ضربات الذكاء الصيني تنهك أمريكا !
مصطفى السعيد*
ثلاث ضربات متتالية تلقتها شركات الذكاء الإصطناعي الأمريكية العملاقة من صدور تطبيقات صينية خلال أقل من أسبوع، وكان أولها الضربة المفاجئة التي أطلقتها شركة ديب سيك الصينية الناشئة، وتسببت في خسائر أسهم شركات الذكاء الإصطناعي العملاقة بأكثر من ترليون دولار، حظت شركة أنفيديا بالقسط الأكبر من الخسائر، لأن تطبيق الشركة الصينية ينافس أحد تطبيقاتها، وخسرت في يوم واحد 600 مليار دولار من تطبيق لا تزيد تكلفة إنتاجه عن 5,6 مليون دولار. وجاءت الضربة الثانية من شركة كيمي الصينية، التي أنتجت تطبيقا يؤدي مهام معقدة في مجال التعلم المعزز، واتخاذ القرار في الوقت الفعلي، ويحسن أداء الخوارزميات. ودخلت شركة علي بابا الصينية على خط الإصدارات، وأعلنت عن تطبيق قالت إنه يتفوق على ديب سيك الصيني ونظيره الأمريكي. ولم يكن ظهور هذه التطبيقات الصينية هو السبب في حالة الذعر التي انتابت شركات الذكاء الإصطناعي والتكنولوجيا الأمريكية، بل كانت من إنخفاض تكلفة إنتاج التطبيقات الصينية بفارق هائل، ومع ذلك كانت أكثر سهولة في الإستخدام، ولا تقل عنها كفاءة، ولها ميزات إضافية، وجرى طرحها مفتوحة أمام من يريد تنزيلها مجانا، وهو ما طرح أسئلة كثيرة حول جدوى التكلفة الهائلة التي تبذلها الشركات الأمريكية والغربية في إنتاج تطبيقات يمكن إنتاجها بمبالغ لا تكاد تذكر، وتأثير ظهور التطبيقات الصينية قليلة التكلفة على مستقبل وأسعار أسهم تلك الشركات، وهل بإمكانها أن تنافس تلك الشركات الناشئة، أم أن الأمر ليس أكثر من حالة إستثنائية طارئة؟
لا يمكن اعتبار ما حدث في أسواق شركات الذكاء الإصطناعي أمرا طارئا، بل حلقة جديدة في المنافسة الصينية الأمريكية في مجال هام وواسع، سيغير الكثير في أنماط الحياة، بل يمكن اعتباره ثورة صناعية جديدة، وكان بزوغ الصين واضحا في هذا المجال، بعد أن تمكنت من أن تصبح مصنع العالم، وأصبحت تنتج نحو ثلث الأوراق البحثية والإختراعات الجديدة، والأسرع في تنفيذها، وتستحوذ الصين على العدد الأكبر من الباحثين والمطورين في مجال الذكاء الإصطناعي، وسبق أن حاولت الولايات المتحدة ومازالت تحاول عرقلة التقدم الصيني، وكان تضييقها على شركة هواوي الصينية واحدة من محطات المنافسة التي خرجت عن الحدود المتعارف عليها، وتحولت إلى حرب فعلية، حيث اتهمتها بأنها تحاول إختراق الأمن القومي الأمريكي، وتصدر ضدها الكثير من العقوبات، وتضع أمامها العراقيل، ومنعت الشركات الأمريكية والغربية من إمداد الشركة بالشرائح الألكترونية لهواتفها، وتأثرت الشركة بالعقوبات والتضييق، لكنها فاجأت الجميع بإصدار نسخة من هاتف جديد يعتمد على شرائح ألكترونية صينية متطورة، لتعود مبيعاتها إلى الإرتفاع والمنافسة. كما منعت الولايات المتحدة تمديد شبكات الإنترنت الصينية من الجيل الخامس، بل حرضت وهددت دولا كثيرة إذا ما قبلت بتمديد شبكات الإنترنت الصينية، ثم بدأت سلسلة من إجراءات مماثلة ضد تطبيق تيك توك الصيني، وطلبت إما أن تشتريه أو تشارك في ملكيته أو تمنعه من الإستخدام، متذرعة أيضا بتهديده للأمن القومي، لكن الصين بيدها أيضا أوراقا قوية يمكنها استخدامها ضد الشركات الأمريكية، سواء بمعاملتها بالمثل في السوق الصيني الضخم والمتنامي بسرعة، أو بمنع أجزاء من الصناعات التي تحتكرها الصين أو تتميز فيها، وتوقف أو تعرقل شركات أمريكية وغربية، بل أعلنت عن التضييق في بيع خامات لا يمكن الإستغناء عنها في إنتاج الشرائح الألكترونية تملك الصين معظم تلك الخامات، أي أن الحرب أو التلويح بها يدور منذ سنوات. وكانت الصين تتعرض لحملة تشكيك في أن صناعاتها الجديدة والمتطورة جاءت نتيجة استنساخ أو سرقة نماذج غربية، خاصة أمريكية، لكن الواضح أن مرحلة الإستنساخ قد تجاوزتها الصين من زمن، وأصبح لها ركائزها في الإبتكار، بل احتلت المرتبة الأولى في الإبتكارات والإختراعات الجديدة، واستندت إلى جهد طويل في تطوير التعليم والبحوث وإرسال بعثات علمية في كل أنحاء العالم، لتنشيء بنية تحتية علمية قوية وواسعة، ولهذا نجد المنتجات الصينية تتفوق على مثيلاتها الأمريكية وبسعر أقل بكثير، ولهذا تربح السباق في إنتاج السيارات الكهربائية، وتركز حاليا على السيارات ذاتية الحركة، وحققت فيها أعلى تقدم. أما المفاجأة الصينية الأخطر والأكثر تأثيرا في السنوات المقبلة فهي التفوق في إنتاج الأسلحة التقليدية والجديدة، وظهرت باكورة الإنتاج الصيني من طائرات الجيل السادس، لتكون أول دولة تنتج طائرات بهذه المواصفات الفريدة، والتي أجبرت الولايات المتحدة على إيقاف مشروع إنتاج طائرة من الجيل السادس، عندما وجدت النموذج الصيني يطير، وبمواصفات تفوق النموذج الأمريكي قبل أن يولد، وأصبحت الصين القوة البحرية الأولى في العالم من حيث عدد السفن وقدراتها التسليحية، وظهرت طائرات مسيرة بمواصفات غير مسبوقة، منها الرادارية الشبيهة بأواكس، وأخرى تنطلق من غواصات تحت الماء، وقذائف كهرومغناطيسية وليزرية، ومن شان بيع الصين لأسلحة لا تقل تفوقا عن الدول الكبرى بأسعار أقل بكثير، وبدون شروط إذعان أن يغير من خرائط القوى في العالم.
في الأهرام
2025-02-04