“طوفان الأقصى” يؤكد مقولة ماركس!
علي بن مسعود المعشني
“كارل هانريش ماركس، فيلسوف وناقد للاقتصاد السياسي ومؤرخ وعالم اجتماع ومُنظِّر سياسي وصحفي وثوري اشتراكي ألماني، درس القانون والفلسفة في جامعتي بون وبرلين، وتزوج عام 1843م من الناقدة المسرحية والناشطة السياسية الألمانية جيني فون ويستفالين. وُلد في 5 مايو 1818م، في ترير بألمانيا، وتوفي يوم 14 مارس 1883م، في لندن، بالمملكة المتحدة”. (ويكيبيديا)
لا شك أنَّ كارل ماركس شخصية غنية عن التعريف، ويحتاج للحديث عن شخصه فقط عددًا من المقالات، ناهيك عن نتاجه الفكري الغزير في شتى صنوف المعرفة الإنسانية التي اكتسبها بالتعليم النظامي والتعلم الشخصي عبر القراءات والتأمل والتدبر كغيره من رجال الفلسفة والفكر، ولكن ما يُهمنا هنا هو التركيز على مقولته الشهيرة الشائعة والمنسوبة إليه “الدين أفيون الشعوب”، غير أنَّ المقولة الحقيقية المُكتملة “الدين أفيون الشعوب، وارتقاء التاريخ”، وعلاقة عبارته الأخيرة والحقيقية بتفاصيل طوفان الأقصى اليوم.
قصد ماركس أنَّ الدين بعمومه سلاح ذو حدين؛ فحين يُوظَّف الدين بقيمه وعمق مقاصده لاستنهاض المُجتمعات والشعوب يمكنه تحقيق ما يُشبه المُعجزات، وفي المُقابل حين يُوظَّف الدين بشقه الشعائري المنزوع من المقاصد والقيم يتحول إلى أفيون حقيقي، ويستمرئ مُعتنقيه كل ذلٍ وهوانٍ تحت عنوان “القضاء والقدر”! وفي التاريخ الإنساني الكثير من القصص والتجارب لشعوب مختلفة، بعضها تسلح بقيم الدين ومقاصده الحقيقية فارتقى، وبعضها تسلح بقشور الدين فخدَّر عقله وقلبه.
ومن ضمن أفضال “طوفان الأقصى” اليوم- التي لا تُحصى- هو فرزه بين فئة تسلَّحت بأصول الدين ووعد الحق- تبارك وتعالى- فانتصرت، وفئة تستَّرت بالدين ونقَّبت في سيرته عن كل مثلبة ونشاز وسوَّقت له لتخدير أتباعها بالدين، وجعلت من الدين أفيونًا حقيقيًا للشعوب. ومن جزَّأ مقولة كارل ماركس واختزلها في شطرها الأول “الدين أفيون الشعوب”، أرادَ النيل من الدين بعمومه ومحاربة التديُّن أيًا كان شكله وهويته، كمَّن جزَّأ آية “ويلٌ للمصلين”، بينما من خذل فلسطين والحق العربي التاريخي فيها وبرَّر للعدو احتلاله وتنكيله وجرائمه، طبَّق على الأرض الشطر المبتور من مقولة ماركس، وحقق على الأرض مقاصد أعداء الدين.
لم تكتفِ “اللينينية” بتسويق الشطر المبتور من مقولة ماركس، والتي هوَّلها الغرب لاحقًا في فصول ما عُرفت بـ”الحرب الباردة” بين المعسكرين الشرقي الاشتراكي والغربي الرأسمالي؛ بل غلَّفَت نفسها بالكثير من نظريات ماركس حتى أفقدته العلمية والاعتدال والعقلانية في الكثير من طرحه ونتاجه الفكري، خاصة عند شريحة ممن يقرأون بأسماعهم.
العقيدة القتالية الصلبة لدى فصائل المقاومة اليوم والتي أذهلت العدو ورعاته في جميع المُنازلات، تحوَّلت إلى خانة الضد النوعي للكيان الغاصب وسردياته البالية بأحقيته التاريخية في فلسطين، وتستره خلف التوراة والدين، رغم أنَّ الصهيونية في حقيقتها حركة وضعية دنيوية ناكرة للدين، تشكَّلت من غُلاة المسيحيين الإنجيليين وغُلاة اليهود، والديانتان منهم براء.
وفي سياق غير مُنفصل للحديث عن ماركس، يُحكى أنَّ أحدهم عاتب عبدالخالق محجوب زعيم الحزب الشيوعي السوداني عتابًا قاسيًا على “اتِّباعه” فكر ماركس وهو ابن زاوية صوفية؛ حيث ردَّ عليه محجوب بكل ثقة وهدوء وبلكنة سودانية عميقة: “أنا ما ماركسي، ماركس هو اللي مُسلم”.
قبل اللقاء.. يقاتلوننا بالتوراة المُحرَّفة والصهيونية الجامِحة، ونُقاتلهم بالذكر الحصين الذي لا يأتيه الباطل، فيتحقق الوعد الصادق. والله غالب على أمره…
وبالشكر تدوم النعم.
2024-10-29