روسيا تتصدى لقرار “أصحاب السقف”.. وأوروبا تتجرّع سمّ العقوبات!
مصطفى عواضة
بُعيدَ قرار مجموعة دول السبع بتحديد سقف سعر للنفط الروسي للضغط على روسيا، ودعوتها ائتلافًا واسعًا من الدول للانضمام إلى هذا الإجراء بهدف حرمان موسكو من قسم من مواردها من قطاع الطاقة، أوقفت روسيا ضخّ الغاز عبر خط “نورد ستريم 1” (Nord Stream 1) بسبب تسرّب في خط الأنابيب، بحسب قول شركة “غازبروم”.
وفي حين اتهمت أوروبا روسيا باستخدام إمدادات الغاز كسلاح تبتزّ به الدول الأوروبية على خلفية الصراع في أوكرانيا، نفت موسكو ذلك، وألقت باللائمة على العقوبات في تأخّر أعمال الصيانة بخط “نورد ستريم 1”.
هذا الواقع الذي يشكّل أزمةً في الطاقة، انعكس على أسعار الغاز التي شهدت تقلباتٍ كبيرة، وسجَّلت ارتفاعًا بنسبة 26 في المئة الاثنين الماضي، وذلك قبل أن تسجل تراجعًا طفيفًا.
الاقتصاد الأوروبي مُعرّض للانهيار
ولمعرفة مزيدٍ من التفاصيل حول هذا الموضوع، أجرى موقع “العهد الإخباري” مقابلةً مع الديبلوماسي الروسي السابق فياتشي سلاف ماتوزوف، أكَّد خلالها أنَّه “لا يمكن لأحد تحديد سقف لسعر النفط الروسي، فروسيا هي التي تدر الغاز والبترول على دول آسيوية بأسعار متفق عليها مسبقًا، منها الصين والهند، ولذلك أي سعر سيُباع للدول الأوروبية لا يؤثر على الصادرات الروسية النفطية التي تصدرها لشركائها”.
ورأى ماتوزوف أنَّ انقطاع الغاز الروسي عن أوروبا هو البداية فقط ممَّا قد يواجهونه في حال استمرت أوروبا والغرب بالعقوبات على روسيا.
وأضاف: “موسكو تتخذ خطوات ضد الأوروبيين بسبب فرضهم العقوبات وتسليح أوكرانيا في مواجهة روسيا، ولكن هناك مواد أخرى مثل البترول، إن قررت روسيا قطعه والغاز عن أوروبا، فهذا يعني أنَّ الاقتصاد الأوروبي سيتدهور بشكل كبير، خصوصًا مع اقتراب الشتاء”.
ولفت خلال حديثه لموقع “العهد” إلى أنَّه لا بديل عن الغاز الروسي في أوروبا، ففي ألمانيا يسدّ الغاز الروسي 40% من احتياجاتها، ولا يستطيعون استبدال روسيا بهذه السهولة، مشددًا على أنَّ أي دولة تعد معادية لروسيا سيتم قطع كافة الصادرات عنها، لكن روسيا حتى اللحظة لم تتخذ هذه الإجراءات بعد، ولكنها مستعدة لذلك من أجل مواجهة التحديات المفروضة عليها.
وأشار ماتوزوف إلى الغضب العارم الذي يعتري الشعوب الأوروبية حيال حكوماتها، فقال: “70 ألف متظاهر في تشيكيا يعارضون سياسة الحكومة التشيكية تجاه روسيا ويريدون رفع العقوبات عنها، كذلك الأمر في ألمانيا، فهذه الحكومات تعمل وفقًا للمصالح الأميركية، وليس وفقًا لمصالح شعبها”.
وفي السياق، أوضح الدبلوماسي الروسي أنَّ أميركا تملك اكتفاءً ذاتيًا من الغاز والبترول ولا تحتاج لموارد الطاقة الخارجية، ولكن أوروبا هي الخاسر الأول، بينما تستفيد الشركات الأميركية من غلاء الأسعار على حساب الأوروبيين، وبالمقابل، فإن الهند والصين تستفيدان من الأسعار الروسية المستقرة.
وتابع: “أوروبا معرضة لانهيار اقتصادي صناعي وزراعي، فالأسمدة مصنفة ضمن العقوبات المفروضة على روسيا، والجدير ذكره أنَّ إنتاج الأسمدة مصدره روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، وأوروبا تخسرها، ولكن من لا يريد الشراء والاحتكام للعقوبات الأميركية هو الخاسر”، ذاكرًا أنَّ “ألمانيا تزودَّ أوكرانيا بصواريخ قد تصل لموسكو ما سيتوجب على روسيا الرد بعقوبات مشددة أكثر”.
وخلص ماتوزوف إلى القول: “أوروبا الشرقية تتمرد، ولا تخضع لأمريكا مثل والتشيك وسلوفانيا، وسياسة أميركا في عزل روسيا اقتصاديًا فشلت”.
فرض سقف لسعر النفط الروسي مكتوب له الفشل
من جهته، أوضح الخبير النفطي العالمي الدكتور ممدوح سلامي خلال حديثه لموقع “العهد الإخباري”، أنَّ “قرار الدول الغربية، بما فيها الاتحاد الأوروبي، القاضي بفرض سقف لسعر النفط الروسي مكتوب له الفشل منذ البداية، والسبب أنَّ روسيا ستقطع صادراتها من النفط ــ إذا دعت الحاجة ــ إلى هذه الدول أو أي دولة توافق على اتفاقية سقف السعر، ما يعني أن الأسعار ستقفز قفزات كبيرة، ستكون روسيا بنتيجتها الرابح الأكبر، بينما تكون دول الاتحاد الأوروربي والدول الموافقة على الاتفاقية الخاسرة الوحيدة”.
وأشار الدكتور سلامي إلى أنَّ روسيا قادرة على تحويل إنتاجها كاملًا إلى منطقة حوض المحيط الباسيفيكي، وعلى الأخص الصين والهند وتركيا ودول أخرى مستعدة لرفض مبدأ فرض سقف لسعر النفط الروسي، والخاسر الأكبر ستكون دول الاتحاد الأوروبي والدول الغربية التي بدأت في المقام الأول بفرض العقوبات.
واعتبر أنَّ حجم الرد الروسي على اتفاقية فرض سقف لسعر نفطها هو الذي سيقرر التأثير على الاقتصاد العالمي، مضيفًا: “روسيا لن تصدِّر نفطها لأي دولة توقع على مثل هذه الاتفاقية، ما سيؤدي إلى خلق نقص في إمدادات النفط في العالم ويرفع الأسعار. وارتفاع الأسعار في وقت يتجه اقتصاد العالم نحو الانحسار سيضاعف من انهيار اقتصاديات الدول الأوروبية، وسيخفض من قدرة المواطنين الأوروبيين الشرائية، ما يعني بالضرورة مزيداً من الانحسار قد يطال اقتصادهم، وربما يكون انحسارًا مؤثرًا جدًا، يقضي على فرص نمو دول الاتحاد، وهو ما يعني في المحصلة تسديدها أثمان باهظة على حساب نموها الاقتصادي وقدرة مواطنيها الشرائية”.
الدكتور سلامي بيَّن خلال حديثه لموقع “العهد”، أنَّ الغرب عندما فرض العقوبات على روسيا كان يأمل أن تؤدي إلى انهيار الاقتصاد الروسي، ولكنها كانت مستعدة لذلك، والدليل أن الدول التي فرضت العقوبات هي التي تدفع الثمن الآن وليس روسيا.
وتابع: “والرئيس الروسي فلادمير بوتين ضمن أن لا تستورد بلاده حتى إبرة واحدة من الغرب، ما يعني أن ميزان روسيا التجاري قد ارتفع في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام إلى 180 مليار دولار مقابل 120 مليار دولار طوال العام الماضي”.
من ناحية ثانية، لفت الدكتور سلامي إلى التحالف الاستراتيجي بين روسيا والصين، ذلك التحالف الذي أفسح المجال أمام ارتفاع التبادل التجاري بين البلدين العملاقين من 13 مليار دولار في عام 2013 إلى 150 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام. والصين هي أكبر اقتصاد في العالم، وروسيا هي حليفة حتمية ومؤكدة للصين.
وحول الحرب في أوكرانيا، قال: “إنَّها ستنتهي عاجلًا أم آجلًا ولكن الرابح الأكبر سيكون روسيا، فما دامت تحت قيادة بوتين لن تسمح لأوكرانيا أن تصبح عضوًا في حلف شمالي الأطلسي “الناتو” أو أن تدعها تجلب صواريخ نووية أميركية إلى حدودها، حتى لو أدى ذلك إلى حرب نووية. هذا خط أحمر بالنسبة لروسيا، وسيُرغَم الغرب على التعامل مع روسيا ومع بعض القضايا الأمنية التي أثارتها في بداية النزاع مع أوكرانيا”.
وختم الدكتور سلامي قائلًا: “من الممكن أن تكون الحرب طويلة الأمد، ولكن روسيا تعمل الآن على استراتيجية واضحة، فهي تحاول كسب مساحات من الأراضي الأوكرانية، لتضمن استقلال جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك. ومن الممكن أن تأخذ أراضٍ إضافية لتفاوض عليها، بغرض رفع العقوبات”.
2022-09-08