رسالة ترامب الى ايران: تهديد سياسي ام عسكري!!
كاظم الموسوي*
أثارت رسالة الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى القيادة الايرانية، والموجهة بأسم قائد الثورة السيد علي خامنئي لغطا واسعا في وسائل الاعلام وخاصة الناطقة بالعربية، او التي تاسست اساسا لشن حروب الاعلام على الجمهورية الاسلامية في ايران. ومنذ وصول رسالة ترامب واستلامها في طهران عبر طرف عربي، هو هذه المرة، الجار لايران في الساحل المقابل من الخليج، دولة الإمارات العربية، والتي سربت اجزاء منها، او الاصح فبرك منها ما يراد او يتفق مع كل اعلان خبري من مصادر مكلفة بواجبها، لا تذكر لوسائل الاعلام الا ما هو مطلوب منها، دون تاكيد من المرسل او المستلم لتلك الرسالة. وكان ترامب اول المتحدثين عن رسالته قبل ايام من وصولها إلى ايران. حيث صرح في مقابلة تلفزيونية مساء(2025/3/7)، بأنه كتب رسالة إلى “المرشد الإيراني علي خامنئي في محاولة لإطلاق محادثات بشأن البرنامج النووي لإيران”. ولم يصدر عن الجانب الايراني اي خبر عنها.
لكن المتحدث باسم الخارجية الايرانية اسماعيل بلقائي صرح يوم (2025/3/17) عن استلام رسالة ترامب ولا نية لنشر فحواها، وما يتم تداوله ليس دقيقا، لافتا الى ان ” الولايات المتحدة لم تكن وفية لالتزاماتها”. واضاف ان محتوى رسالة ترامب لايران مماثل لتصريحاتها العلنية، وان الرسائل التي نتلقاها من إمريكا متناقضة.
اما وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي فرأى ىأن الرسالة التي بعث بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى الجمهورية الإسلامية بشأن برنامجها النووي هي “أقرب الى تهديد”، وأن طهران ستردّ عليها خلال فترة قريبة. وقال عراقجي في تصريحات للتلفزيون الرسمي إن الرسالة تزعم توفير “فرص”، لكنها كانت “أقرب الى تهديد”، مشيرا الى أن إيران تقوم حاليا بدراستها وستردّ عليها “خلال الأيام المقبلة”.
وصف القائد خامنئي دعوة ترامب للتفاوض بأنها خداع للرأي العام، قائلا إذا أردنا إنتاج سلاح نووي “فلن تتمكن واشنطن من إيقافه، ونحن أنفسنا لا نريد أن نفعل ذلك”. وذكر: “إن قول الرئيس الأميركي إننا مستعدون للتفاوض مع إيران ودعوته للمفاوضات هو خداع للرأي العام العالمي”. وأبرز: “التفاوض مع الحكومة الأميركية الحالية لن يؤدي إلى رفع العقوبات بل سيجعل عقدة العقوبات أكثر تعقيدا”. وأكد: “إيران لاتسعى للحرب، ولكن إذا أقدم الأميركيون وعملاؤهم على خطوة خاطئة، فإن إجراءات إيران المضادة ستكون حاسمة ومؤكدة، والخاسر الأكبر هو امريكا”.
واضح ان محتوى هذه الرسالة، وما احاطه من فبركات الاعلام وتضليله، لم يكن جديدا، في الإستراتيجية التي اختارها ترامب منذ عهده الاول، وما ان اعلن عن فوزه في الفترة الثانية ودخوله البيت الابيض لعهد جديد ظهرت اسئلة كثيرة حول الموقف من ايران، ودورها في منطقتها، وما قام به عمليا، من تنفيذه لخطط عدوانية صريحة، كشفت عنها مصادر مطلعة، لصحييفة”وول ستريت جورنال” الأميركية، إنه ينوي فرض عقوبات أكبر على إيران وخنق صادراتها النفطية، ضمن “استراتيجية تهدف إلى تقويض برنامجها النووي ودعمها لوكلاء لها في الشرق الأوسط” (!). وأضافت المصادر أن الفريق الجديد الذي شكله ترامب للتعامل مع ملف إيران، “سيتحرك سريعا لاستهداف صادرات النفط الإيرانية، عبر وسائل من بينها ملاحقة الموانئ الأجنبية والتجار الذين يتعاملون مع نفط طهران”. اي بمعنى إحياء الاستراتيجية التي تبناها ترامب خلال ولايته الأولى، والتي تعتمد على سياسة أطلق عليها اسم”سياسة الضغوط الأقصى” على إيران. وموقفه المعارض من المعاهدة التي تمت وصادق عليها مجلس الامن الدولي وانسحب منها، اضافة الى ارتكاباته المخططة من جرائم اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وابو مهدي المهندس، وقيادات عسكرية وسياسية اخرى، وما يشبهها من جرائم حرب ومجازر ابادة، الى مواقفه من ممارسات وحشية، توصم ترامب وعهده الثاني، بشكل صارخ.
ومنذ دخوله البيت الابيض مرة ثانية اهتم علنا وسرا بما سمي باستراتيجية ترامب تجاه إيران، التي اكدت على أن العقوبات الاقتصادية يمكن أن تجبر طهران على الخضوع، إذ تسببت خلال فترة ولاية ترامب الأولى، في أضرار اقتصادية شديدة في إيران، مما أدى إلى خفض صادراتها النفطية إلى جزء بسيط من مستوياتها التي كانت عليها ما قبل العقوبات، وارتفعت معدلات التضخم،ومعدلات البطالة، وتراجع الاستثمار الاجنبي وتصاعدت الضغوط السياسية والاقتصادية بشكل عدواني سافر. واعترف الاعداء لايران قبل غيرهم ومن بينهم الادارة الامريكية ومستشارو ترامب،على الرغم من هذه التأثيرات الاقتصادية، في مقاومة إيران وعدم تقديم تنازلات كبيرة، وبدلاً من ذلك، ضاعفت برنامجها لتخصيب اليورانيوم، وسعت إلى أساليب جديدة لتجاوز العقوبات، وواصلت دعمها لكل القوى المناضلة من اجل تحررها والتصدي لسياسات الامبريالية الامريكية في الاحتلال والاستغلال والحروب والدمار، وتطوير امكاناتها الرادعة وتحالفاتها مع الدول الاخرى، مثل الصين والاتحاد الروسي وكوريا الشمالية، واعضاء مجموعات شنغهاي والبريكس ودول اخرى من امريكا الجنوبية وافريقيا، فضلا عن الاتفاقيات الأمنية وحسن الجوار مع محيطهاالجغرافي.
هناك اشارات سابقة تشير الى تركيز ترامب على الملف الإيراني، حتى قبل أن يتسلم السلطةرسميا، منها مثلا، ارساله الملياردير إيلون ماسك، الذي اختاره لوزارة سميت ب”الكفاءة الحكومية” ضمن ادارته الثانية، للقاء سفير الجمهورية الاسلامية لدى الأمم المتحدة في نيويورك أمير سعيد إيرواني، وكذلك اختياره لاشخاص معادين لايران في مواقفهم وتصريحاتهم المعلنة. مثل السناتور ماركو روبيو، الذي اختاره وزيرا للخارجية، وهو يؤيد اتباع سياسة خارجية صارمة ضد إيران، كذلك مايك والتز، الذي اصبح مستشاره للأمن القومي، وكان قد دعا إلى اتخاذ موقف أكثر حزما ضد ايران. مما يعني ان الملف الايراني كان قائما وبارزا على طاولة رئاسة ترامب في البيت الابيض، وكذلك المواقف الرسمية المخططة سلفا والسعي لتنفيذها لاحقا، او ما يمكن ان يحصل في العلاقات الامريكية الايرانية والمنطقة التي تقع ايران فيها.
قبل ان ينشر خبر الرسالة الجوابية للقيادة الايرانية على رسالة ترامب، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مسبقا ومبكرا،(5/2/2025) أن سياسة “الضغوط القصوى” التي أعاد الرئيس الأميركي ترامب فرضها ضد إيران ستنتهي بالفشل كما حدث خلال ولايته الأولى. وقال عراقجي عقب اجتماع للحكومة: “الضغوط القصوى تجربة فاشلة، وتجربتها مرةأخرى لن تؤدي إلا إلى فشل آخر”، مشددا على أن إيران لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية. وبالتاكيد لا تتضمن الرسالة التي ستكون ردا ايرانيا ما هو ابعد عن الموقف الايراني الواضح من سياسات الولايات المتحدة وما نقل من تصريحات قائد الجمهورية الإسلامية في إيران ورئيس الجمهورية مسعود بزشكيان في خطابه في عيد النوروز، راس السنة الجديدة في ايران، وصولا الى تصريحات وزير الخارجية عراقجي والناطقين الرسميين باسم السلطات والوزارات المعنية بالامر، قبل وبعد رسالة ترامب.
سياسيات ترامب وادارته ضد ايران وتسميتها بالضغوط القصوى، تستهدف تجريد ايران من قوتها العسكرية والاقتصادية من خلال فرض مزيد من العقوبات، التي تعمل على حرمان إيران من الأسلحة النووية والحد من برنامجها للصواريخ الباليستية ووقف دعمها لمحور المقاومة والدول المساندة للمقاومة الاسلامية ضد الاحتلال والغزو والاضطهاد والاستيطان والتهجير والابادة الجماعية. وكان قد وقع ترامب على مذكرة بهذا الخصوص، جاء في المذكرة أن “سلوك إيران يهدد المصلحة الوطنية للولايات المتحدة”، وأن من الضروري فرض أقصى قدر من الضغط على النظام الإيراني لإنهاء تهديده النووي وكبح انشطته الإقليمية (!).
اضاف ترامب الى المذكرة السابقة تصريحات اخرى قد تفهم متناقضة معها، الا ان سياسات ترامب وتصريحاته تتطابق مع ممارسات غامضة الأهداف والنوايا فقد صرح بعد المذكرة وقبل الرسالة، بأنه يأمل التوصل إلى اتفاق نووي جديد”لتجنب وضع كارثي للغاية”، مشيرا إلى استعداده للتفاوض مع القيادة الإيرانية. وهذا التناقض قد يفسر محتوى الرسالة ومضمونها الذي يجمع بين التهديد بالدمار والدعوة إلى التفاوض. كما اشير ايضا الى تحديد مدة زمنية بحدود الشهرين للوصول الى النهايات المخطط لها، سلما او حربا، سياسيا او عسكريا.
ازاء كل ما ذكر، أكدت المتحدثة باسم الإدارة الرئاسية الايرانية فاطمة مهاجراني أن السياسةالخارجية الإيرانية تقوم على ثلاثة مبادئ، وهي”الكرامة والحكمة والنفعية”، مشددة على أن جميع القضايا -بما فيها العلاقات الدولية- تدار وفق هذه المبادئ. كذلك، أفاد مسؤول إيراني كبير لوكالة رويترز أن طهران مستعدة لمنح الولايات المتحدة فرصة لحل الخلافات بين البلدين. وأوضح المسؤول أن طهران ترفض “أي تهجير لسكان غزة”، مشيرا إلى أن المحادثات بين إيران والولايات المتحدة قضية منفصلة. وأضاف أن طهران تتوقع من واشنطن “كبح جماح إسرائيل” إذا كانت تسعى إلى التوصل إلى اتفاق مع الجمهورية الإسلامية في ايران.
رسالة ترامب الى القيادة الايرانية، جوهرها وهدفها واسلوبها، لا تخرج من ابعاد سياسة ترامب تجاه ايران ولا تبتعد عن تحجيم دور الجمهورية الاسلامية في المنطقة واستغلال ما آلت اليها ظروفها حاليا، واضعاف المحور المقاوم لسياسات الامبريالية والراسمالية الغربية التي تتوحش في وطننا العربي والاسلامي معا.
نشر المقال في مجلة الهدف الفلسطينية، عدد شهر اذار 2025.
2025-04-02