على حملها..أعينوني..!
انتصار الماهود
هي أم أبيها وريحانته، أنيسته ووحيدته، سيدة نساء العالمين في الأولين والآخرين، من كرمها الله وحباها بمنزلة لم تسبقها أي إمرأة قبلها وبعدها، من يغضب الله لغضبها، ويرضى لرضاها، هي أم الحسن والحسين، هي المظلومة المسلوب حقها، هي الحزينة المكسور ضلعها، هي الفاقدة لأبيها والفاقدة لجنينها، مولاتي فاطمة بنت محمد صلوات الله وسلامه عليها.
لقد تحملت مولاتي الزهراء عليها السلام مسؤولية عظيمة، مع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بعد رحيل والدتها مبكرا بعمر السادسة فقط، كانت تساند أباها وتخفف عنه أحزانه بفقد أمها سيدتنا خديجة الكبرى عليها السلام، ولا يخفى على الجميع رغم طمس الحقائق وتشويهها من الأقلام المأجورة، ما مرت به مولاتي الطاهرة المطهّرة بالأحزان في حياتها، فكانت نِعم المؤمنة الصابرة المحتسبة ونِعم الزوجة المساندة لزوجها في كل وقت.
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حزنت الزهراء أمنها عليها السلام حزنا شديدا، وهي ترى من حولها ومن كانوا يحسبون من المقربين، بالإنقلاب على حق زوجها بل وغصبوا إرثها وكسروا ضلعها وقتلوا جنينها وتطاولوا على مكانتها العظيمة.
لقد دافعت مولاتي الزهراء عليها السلام عن حقها وحق زوجها وكانت تذكرهم دوما بذلك، لكن مولاي علي عليه السلام طلب منها الإعتصام بالصبر والصمت حفاظا على الاسلام، ولكي لا تنشق عصا المسلمين، وهكذا سكتت الزهراء عليها السلام لكنها غاضبة أشد الغضب على العصابة الغاصبة،
حتى رحلت عن الدنيا وطلبت بوصيتها أن تدفن سرا ليلا كيلا يقف على قبرها ويسير في جنازتها من غصب حقها، ولم يعرف لها قبر ولم يتم تحديد تأريخ لإستشهادها،
هل هو 8 ربيع الأول أم 13 جمادي الأولى أو 3 جمادي الثانية، وكأن الله تعالى أراد بذلك أن يبقى المؤمنون يتذكرون حقها و مظلوميتها دوما ومن كان السبب بذلك.
لنتحدث قليلا عن شيء مهم عدا حزننا على أمنا فاطمة الزهراء عليها السلام، علاقتها بعلي عليه السلام، وكيف كانت تلك العلاقة التي بنيت على حب عظيم وتقدير كريم، حيث قال علي عليه السلام عن حبها، ( أحببتها حبا عظيما، ما رأيتها يوما الإ وذهب الهم الذي كان في قلبي، والله ما أغضبتها قط ولا أبكيتها قط ولا أغضبتني يوما ولا آذتني يوما).
لقد كانت العلاقة بينهما علاقة زواج وشراكة أسرية مثالية، فهي إتحاد رباني نوراني روحاني قبل أن يكون إتحاد جسدي دنيوي، وكان زواجهما مثالا وقدوة يحتذى بها للسير على نهجه في العلاقات الأسرية السليمة للأسر المؤمنة التي يجب أن تسير عليها.
فقد ضرب الإمام علي عليه السلام مثالا عظيما، للزوج المحب المتعاون المربي لأولاده والحريص على أسرته، وضربت لنا مولاتي الزهراء عليها السلام مثالا للزوجة المؤمنة حسنة التبعّل الحافظة لنفسها و أسرتها وأولادها ودينها، علاقة عظيمة يجب أن تدرس في وقتنا هذا من أجل تصحيح مسار الأسر المؤمنة الشيعية، والتي نراها مع الأسف قد أخذت منحى غريب ومختلف عن المسار الذي أراده الله تعالى، خاصة في وقتنا هذا.
لقد كان للزهراء عليها السلام عظيم الأثر في قلب علي عليه السلام، حتى أنه حين أراد حملها ليدفنها قال: (أعينوني على حملها)، تخيل أن من قلع باب خيبر وحده ومن قاتل الجن و مرحب وعمر، لا يستطيع حمل جنازة زوجته وحبيبته ورفيقة روحه، ( أي مصيبة وقعت على قلبك يا حيدرة وأنت ترى رفيقتك وزوجتك يظلم حقها، ويكسر ظلعها وتستشهد وتفقد جنينها، ولا تستطيع أن تأخذ ثأرها كيلا تشق عصا الإسلام وتكون السبب في فرقتهم وتشتت أمرهم) أعانك الله مولاي أبا الحسن على تلك الرزية العظيمة.
حين دفنها علي عليه السلام قال:( فبعين الله تدفن إبنتك سرا، وتهضم حقها ويمنع إرثها، ولم يتباعد العهد، ولم يخلق منك الذكر، والى الله يارسول الله المشتكى، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء)،
إن الإنسان ليتعب قلبه حين يتعلق الأمر بمن يحب، وليس هنالك شيء يؤلم القلب سوى مفارقة الأحبة صدقوني، هنالك تبقى تلك الغصة في القلب والدمعة في العين، والحسرة في النفس على من نفارقهم ولا نعرف سبيلا للوصول إليهم، كيف نصل لمن ودعناهم وأصبحوا تحت الثرى، ولا شيء بيدنا سوى الصبر وأمل اللقاء بهم في الحياة الآخرة وأن يشملنا ويشملهم الله بعطفه ورحمته.
علاقة عظيمة ورسالة مهمة أراد الله تعالى تمريرها لنا، فبرغم أن مولاتي الزهراء كانت بنت نبي، فهي لم تكن في بيت زوجها منعمة مترفة، بل كانت تعيش حياة الزهد والعبادة والبساطة، وتدير شؤون بيتها وحدها بمساعدة زوجها عليها السلام وكان علي عليه السلام.
نعم الزوج المساعد المتعاون، وهكذا يجب أن تكون العلاقة الزوجية فلا تدعوا حب علي وفاطمة عليهما السلام، وأنتم لم تسيروا على نهجهم وتتبعوا سبيلهم بكل تفاصيل حياتهم، كونوا لهم عونا وليس عليهم.
عظم الله لنا ولكم الأجر بذكرى إستشهاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
2024-11-17