سلام التسامح وفقه الأخلاق ..!
بقلم الشيخ حسين أحمد شحادة
ربما يقال إن حوار المعرفة والتعارف داخل الأسرة الدينية الواحدة من شأنه أن يحرر الفكر الديني من نزعات التطرف والقطيعة والعداء بالعودة إلى الينابيع الصافية للدين، غير أن الجانب الأخطر من مشكلتنا الحضارية اليوم تبدو ملتبسة على مستوى الواقع العالمي بمأزق التنازع بين نظام القيم ونظام المصالح الأمر الذي يملي علينا تصعيد الحوار المسيحي- الإسلامي من مستوى حوار التعارف إلى حوار الشراكة والتعاون إزاء هذا التحدي الذي يهدد المسيحية والإسلام معاً على أرض منبتهما الحضاري.. وفي غياب علم التفسير الاجتماعي للقرآن لم نلتفت إلى دعوة القرآن إلى حوار التآزر وحوار التناصر وحوار التعاضد بين أبناء الأمة الواحدة واللغة الواحدة والتاريخ الواحد والدين الواحد وفي إضاءة قرآنية اعتبرت أن إهمال هذا المستوى من الحوار سيهدد العالم بكارثة عظمى وفتنة أعظم بصريح قوله تعالى: ( إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
وتراني أصرخ بملء فمي: مثل الذين حملوا التوراة وحملوا الإنجيل وحملوا القرآن ثم لم يحملوه.. ألم نقرأ في القرآن تلك الفاصلة بين مفهوم الخصم ومفهوم العدو.. إذن لمّا يصر المتكلمون باسم الدين على محو تلك الفاصلة فيعتبرون أن كل خصم هو العدو المبين؟..
ألم نقرأ في القرآن أن فقه الأخلاق هو أسمى وأقرب للتقوى من فقه القانون والشريعة فلماذا ينتصر المتكلمون باسم الدين لما ضاع من الشريعة ولا يرمش لهم جفن، ينتصر لما يستباح من فقه الأخلاق وفقه الإخاء وفقه المحبة وفقه التسامح..
ألم نقرأ في القرآن بوجوب التزام العدالة مع الناس كل الناس بمعزل عن ألوانهم وانتماءاتهم السياسية والدينية بصريح قوله سبحانه: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) فعلامَ إذن نفصّل للعدالة قمصاناً على قياس أهوائنا ومحازبينا وعشائرنا والقرآن صارخ بنا ولا تزر وازرة وزر أخرى؟
ألم نأخذ بشدة وصرامة على الجاهلية الوثنية نزعات الثأر والانتقام وسفك الدماء ووأد البنات فماذا نقول اليوم عن جاهليات مستترة باسم الدين تستبيح القتل العشوائي باسم الدين، وفي حديث للإمام علي بن موسى الرضا (ع): «لو أن رجلاً قتل في المشرق فرضي بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله عزّ وجلّ شريك القاتل..».
ألم نقرأ في القرآن (يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
هل الأزمة في التدين هي أزمة استنساخ للدين التاريخي مع تغييب كامل للدين الإلهي..؟ وهل أزمة التدين هي أزمة قراءة للنصوص الدينية أم أنها أزمة استغلال وتزوير لتلك النصوص أم أنها أزمة صدقية واستقامة والتزام بالجوهر من معنى الدين وروح الدين؟ فرب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه فلماذا إذن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض؟
ألم نقرأ في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- «كم من دم سفكه فم..» «رب كلمة خرجت منك فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام وانتهب بها المال الحرام وانتهك بها العرض الحرام..».
هل أضعنا فقه محمد صلى الله عليه وسلم وهو القائل الصادق الأمين: «إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة»«لا تنازعوا الله في أمره» «لا تلعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بالنار..»، «ليس منا من دعا إلى عصبية». ولمن شاء أن يقرأ المحبة بلغة محمد فليصغِ إلى صريح دعوته بأن مشروع الهداية الدينية هو مشروع لمخاطبة العقول والقلوب وليس ميداناً لمبارزة المخالب والغرائز، فيقول صلى الله عليه وسلم عن استصلاح الأعداء – استصلح عدوك بحسن المقال وجميل الأفعال – «وإياكم والخصومة في الدين فإنها تكسب الضغائن».
2025-05-07