ذكرى استشهاد ابو علي مصطفى… رجل ولا كل الرجال!

بسام ابو شريف
تعرفت على ابو علي مصطفى مرتين …
المرة الاولى تعرفت عليه عندما كان اسيرا في السجن في الاردن هو وبقية اعضاء قيادة الاقليم لحركة القوميين العرب في الاردن والمرة الثانية كانت بعد الهزيمة التي سحقت معنويات الامة العربية في الخامس من حزيران عام 67 وكانت تلك المعرفة معرفة وجها لوجه بعد ان اخلي سبيله من السجن هو وبقية اعضاء حركة القوميين العرب والسياسيين الذين كانوا معتقلين منذ العام 63 عندما اعلنت الجماهير انضمامها للوحدة الثلاثية عبر مظاهرات عمت الضفتين الغربية والشرقية ، في العام 63 عندما اعتقلت حركة القوميين العرب في الاردن كانت عائلات القيادة بلا معيل ولا مساعد فقد عم الاردن في تلك الفترة نوع من الارهاب الذي كان يخشى معه اي مواطن ان يظهر انه صديق او على علاقة بقيادي في حزب سياسي معارض او من يعمل في الحقل السياسي ، ولقد استدعاني الدكتور جورج حبش في بيروت وانا تلميذ في الجامعة الامريكية وطلب مني ان انفذ مهمة صعبة وهي ان انقل مبلغا من المال الى شخص محدد في الاردن كي يوزعه على عائلات المعتقلين ليقيهم شر الجوع والعطش في تلك الفترة ، لم اتردد لحظة تناولت المبلغ واخذت الاسم والعنوان وتوجهت في اليوم التالي الى الاردن وكان الشخص المعني يقيم في نابلس وقد توجهت فورا الى نابلس بالسرفيس وسمعت ما كان يقول ركاب السيارة من تعليقات وصمت على التعليقات والنظرة من شخص الى آخر متوجسا وخائفا من ان يقول كلمة حق وصلت الى نابلس وتوجهت فورا لالتقي بالشخص المعني ولم افاجأ من سريان خوف ورعب من سؤالي عن هذا الشخص واجلست على جنب حتى يبعثون له ليأتي لرؤيتي جاء الشخص وهو شبه يرتعد هذا اللقاء ضحكت وابتسمت وقلت له الحكيم يهديك السلام وارتعد اكثر فقلت لنفسي اختصر الموضوع ونفذ المهمة دون ان تتحدث كثيرا ناولته المبلغ في مغلف مختوم وقلت له هذا لعائلات الشباب انت تعلم لمن يجب ان تذهب هذه الاموال سلام عليك وعانقني وودعني وكانه يريد ان يقول لي اسرع اخرج ابعد عني كان الجو جو رعب وارهاب كان عائلة ابو علي مصطفى وعائلة حمدي مطر وعائلات لاعضاء في القيادة بحاجة ماسة لما يقيهم من الجوع والعطش وبالفعل كانت تلك المبالغ الزهيدة التي وصلت نوعا من الانقاذ لهم لفترة معينة هكذا تعرفت على ابو علي وعائلات اخرى دون ان اراها انما من خلال تنفيذي تلك المهمة لايصال المساعدات لها وهكذا اصبحت على دراية وعلم ومعرفة بهم تلك العائلات المناضلة التي صمدت بينما آمروها وصاحب الامر فيها ومعيلها يقبع في السجن .
بعد الهزيمة هزيمة الخامس من حزيران اتخذت حركة القوميين العرب بما فيها اللجنة التنفيذية العليا بانشاء تنظيم للكفاح المسلح الفلسطيني يجمع كافة التنظيمات الصغيرة التي كانت الحركة قد اسستها من خلال اسماء مختلفة لاخفاء هويتها حتى لا تصطدم بسياسة الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان لا يحبذ بدء الكفاح المسلح في تلك المرحلة بسبب عدم جاهزية الجيش العربي المصري لمواجهة قوة اسرائيل المستعدة كان يريد الوقت حتى يدرب الجيش ويسلحه تسليحا جيدا ليخوض المعركة ولذلك رفع في تلك الفترة اي قبل هزيمة الخامس من حزيران رفع شعار فوق الصفر تحت التوريط حين نورط جمال عبد الناصر ولكن لا نبقى صامتين غير متحركين بل نعمل لتدريب الشباب وتسليحهم وتخزين السلاح داخل الارض المحتلة واستطلاع الاهداف الهامة التي تعني عند ضربها شأنا عسكريا كبيرا ، كان ذلك القرار قرارا تاريخيا شبيها يذلط القرار الذي اتخذ عام 64 ببدء الكفاح المسلح في جنوب اليمن واسست حينها الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن وبالفعل شنت الجبهة القومية حربا شعواء على الاستعمار البريطاني استعمار الامبراطورية البريطانية التي كلنت تلقب بالامبراطورية التي لا تغيب الشمس عن اراضيها وطردوهم من اليمن شر طردة وانتصرت اليمن وانتصر شعب اليمن بفعل الكفاح المسلح الذي قادته حركة القوميين العرب في جنوب اليمن واستقلت بعد الهزيمة مباشرة بعد هزيمة حزيران وجرت مفاوضات في سويسرا نالت على اثرها جتوب اليمن استقلالها كاملا وكان الشهيد غسان كنفاني مستشارا للوفد اليمني المفاوض للامبراطورية البريطانية الراحلة عن جنوب اليمن .
الفارق بين ذلك القرار عام 64 وقرار 67 هو ان اللجنة التنفيذية لحركة القوميين العرب عام 64 كانت وبقيت موحدة الصفوف متحدة ملتئمة منسقة هادفة بكل فروعها بتحقيق الهدف المركزي الذي تقرره اللجنة التنفيذية هكذا كان مع ثورة الجزائر ومع ثورة اليمن الا ان عام 67 كان القرار مختلفا اذ تقرر فك مركزية الحركة وجعلها لامركزية وان لكل اقليم حرية التصرف برنامجيا بشكل تكتيكي انما الاستراتيجية والهدف الاستراتيجي بقي واحدا وهو وحدة الامة العربية وتحرير فلسطين .
انشاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كان امرا شاقا لان القيادة كان مطلوب منها ان تفرز العنلصر الفلسطينية من كافة الخلايا والروابط والشعب والقيادات في كل بلد من البلدان فرز الفلسطينيين عن بقية العرب ليشكلوا النواة لتاسيس التنظيم الفلسطيني الذي سيمارس الكفاح المسلح ويوحد كل التنظيمات الاخرى كابطال العودة وشباب الثأر والتنظيمات التي كانت قد انشأتها الحركة تحت ستار التدريب في جيش التحرير الفلسطيني والتهيئ بالتدريب والتسليح والتخزين داخل الارض المحتلة واستطلاع الاهداف بهدف خدمة الاستخبارات العسكرية المصرية .
استدعاني في شهر تموز وبعد انتهاء اجتماعات اللجنة التنفيذية الدكتور جورج حبش وجلسنا انا وهو وحدنا وخط على ورقة بخط يده رسالة موجهة لقيادة الحركة في الاردن وبشكل خاص للرفيق مصطفى الزبري ابو علي مصطفى الذي كان هو مسئوول الحركة في الاردن وكان قد افرج عنه هو والآخرين من السجن بعد الهزيمة مباشرة .
كانت الرسالة تحمل من الدكتور جورج حبش لاعضاء قيادة حركة القوميين العرب في الاردن الدعوة للانضمام لتأسيس التنظبم المقاتل تنظبم حركة القوميين العرب فرع فلسطين الذي سيمارس الكفاح المسلح ويدرب الشباب ويسلحهم ويدخلهم للاراضي المحتلة للقتال ضد قوات العدو التي احتلت الضفة الغربية قتال داخل الارض المحتلة من اجل تحرير فلسطين وطلب مني ان اوصل تلك الرسالة للقيادة في عمان ولم يقل لي كيف اصل لتلك القيادة في عمان .
توجهت الى عمان وانا لا اعرف من اعضاء القيادة قيادة حركة القوميين العرب اقليم الاردن سوى غسان قمحاوي كان غسان قمحاوي بالنسبة لي يمثل الشخص الوحيد المعروف لدي كعضو في حركة القوميين العرب وكنت اعلم عن نشاطه اثناء وجوده في القاهرة كتلميذ في الجامعة ثم عودته للاردن ثم انتخابه رئيسا للمهندسين الزراعيين في الاردن توجهت فورا الى منزل اخيه الدكتور عبد السلام رحمه الله لانني اعرف ان غسان لم يكن متزوجا حينها وكان يعيش في بيت اخيه ،
التقيت بغسان وتحدثت معه حول القرار وحول النية في انشاء التنظيم والاعداد له واخذ المتطوعين للتدريب والتسليح والزج بهم للاراضي المحتلة لمواجهة العدو ابتسم بسام وطلب مني ان انتظر حتى الغد لانه سيجري اتصالاته لان الاتصال ببقية اعضاء القيادة كان صعبا ومعقدا خشية ان يعودوا لاعتقال القيادة مرة اخرى .
في اليوم التالي توجهنا انا وغسان الى مكان تقرر ان نلتقي فيه جميعا لنتحدث في موضوع الرسالة وهناك التقيت لاول مرة وجها لوجه بايو علي مصطفى صافحته وابتسم ابتسامة شبه ناشفة وكانت هذه عادته فهو قليل الابتسام جدي الملامح لا مجال لديه للمرح ويريد ان يتحدث في قضايا جدية ومهام جدية وبعد قليل حضر ابو عيسى ثم حضر ابو سمير وتحدثنا حول الكفاح المسلح ورسالة الحكيم فكان اول المعلقين ابو سمير رحمه الله حمدي مطر قال بشكل مرح وهادىء في الوقت نفسه بدكم تقاتلوا كفاح مسلح طيب يعطيكم العافية والسلام عليكم وحمل حقيبته وخرج وكان هذا اول اشارة الى شك حمدي مطر ابو سمير وهو عضو في القيادة الى شكه في كل هذا الموضوع وخشيته بان تكون هذه الرسائل موجهة من المخابرات وليس من جهة موثوقة وليست بشكل اكيد من الدكتور جورج حبش ضحكت انا وقلت ابو سمير تأكد الموضوع جدي وصحيح ولا علاقة للمخابرات به نحن رجال الحركة ونحن لسنا من الذين بقوا بكل المعلومات امام المخابرات الذين شاهدتهم انت هنا فهذه الرسالة دقق فيها هذا خط الحكيم وهذا توقيع الحكيم قال على كل حال نشوف بعض انشاء الله وخرج كان الشك يملأ حديثه نظر ابو علي وقال طيب نحن سندرس هذا الموضوع ونعطيك جوابا غدا او بعد غد .
وخرجوا وخرجنا جميعا وفي اليوم التالي دعيت لاجتماع وكان ابو علي قد حضر جوابا مكتوبا قصيرا شرح فيه الشكوك التي يعاني منها اعضاء قيادة حركة القوميين العرب ببعض المسئولين الذين اعترفوا على كثير من الامور وبعض المسئولين الذين كانوا يهملون قضية الامن والسرية ومقيمون في بيروت ومسئولون عن الاتصال بقيادة حركة القوميين العرب في الاردن وشكى من ذلك وحدد ابو علي مصطفى وقيادة الاردن الشرط الاساسي للمشاركة وهو ان تكون العلاقة مع الدكتور جورج حبش فقط لا غير.
وهكذا عدت انا الى بيروت حاملا الرسالة التي تحمل الموافقة المبدئية شريطة ان تكون العلاقة مع الدكتور جورج حبش الذي بادر بكتابة رسالة اخرى طالبا من قيادة الاردن ان تهيء له الظروف المكانية والزمانية المناسبة لمجيئه للاردن حتى تنتقل القيادة قيادة الجبهة الشعبية الى الاردن لكن ما ان توجه الحكيم الى دمشق لمتابعة المفاوضات حول وحدة فصائل المقاومة حتى اعتقلته السلطات السورية واصبح في سجن الشيخ حسين في دمشق اسيرا سياسيا يحقق معه عبد الكريم الجندي مدير المخابرات السورية .
من دس لجورج حبش التهم ليعتقل من ابلغ السلطات السورية بان الدكتور جورج حبش يهيىء لانقلاب من خلال تجميع السلاح في سوريا بينما في الواقع كان تجميع السلاح في سوريا من اجل تهريبه للاردن ومن الاردن للضفة الغربية من صاحب المصلحة باعتقال جورج حبش في تلك الفترة السؤال يجد جوابه في البحث عما كان يدور داخل الجبهة الشعبية من تناقض بين مجموعة يقودها الذين يتحدثون باسم الماركسية اللينينية ويتهمون الآخرين بالتخلف الفكري وبين المناضلين الذين بنوا التنظيم ودربوا المقاتلين وقاتلوا من اجل تحرير فلسطين والتقطت فتح تلك الظواهر التناقضية داخل الجبهة الشعبية وبدأت تمد جهات مناهضة لقيادة الجبهة اي قيادة الدكتور جورج حبش والدكتور وديع حداد وابو علي مصطفى وغيرهم من عينهم الدكتور جورج حبش كلجنة مساعدة في تأسيس الجبهة الشعبية ومنهم أنا والدكتور اسعد عبد الرحمن واحمد خليفة وزكريا ابو سنينة وتيسير قبعة واعضاء كثيرون بعضهم كلف بالنزول للارض المحتلة وبعضهم بقي في الخارج لمد الداخل بالسلاح والمقاتلين المدربين .
ورغم اعتقال جورج حبش تقرر المضي للامام في عقد مؤتمر اول مؤتمر تاسيسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تقرر عبر التصويت الداخلي ان تسمى الجبهة الشعبية بينما كان هناك اقتراح أخر بتسميتها الجبهة القومية على نسق الجبهة القومية في جنوب اليمن لكن تقرر عقد المؤتمر رغم اعتقال جورج حبش في سوريا وكان ذلك من المفترض ان يعقد في أب 1968 وكان قد اعد فيه تقرير استرتيجية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .
صدام بين نايف حواتمه ومجموعته وبين الدكتور وديع حداد وابو علي مصطفى وقيادة اقليم حركة القوميين العرب في الاردن التي كانت فد خرجت من السجن حديثا وكان من داعمي المجموعة الاولى اي مجموعة نايف بعض المعتقلين الذين سروا باعترافاتهم اثناء اعتقالهم في السجن في الاردن تحت راية اليسار كان هؤلاء يعملون ويعترفون للمخابرات باسرار الحركة مما جعل الحركة هدفا سهلا للمخابرات .
2023-08-29