طارت الغربان وإستقرت الافاعي..!
انتصار الماهود
بين ليلة وضحاها سقط الأسد وغادر عرينه خلسة، بعد قرابة الربع قرن من حكمه إنتهى حكم حزب البعث في سوريا، وبالطبع إنقسم الشارع بين مؤيد ومعارض لخروج الأسد بهذه الطريقة الباهتة، وتخليه عن كل شي وهروبه لجهة لم تكن معلومة أول الامر.
لم تكن جذور الأسد في سوريا قوية بل كانت تتأرجح بين الثبات والإقتلاع، ربما لم يكن حكم البعث الأفضل، بل كان يصنف حكمه بأنه من الأنظمة العربية الديكتاتورية في المنطقة مثلهم مثل حكم البعث في العراق، لكن سوءه لا يقارن بالنظام الذي إختاروه كبديل للأسد، والذي حضرت وطبخت له أمريكا وقدمته تركيا بمعيتها.
تخيل أن يتم إستبدال نظام البعث بنظام إرهابي ينادي بتكفير الجميع وقطع رؤوس من يخالفه، هو من سيحكم سوريا في المرحلة القادمة والأدهى والأمر أن هذا النظام ليس سوريا أبدا، بل هو نظام متعدد الجنسيات يضم الشيشاني والأفغاني والأوزبكي والتركمستاني والسعودي والصهيوني وغيرهم)، هل عقمت نساء سوريا عن إنحاب معارضة وطنية حقيقية ليكونوا للأسد بديلا؟!
السؤال الذي حير العلماء ولم يحيرنا هو ما الذي ساعد على سقوط الأسد خلال أيام بعد أن عجزت محاور عن إسقاطه بهجمات إستمرت طوال 13 عاما؟!، من يتابع الوضع لا يستغرب الأمر أبدا فالعوامل الخارجية والداخلية تراكمت، وهي من ساعدت على إسقاطه بهذه السرعة.
لا ننسى الدور الذي لعبته الإمارات آخرا لكنه يذكر أولا، فهو كقطعة الدومينو الأولى التي تتابعت بعدها سقوط باقي القطع، فقد أثر التدخل الخليجي على قرارات الأسد خاصة، بعد التطمينات التي منحت له مقابل التنصل عن عن محور المقاومة، وعقد تحالفات جديدة في المنطقة بخارطة جديدة ونفوذ جديد،(ما يدري المتغطي بيهم عريان) وسيتركونه أول ما ستسمح لهم الفرصة.
كما لا ننسى أن نذكر الدور التركي وما أدراك ما لعبة الشيطان هذه ودورها بسقوط الأسد، وحلمها بدولتها العظمى على حساب سوريا والعراق، وإعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية الغازية، كما لا ننسى دورها في إحتضان المعارضة والإرهابين والمقاتلين الأجانب، الذين سمحت لهم بعبور حدودها وإجتياح شمال سوريا،
كما لا ننسى لعبها بورقة اللاجئين، فتركيا لوحدها إستقبلت 2 مليون لاجيء سوري منذ عام 2012، كان لهم الفضل في إنعاش حركة إقتصادها الداخلي والخارجي، لكنها واجهت في السنوات الأخير سخط وغضب داخلي من التواجد السوري ومزاحمتهم لمواطنيها بكل شيء، وحاولت الحكومة التركية إيجاد حل لمسألة التواجد السوري و إستطاعت التحكم بهذه الورقة، وقد أجادت إستعمالها، فسقوط الاسد تعني عودة اللاجئين والتخلص من عبئهم.
أما الجانب الأمريكي فالموقف منذ أيام أوباما كان متذبذبا، عندما هدد بإستخدام القوة ضد إنتهاكات الأسد للقانون الدولي، والذي إستخدم أسلحة محرمة في حرب أهلية ولم ينفذ تهديده بالطبع، فالجمهور الأمريكيّ كان سيعترض على إيجاد مصدر ألهاء جديد في الشرق الأوسط ينهك القوات الأمريكية، لذلك لم يكن ليركز في سوريا، كذلك كان حال خلفه ترامب ثم بايدن والذي كان جل همه تأمين أمن إسرائيل بمعزل عن رؤية واضحة لمصير سوريا.
هذا فسح المجال ليقوى دور روسيا التي أنشأت لها قواعد في الشمال السوري، واعادت نوعا ما توازن القوى بينها وبين أمريكا، وإستطاعت تحجيم دورها في سوريا وتحركاتها، كذلك سمح الإنشغال الأمريكي لدول المحور من الإستفادة من هذا الوضع، لتقوي ذراعها في سوريا وتقوي خط الدعم والمدد اللوجستي والعسكري لجنوب لبنان عبر الأراضي السورية.
ربما البعض منكم سيشكل هذا التصرف على دول المحور ولم تمد يدها بيد نظام بعثي، لكن من الأولى أن تتفق معه المحور الصهيو أمريكي أو سوريا أم تبقى بعزلة مع دولة مهمة جيوسياسيا بالنسبة لمحور المقاومة الشيعي، والجميع يعرف ما لسوريا من أهمية، وأن هنالك نسبة لا يستهان بها من السكان من الطائفة الشيعية،
كذلك وجود مرقد العقيلة زينب عليها السلام، وهذا الأمر يستوجب أن تكون هنالك علاقات مستمرة مع نظام الأسد، للحفاظ على المرقد وضمان سلامة الشيعة هناك.
ولا يخفى على الجميع خطورة الوضع في فلسطين، وإنعكاس هذا الخطر على دولة مثل لبنان، لذلك الأوجب أن لا تترك لبنان وحدها بمعزل بل يجب تأمين ممر آمن لدعمها عبر سوريا.
أما العوامل الداخلية فكان النظام السوري يلفظ أنفاسه الأخيرة سياسيا وأمنيا وإقتصاديا، ولم يستفد الأسد من الدعم والإسناد الذي وفرته له دول المحور الشيعي كي يغير سياساته تجاه شعبه.
فقد كانت سوريا تعاني من إنهيار وتضخم في عملتها وكساد إقتصادي وقلة توفر فرص العمل، بلد أنهكته الحرب الإرهابية والأهلية ل 13 سنة، لايوجد تعديل حكومي ولا دستوري، ليغير من سياسات النظام الحاكم ولو قليلا فوارق طبقية وإضطهاد لفئات داخل المجتمع السوري، عدم الجلوس مع المعارضة سواء داخل أو خارج سوريا لمعرفة ما الذي يريده الشعب، وهي نفس غلطة المقبور صدام حيت أخذته العزة بالإثم وحارب شعبه أيما حرب، وإستخدم النظامان الحديد والنار كي يحكمان حتى تمت إزاحتهما.
بعد تخليه عن محور المقاومة وتوجهه نحو محور التطبيع الذي تقوده الإمارات والسعودية، واللذان تخليا عن الأسد بأقرب فرصة سنحت لهما، بعد ضمانات( الزرازير) له بالبقاء في السلطة تبخرت تلك الوعود وبقى الأسد وحيدا، ولم يجد له غير روسيا ملجأ لعائلته التي غادرت قبله للأراضي الروسية .
لقد رحب المجتمع الدولي بالتغيير الحاصل وتخلي الأسد عن السلطة بهذه السهولة، ودعا المجتمع الدولي لعدم التدخل في الشأن السوري الداخلي، والحرص على أن يتم إختيار قيادة سورية وطنية تقود البلاد للمرحلة القادمة، وعدم الإنجرار للحرب الطائفية وتصفية الحسابات بين المواطنين.
كلام جميل جدا لكن هل من الممكن تطبيقه في ظل من مسك بالسلطة، وهو تنظيم إرهابي متعدد الجنسيات، كيف سيكون شكل الحكم هل ستكون(هيئة تحرير الشام)، هي الحاكمة وستعود سوريا لعهد الخلافة وقطع رقاب المخالفين كما حدث في الفترة ما بعد عام 2011، أم سيكون الحكم أخونجيا بالظاهر تركيّا من الداخل، وستتلاعب تركيا بمن سيمسك زمام السلطة لتنفذ مخططاتها ومطامعها في سوريا؟!
ربما سياتي للحكم شخصية من معارضي الداخل أو الخارج، والذين تم إعداده مسبقا من قبل المحور الصهيو أمريكي ليكون هو الصورة اللطيفة الديمقراطية للمعارضة، لتنجح أمريكا في تفكيك أذرع المقاومة الشيعية وعزل لبنان بصورة كاملة عن باقي المحور، وتحييد دور سوريا بشكل كامل في مسألة الدعم اللوجستي، وها قد لمسنا ذلك عبر ضربات الجيش الصهيوني لكل القواعد العسكرية في سوريا، وتحييدها بشكل كامل خوفا من الأسلحة الموجودة فيها ولتقطع كافة الإمدادات عن جبهة جنوب لبنان.
ربما سينزع الإرهاب ثوبه بشكل مؤقت ويرتدي جلباب الإعتدال، ليوهم الناس في سوريا بأن حكمهم الأفضل من باقي المرشحين الطامعين، لا نعلم فالسيناريوهات المعدة كثيرة لتولي الحكم في سوريا والغلبة للأقوى فيها.
بالنسبة لي لا أتمنى أن يعاني الشعب السوري كما عانينا نحن في 2014، ولا يمرون بما مررنا به من سيطرة التّنظيمات الإرهابية على مناطق واسعة من العراق، فسوريا لا تمتلك درع عقائدي قوي مثل الحشد الشعبي، وجيشها منهك و منهزم لن يستطيع أن يستعيد تنظيمه، كما أعاد الجيش العراقي تنظيمه ووقف بوجه غربان الإرهاب،
ولا يوجد عاقل يستطيع أن يأمن لما حدث في سوريا وإنعكاساته على دول الجوار، والوضع الإقليمي بالطبع فكل ما يحدث في دولة مجاورة سيؤثر بالدول الأخرى على صعيد العلاقات الدولية والتحالفات، أما داخليا فوضع العراق مستقر وآمن ولن تمسه يد الإرهاب مرة أخرى.
2024-12-11