سلسلة محاولات تبسيط بعض المفاهيم الإقتصادية – الجزء الرابع!
الطاهر المعز
الإقتصاد الإشتراكي
إن فكرة الثورة على الظُّلْم ومن أجل المُساواة قديمة، وتذكر الروايات التاريخية العديد من الأفكار والحركات التي تدعو إلى المُساواة بين البشر، ومن ضمنها ثورة المُستضْعَفِين والعبيد ضدّ الإمبراطورية الرّومانية بقيادة سبارتاكوس ( وُلِدَ حوالي 111 قبل الميلاد، وتوفي سنة 71 قبل الميلاد ) ويذكر التاريخ والأدب العربي مجموعة الشعراء الصعاليك التي تنهب الأغنياء وتوزّع الغنائم على الفُقراء…
يمكن تعريف الإشتراكية بأنها نظام سياسي واقتصادي شامل قوامه الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج من خلال تعاونيات أو مؤسسات تتم إدارتها بشكل جماعي، وتوزيع الإنتاج الجماعي على كافة السّكّان وفق جُهدهم ووفق حاجتهم، وتعود جذور الفِكْر الاشتراكي المُعاصِر إلى بعض مُنَظِّرِي وقادة الثورة البرجوازية الفرنسية سنة 1789 وما رافقها من التغيرات، ثم كتب كارل ماركس وفريدريك إنغلز البيان الشيوعي سنة 1848، أو اللبنات الأولى “للإشتراكية العلمية” ( مُقارنة بالإشتراكية الطوباوية) خلال نفس السنة التي شهدت الثورات الأوروبية، ثم كتب كارل ماركس كتاب رأس المال ( ثلاثة أجزاء، نُشر ثالثها بعد وفاة ماركس وأتمّ صياغته رفيقه إنغلز انطلاقًا من مسودات وملاحظات ماركس ومراسلاته معه) وناقش ماركس وفَنّد نظريات آدم سميث وما كتبه من مديح النظام الرأسمالي وارتفاع الإنتاجية، إذ اعتبر ماركس إن نمو الإنتاجية يتم على حساب العُمّال، كما نقد ماركس نظريات فائض القيمة لدى آدم سميث وريكاردو…
كما يمكن تعريف الإقتصاد الإشتراكي بأنه نظام يهدف إنتاج السلع والخدمات بهدف استخدامها مباشرة وحصريًّا، أي إنتاج ما يحتاجه المواطنون، خلافًا للنظام الإقتصادي الرأسمالي الذي يجعل الإنتاج هدفًا بذاته، ويُنتج السلع والخدمات من أجل تحقيق الربح.
ابتكرت التيارات التحريفية والدّيمقراطية الإجتماعية بدعة “اشتراكية السُّوق” أو “اقتصاد السّوق الإجتماعي” ( الصين أو سوريا زمن حكم حزب البعث والأحزاب الدّيمقراطية الإجتماعية الأوروبية…)
يتميز الإقتصاد الإشتراكي بالتخطيط المركزي وابتكار سُبُل استخدام وسائل الإنتاج وتنسيق إنتاج السلع والخدمات لتلبية الطلب مباشرة والقضاء على دورة العمل وأزمات الإفراط في الإنتاج التي تحدث نتيجة لاقتصاد قائم على تراكم رأس المال والملكية الخاصة لوسائل العمل والإنتاج، والقضاء على التناقض بين قُوى العمل ( قُوى الإنتاج ) ورأس المال، ويتميّز الإقتصاد الإشتراكي بوجود جهاز للتخطيط المركزي يُحدّد أهداف التنمية الإقتصادية وسُبُل تحقيقها والتحكم في إدارة وتسيير النَّشاط الاقتصاديِّ، وتم تطبيق الفكر الاشتراكيِّ وإقامة أول دولة تتبنى الإشتراكية في روسيا ( ثم الإتحاد السوفييتي) إثر الثَّورة البلشفيَّة سنة 1917، ويطلب النظام ( أو المجتمع) الإشتراكي من كل فَرْد تقديم الخدمات والجُهُود التي تتحمّلها طاقته مقابل حصول كل فرد على ما يحتاجه، والتّدرّج من مبدأ «من كل فرد حسب مقدرته ولكل فرد حسب مساهمته» إلى مبدأ «من كل فرد حسب مقدرته ولكل فرد حسب حاجته»، وبلوغ هدف تلبية احتياجات الأفراد ( المادّيّة والمعْنَوية والثقافية ) والمجتمع، ومُشاركة الجميع في عملية الإنتاج وتنمية الموارد الاقتصاديَّة، وفق مبدأ مركزيَّة التَّخطيط، ولا مركزيَّة التَّنفيذ، ووفق مبدأ الإجابة على الأسئلة التالية: ماذا نُنْتِجُ وكيف نُنْتِج ولمن نُنْتِج، خلافًا للنظام الرأسمالي الذي يجعل من الإنتاج هدفًا بحدّ ذاته، لأن النظام الإشتراكي شكّل انتفاضة ( وثورةً ) ضد النظام الرّأسمالي القائم على الإستغلال والظُّلْم وعلى تجميع السّلطة السياسية والمالية لدى فئة صغيرة من المجتمع، وعلى اتّساع الفجوة الطبقية بين العُمّال والرّأسماليين وبين الأثرياء وأغلبية أفراد الشّعب…
صاغ هنري دي سان سيمون (Claude-Henri de Rouvroy, comte de Saint-Simon – 1760 – 1825 )، مؤسس الاشتراكية الطوباوية، مصطلح الإشتراكية كنقيض للفَرْدِيّة التي تأسّست عليها “اللِّيبرالية” التي تُهمل مشاكل الفقر والظُّلْم والإضطهاد وزيادة عدم المُساواة في المجتمع، ثم تأسّست الجمعية الدولية العمالية بلندن سنة 1864 ( بمشاركة كارل ماركس وفريدريك إنغلز اللّذَيْن شَرحا فكرة الإشتراكية في كتاب “البيان الشيوعي” الصّادر سنة 1848) وعُقد أول اجتماع للجمعية الدّولية العُمّالية سنة 1865، وجمعت العديد من التيارات الإشتراكية الطوباوية والفوضوية والإشتراكية العِلْمية الخ، وتم توحيد معظم التيارات ( باستثناء اللاسلطويين) بمناسبة تأسيس الجمعية الدّولية الإشتراكية الثانية سنة 1889، بمناسبة مائوية الثورة الفرنسية، بمشاركة 384 مندوباً يُمثلون ثلاثمائة منظمة من عشرين دولة 300 وانتخب فريدريك أنغلز كرئيس شرفي خلال المؤتمر الثالث سنة 1893…
أعادت الأزمة المالية ( 2008) الحياة إلى الفكر الإشتراكي، ونشرت مجلة تايم مقالاً عن إعادة التفكير في منهجية ماركس ووضعت صورة كارل ماركس على غُلاف النسخة الأوروبية، بمناسبة مؤتمر دافوس للأثرياء سنة 2009، وأنجزت شبكة الإعلام البريطانية “بي بي سي” سنة 2009، استطلاعًا عالميًّا للرأي شمل 27 دولة ( بمناسبة مرور عشرين سنة على انهيار جدار برلين) وكانت النتيجة إن 23% من المستطلعين يعتقدون أن الرأسمالية بها أخطاء قاتلة ويجب اللجوء لنظام سياسي آخر، ويعتقد 40% من سكان فرنسا و50% من سكان الأمريكيين أن الرأسمالية خلقت مشاكل يمكن أن تُوجه وتُصلح.، وتعتقد أغلبية السكان في 22 دولة من أجمالي 27 شملها الإستطلاع تأييد توزيع الحكومات الثروة بالتساوي بين الناس
2025-04-16