مستقبل العالم ما يزال فى يد أمريكا!
جميل مطر
ما الجديد فى هذا العنوان؟ ألم يلق العالم بنفسه فى أحضان أمريكا منذ أن اقتربت نهاية الحرب العالمية الأولى وانعقد مؤتمر فرساى وصدور إعلان الرئيس وودرو ويلسون بنقاطه الأربعة عشر؟ ألم تتأكد البشرية من أن مستقبل العالم عاد ليضع نفسه فى يد أمريكا التى سرعان ما انضمت إلى معسكر الحلفاء فى أعقاب الهجوم على بيرل هاربور، وعلى الفور راحت تحارب فى جبهتين، جبهة القتال وجبهة مفاوضات لبناء نظام عالمى يحل محل النظام الذى انتهى بالعالم إلى حرب عالمية ثانية. وضعت أمريكا أثناء الحرب أسس نظام القطبين ودافعت عنه إلى أن أفلس وانفرط بدون حرب فقام نظام القطب الأوحد. قادت العالم منفردة ولكن محتفظة بالأسس المؤسسية التى أرستها خلال الحرب العالمية الثانية. بقيت الأمم المتحدة وكافة أجهزتها تعمل خلال مرحلتى القطبين والقطب الأوحد. تصرفت أمريكا ضمن إطار الشرعية الدولية فى قضايا عديدة وتصرفت ضد هذه الشرعية فى قضايا أخرى أشهرها غزو واحتلال العراق، الدولة المستقلة ذات السيادة.
-
• •
من حيث الشكل ما تزال الولايات المتحدة تقود العالم منفردة وفى الوقت نفسه تدير منافسة اتخذت فى بعض مراحلها طابع الشراسة. بدأت المنافسة متدرجة فى عصبيتها عندما تأكدت أمريكا والعالم بأسره أن الصين حققت، ومستمرة فى تحقيق، درجات متصاعدة من التفوق الاقتصادى والاستقرار السياسى والسمعة الدولية وبخاصة فى علاقاتها بالدول النامية وباحترامها ميثاق الأمم المتحدة ومواثيق المؤسسات الأخرى التابعة للمنظمة الدولية، الاحترام الذى شفع لها لدى مختلف الدول الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة لتنضم لمنظمة التجارة العالمية ولتزداد انطلاقا. لم يحدث فى أى مرحلة مبكرة من مراحل هذا الصعود أن وجهت الصين من جانب أمريكا بمواقف عدائية أو معرقلة لهذا التفوق. بمعنى آخر كانت الولايات المتحدة، وهى القطب الأوحد والقائد للنظام الدولى، تدعم الصين فى مرحلة لعلها كانت الأهم والأشد حرجا فى مسيرة الصعود إلى مصاف القمة.
-
• •
اللافت للانتباه فى هذه المسيرة أن الولايات المتحدة كانت مدركة لحقيقة تاريخية وهى حتمية الصدام بين قوة قائمة وقوة صاعدة. أدركت هذه الحقيقة مع الصين ولم تعترض مسيرة صعودها. قيل فى تفسير هذا الموقف المخالف للحقيقة التاريخية أن أمريكا كانت فى حاجة لتتعاون مع قوة صاعدة لتستفيد خاصة وأن كلا منهما سوقا هائلة للآخر. أما عن الحقيقة التاريخية فقيل إنها غابت أو غيبت بتأثير الثقة الزائدة التى تضخمت فى ثنايا العقل السياسى الأمريكى لطول المدة التى قضتها واشنطن تقود النظام الدولى منفردة فى حقيقة الأمر أو بمشاركة فى الغالب رمزية من جانب القطب السوفييتى. لست غافلا عن أن هذا العقل الأمريكى ربما كان محملا بمشاعر عنصرية قوية أو ضئيلة ضد الآسيويين عموما وبخاصة ضد الصينيين ففرض على عناصر الدولة العميقة فى أمريكا كما فى غيرها من عواصم الغرب الاستهانة بقدرة الحزب الشيوعى الصينى على قيادة أمة بهذا الحجم فى مسيرة هكذا خطيرة ومكلفة، وفى الوقت نفسه لست غافلا عن أن وجود هذه المشاعر العنصرية يقلل من القدرة على التقدير السليم لقوة الخصم المنتمى لعنصر أو جنس آخر.
-
• •