سباق المسافات الأخيرة!
عمار يزلي
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في أمريكا، تتسارع وتيرة البحث عن تضييق الفجوات بين الحزبين، لاسيما للديمقراطيين المتورطين حتى النخاع، في كل من غزة ولبنان والرد المحتمل المنسق على إيران. تضييق الفجوة بعد أصداء عن فقدان معتبر في أصوات محتملة للمرشحة الديمقراطية لصالح الخصم الجمهوري المشاكس اللدود.
هذا السراع، ما كان ليكون، لولا المقاومة الشرسة التي تبديها الفصائل في شمال غزة المدمرة وجنوبها، التي تخرج من تحت الرماد كالعنقاء كل يوم لتكبِّد جنود العدو وآلياته خسائر يومية مؤلمة، وما تتكبّده أيضا على الحافة الشمالية مع حدود الكيان المصطنعة المحتلة مع المقاومة اللبنانية، يضاف كل هذا إلى الإيلام العنيف الذي تُحدثه المسيَّرات والصواريخ في قلب كيان العدو المحتل. مقاومة شرسة، تخشى الإدارة الأمريكية أن تجرَّ المنطقة كلها إلى حرب واسعة، وهي في قلب انقلاب موازين القوى لصالح المرشح الجمهوري. صراع سياسي داخلي بأجندة حربية ودعم لا متناه للكيان: المنافسة بين الخصمين، فيمن يدعم أكثر الكيان ويضمن له فوزا في هذه المعركة الوجودية على حد وصف قيادات الكيان.
هذا الحراكُ نحو عودة تحريك المياه الآسنة في مسألة “صفقة وقف إطلاق النار في غزة”، وهذا التحرُّك الأمريكي الفرنسي في محاولة احتواء التصعيد وجرّ لبنان إلى مفاوضات لتطبيق القرار الأممي 1701، يبدو أنه يجد صعوبة في قبوله من طرف لبنان، الذي يصرّ على وقف العدوان أوَّلا، ثم الخوض في مفاوضات، وهو موقف حزب الله بعد التفويض الذي منح لنبيه بري رئيس البرلمان. لبنان، يرفض الإملاءات الأمريكية الصهيونية، على اعتبار أن البلد يتعرض لعدوان غاشم، ولن يقبل أحدٌ في لبنان، وعلى الأقل ثلاثة أرباع الطوائف والأحزاب، بالجلوس إلى طاولة مفاوضات تحت النار كما يريد الكيان أن يكون، معتقدا أنه في حالة نصر بعد اغتيال نصر الله وأبرز القيادات في حزب الله السياسية والأمنية. المعادلة ذاتها مع غزة بعد استشهاد السنوار: أمريكا ترى في ذلك فرصة للعودة إلى صفقة تبادل الأسرى كما تسمّيها، وكأن الشهيد السنوار هو من كان يعطّل المفاوضات لا كبير الكهان في الكيان.
أمريكا تحاول أن تربت على كتف كيانها المدلل دوما، على أن يقبل بنصائحها، لطفا لا أمرا، لعل ذلك يُقنع المنتخِب العربي والمسلم والملوَّن الرافضين لموقف واشنطن الرسمي من عدوان الكيان لهمجية الإبادة والمحرقة الصهيونية في غزة، لأزيد من سنة. أمريكا، بحزبيها المتنافسين، لاسيما الديمقراطيين الذين يعتمدون بالأساس على كتلة اليهود ولوبي “إيباك” في كل الانتخابات ومنها انتخابات الكونغرس بغرفتيه، مثلهم مثل الجمهوريين، يعملون على استمالة الصوت العربي والمسلم والملوَّنين، في محاولة لرأب الصدع بين المطلبين المتناقضين: مطلب دعم الكيان بلا هوادة، ومطلب دعم العرب والمسلمين والسود الأمريكيين لمرشحة أو مرشح، تقول لهم: “دعمونا لنقتل إخوانكم في غزة ولبنان”. موقف في غاية الغرابة والصّلف، إنما من ناحية الحسابات المكيافيلية فلا غرابة ولا هم يحزنون، مادامت المسألة تُحتسب في سوق “الصفقات” التجارية لا غير، وكل مبادرة إنما هي صفقة ربح أو خسارة، والربح هو ربحٌ اقتصادي عبر نفوذ الشركات الأمريكية للسلاح ونفوذ الولايات المتحدة عبر الهيمنة على العالم والمنطقة، لاسيما في هذا الظرف الذي يشهد فيه تنامي موجات التكتُّل شرقا من أجل إنهاء الأحادية القطبية.
تحركاتٌ أمريكية نحو القاهرة وقطر، وتحركات باتجاه لبنان، من فرنسا والولايات المتحدة، بحثا عن مخرج لأزمة متصاعدة ومعالجة الألم الذي يعانيه الكيان في القلب والصداع الذي يعاني منه الأمريكي في الرأس.
2024-10-26