبة أبناء العراق، كما شاهدت الكثير من فيديوهات السائحين والرحالة ” اليوتيوبرز ” وهم يشيدون بكرم وطيبة الشعب العراقي فوصلت إلى قناعة بأن الشخصية شخصية متفردة، وأن هذا الشعب شعب استثنائي بامتياز.
وهي قناعة توصل إليها قبلي الكثير من الباحثين والكتاب الذين درسوا الشخصية العراقية دراسة انثروبولوجية تحليلية وهم كثر، وهذه الدراسات منشورة وبعضها متوفر على شبكة الانترنت.
وقد جمعت كل هذه القصص بكتاب سيصدر قريبا، أعتبره تحية يمانية لأبناء العراق الذين يستحقون منا كل الحب والتقدير.
وكم أسعدني مؤخرا وأنا أشاهد فيديوهات للكثير من اليوتيوبرز الذين بدأوا ينقلون الصورة الحقيقية للعراق، بلد الأمان والاستقرار والحضارة والطيبة والكرم، وغيرها من الصفات الأصيلة للشعب العراقي الشقيق..
لكنني مازلت أشعر أن هذا البلد العظيم الذي ظلم كثيرا لم يأخذ حقه بعد.
لقد ظلم وتشوهت صورته وخصوصا بعد الحروب التي عاشها منذ الثمانينيات من القرن العشرين إلى الغزو الأمريكي في 2003م وتداعياته التي لم تنته بعد.
لقد انطبعت في أذهان الكثير من الناس في العالمين العربي والإسلامي صورة مشوهة عن العراق، وأنه بلد تسوده الفوضى والعنف والطائفية والقتل والتفجيرات، وهي صورة كرستها الكثير من وسائل الإعلام التي ظلت ولعقود لا تنقل من العراق إلا أخبار الحرب والتفجيرات والاغتيالات والكوارث.!
ونتيجة لهذا الضخ الإعلامي الممنهج توارت الصورة الحقيقية للعراق، بلد الحضارة والثقافة والأصالة، العراق العظيم بتاريخه العريق، وحضاراته المتعددة منذ آلاف السنين، والخصائص المتفردة لشعب العراق.
وكل من زار العراق خلال السنوات الماضية كان في بداية الأمر خائفا يترقب، متردد، يقدم رجلا ويؤخر أخرى، ويرى أنه يقدم على مخاطرة ومغامرة، لكن عندما يصل العراق ويستقبل بالابتسامة والمعاملة الراقية ويتحول إلى ضيف عزيز لدى كل أبناء الشعب العراقي يدرك مدى الفجوة الكبيرة بين الواقع بكل جماله وروعته وتلك الصورة النمطية المتخيلة بكل ما فيها من بشاعة وسوداوية لا وجود لها في الحقيقة.
جمال البلدان بأهلها وأخلاقهم:
إذا الكثير من السياح وهواة الرحلات يزورون بعض البلدان لمعالمها الأثرية والحضارية، فهل سيجدون بلدا فيه من المعالم الحضارية والأثرية أكثر من العراق؟!
فالعراق يكاد يتحول إلى متحف مفتوح، يزخر بآثار حضارات لها آلاف الأعوام، فالعراق هي من علمت العالم الأبجدية وأسس الكتابة، البلد الذي قامت على أرضه أول حضارة إنسانية على ضفاف الرافدين، وثقافة هذا الشعب هي خلاصة كل هذه الحضارات والثقافات.
وأبناء العراق هم من علموا العالم العلوم المختلفة من الطب إل الفلك إلى الرياضيات إلى الري إلى غيرها من العلوم، هم أحفاد حمورابي وجلجامش والمتنبي ونبوخذ نصر وسرجون الأكدي والرشيد وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل والجاحظ وصلاح الدين الأيوبي والجواهري والبياتي والسياب ومحمود شيث خطاب وعبد الكريم زيدان وزهاء حديد وغيرهم الكثير من الأعلام التي يضيق بهم المقام.
ثم إن الدول ليست بمعالمها الأثرية وعجائبها المعمارية فحسب بل بأهلها وبأخلاق ناسها، وأين سنجد مثل أبناء العراق في الطيبة والكرم والأخلاق، حتى صار كرم أبناء العراق حقيقة لا يجادل فيها أحد وظاهرة معروفة تستحق التدريس في كليات الاجتماع بالعالم أجمع.
في العراق يكفي أن يراك الناس بهيئة أو لهجة مختلفة ويتأكدون أنك غريب، سائح، زائر حتى يفتحون لك قلوبهم وبيوتهم وتصبح ضيفا عليهم.
تقول السائحة الأسكتلندية إيما ويترز ــ للجزيرة نت ــ إن “كرم العراقيين وحسن الضيافة من أبرز مزايا أن تكون سائحًا في العراق، فالجميع يريد التحدث إليك، ودعوتك إلى منازلهم، لتناول الكثير من الطعام الرائع! جميعهم يقولون إن العراق هو وطنك الثاني، ولا يوجد بلد آخر يقول ذلك. العراقيون يعاملون سائحهم بطريقة رائعة جدا بعد عزلة طويلة عانتها بلادهم”.
وتضيف “لم أشعر بالقلق على الإطلاق لسفري وحدي، لقد مشيت ليلا في بغداد وأشعر بأمان أكثر من بلدي، وبالتأكيد أكثر أمانًا من أميركا التي أقيم وأعيش فيها”.
وهناك مئات الشهادات من هذا النوع، شهادات متفرقة في الكتب والكتابات والفيديوهات، لو جمعت ستكون مجلدات عديدة.
شهادات كثيرة عن كرم أبناء العراق
من قرأ من اليمنيين والعرب مذكرات المناضل اليمني الراحل أحمد حسين المروني” الخروج من النفق المظلم ـ معالم سيرة ذاتية ”، والذي كان أحد أعضاء البعثة العلمية الأولى إلى العراق وجد الكثير من القصص المدهشة عن طيبة وكرم أبناء الشعب العراقي، فالمروني يروي تفاصيل وقصص عاشها بنفسه، وقد قرأته وفكرت في نشر بعض القصص التي تؤكد على ما نقول ففوجئت بأن أغلب الكتاب يتحدث عن كرم وطيبة أبناء العراق، وأحترت ماذا أنشر وماذا أدع ؟
وتأكد لي أن أي اجتزاء منه سيكون مخلا فكل قصة هي أروع من الأخرى، فهذا الكتاب حافل بالكثير من المواقف والتفاصيل الرائعة التي تؤكد مدى حب أبناء العراق لليمنيين، ولكل ضيف يصل إلى أرضهم.
كما حدثني الدبلوماسي عبد الوهاب العمراني ـ رحمة الله تغشاه ــ قبل وفاته بأسابيع عن ذكرياته في العراق في الثمانينات، وكيف كان الطالب اليمني يجد في العراق التعليم والسكن والتغذية وكل أنواع الدعم سواسية مع أبناء العراق كأنه ابن البلد؟!
هذا الدبلوماسي الراحل ما تذكر العراق إلا وتنهد من أعماق قلبه الذي يفيض بحب العراق أرضاً وإنساناً، لقد حدثني عنها الكثير من زاد من حبي لأرض الحضارات، وضاعف من شوقي لزيارتها بإذن الله.
يقول الرحالة واليوتيوبر الشهير جهاد حطاب في بودكاست ” بدون ورق” مع الإعلامي الكويتي فيصل العقل: ( قصة العراق قصة، سأقول لك شغلة: العراق هي الدولة الوحيدة في العالم التي زرتها وطلعت منها وما دفعت فيها ولا قرش ولا ريال ولا دينار.
هي الدولة الوحيدة في العالم عنجد التي ما رحت فيها على إي تي إم ” ما كينة صرافة نقود ” ما دفعت فيها ولا شيء.
في كل مكان كنا نروح عليه أيام كنا في العراق كانوا يستقبلونا وما يخلونا ندفع ولا شيء.
وهذه أول نقطة. ثاني شيء أنا عندما حكيت مع صديقي علي هناك ـ وهو صانع محتوى على الإنستغرام ـ قلت له:
ــ بدنا نصور فيديو واحد عن العراق.
قال:
ــ ما يضبط.
قلت له:
ــ طيب فيديوهين، خلينا نحكي بغداد مع كربلاء والنجف والبصرة كلهم مع بعض في فيديوهين.
تطلع إلي وهو مستغرب ثم قلت له: والشمال (الموصل وكردستان) لحاله فيديو.
فقال لي:
ــ أنت مجنون. أنت تعال العراق وما عليك، إذا ما طلعت بسبعة فيديوهات، أو سبعة فيديوهات أنا ما بعرف أي شيء.
فقلت: أوكي خلنا نشوف.
وكنت ناوي أصور فيديو واحد، لأني قلت: كيف بصور بكل مدينة فيديو؟
لأن هذه فيها قصص كثيرة، لأني إذا ما وجدت قصص بكل مدينة أجمع القصص في كل المدن بفيديو واحد.
والعجيب أن كل مدينة عراقية طلعت فيها بقصة.
فطلعت من بغداد بقصة ومن البصرة بقصة ومن مدن كثيرة قصص بقصص، ولسا في مدن كثيرة ما زرتها.
فالعراق تاريخ عريق تطلع من هذه البلد بسلسلة كاملة، ممكن عشر حلقات.
ويضيف جو حطاب: في العراق جربت أقوى فطور ي العالم ” القيمر “، انسى القيمر في بغداد، لما تروح على الأهوار وتجرب القيمر هناك وهو لسا طالع طازج شيء مختلف، أقوى فطور شفته بحياتي.
الأهوار رهيبة.
شعب طيب وكريم ومتابع للسوشيال ميديا.
العراق كانت مظلومة بسبب الحروب ولسنوات طويلة. والأجانب كانوا يعملوا فيديوهات ويكتبوا: العراق أخطر دولة وو ألخ.
فالعراق الآن تغيرت كثيرا وصار الكثير من صناع المحتوى يسافرون للعراق ويصورون فيها فيديوهات.
وهذا التجربة في كرم وطيبة أبناء العراق وجدتها عند الكثير من الأشخاص، وليس حالة خاصة بي لأني مشهور.
حتى في الفنادق ما طلبوا مني أي شيء في المقابل، لا طلبوا مني أنزل عنهم ولا أعمل لهم دعاية ولا ستوري، أو أكتب عنا ونزل اسمنا بصندوق الوصف، ولا ذكرتهم ولا شيء).
تجربة سائحة أمريكية في العراق
وتروي السائحة الأميركية باولي روجاس مغامرتها في السفر إلى العراق برفقة زوجها لوك هيتر حيث تقول: ( “كنت حقًا قلقة بشأن أمننا الشخصي عند زيارتنا للعراق، ونسأل هل سنتعرض للخطف أو التعذيب؟ هل يجب أن نخفي هويتنا ولا نقول للناس إننا أميركيون؟ هذه التساؤلات تلاشت عندما وضعنا قدمنا في هذا البلد، شعرنا بكمية الحب والاستقبال لنا، الكل يريد تقديم الخدمة لنا دون أي مقابل. شعرت أنني في بلدي الأم”، هكذا وصفت الأميركية باولي روجاس مغامرتها في السفر إلى العراق برفقة زوجها لوك هيتر.
وتقول روجاس إنها وزوجها كانا مترددين بشأن القدوم إلى العراق حتى اللحظات الأخيرة، ليقررا بعدها المغامرة والسفر، بعد تواصلهما مع عراقيين ورحبوا بهم لمساعدتهما في تسهيل رحلتهما.
وتضيف “كنا نتناول العشاء مع الشباب العراقيين حتى الساعة الثالثة صباحًا دون الشعور بالخوف أو الغربة، السفر إلى العراق لم يكن سهلا لولا مساعدة الناس المحليين لنا، سعادتي لا يمكن وصفها وأنا أتجول في مدن العراق وزيارة المناطق الأثرية والتاريخية، أنا مهتمة جدًّا بتعلم اللغات، لقد سمعت أن الكتابة الأولى انبثقت من العراق”.
وتكمل روجاس حديثها للجزيرة: “عندما تزور العراق وتدخل بيوت العراقيين، تشعر أنك صاحب المنزل وهم الضيوف عليك، هذا ما قيل عن كرم العراقيين. حقًا إن الكرم صفة موجودة حتى في جيناتهم الوراثية. وما أعجبني حقا هو أن الشعب العراقي ينظر إلينا بعيون الضيوف لا بعيون حكومة البلد الذي ننتمي إليه، إنهم فقط يرغبون بتقديم المساعدة والاطمئنان علينا إذا كنا بحاجة إلى مساعدة. كم ذلك رائع، السياسة لا علاقة لها بالناس إطلاقًا. فالناس للناس”.
وهذه مجرد نماذج لطيبة وكرم الشعب العراقي ورقي تعامله، كيف لا وهو ابن حضارة علمت العالم، وكيف لا وهو ما يزال يعاني من آثار الغزو وتداعياته، فإذا كان هذا هو الواقع بكل هذا الجمال والروعة فكيف سيكون المستقبل؟!
نتمنى للعراقيين كل الخير والاستقرار والتنمية والرفاهية.
مجرد تحية يمانية ستتبعها تحايا وهدايا.
2024-10-17