خطر زج العشائر في السياسة العراقية: لعبة الكرسي والنهاية المأساوية!

بقلم البرفيسور وليد ناجي الحيالي
في بلد هش مثل العراق، حيث الدولة ما تزال تسعى لإعادة بناء مؤسساتها بعد عقود من الحروب والصراعات، يُدق ناقوس الخطر مع تصاعد ظاهرة زج العشائر في السياسة. فبعض السياسيين، من أجل الوصول إلى الكرسي، يفتحون الأبواب أمام لعبة خطرة توظف العشائر كأدوات نفوذ انتخابي وصراعي، متجاهلين العواقب الكارثية التي تهدد مستقبل الدولة والمجتمع معًا.
أولاً: مخاطر زج العشائر بالسياسة
زج العشائر في المعترك السياسي يقوض أهم ركائز الدولة الحديثة، حيث يتآكل الولاء للدستور والقانون لصالح الولاء لزعيم العشيرة. ويتحول الخلاف السياسي إلى نزاع أهلي، إذ إن كل زعيم سياسي يستطيع تحريك مجموعات عشائرية مسلحة لفرض إرادته على الدولة والشعب.
علاوة على ذلك، تتآكل الهوية الوطنية، وينمو الولاء الطائفي والمناطقي، مما يضعف الروح الوطنية الجامعة. كما يؤدي تفشي هذه الظاهرة إلى تضخم الفساد الاقتصادي، حيث تتحول العشائر إلى أدوات لفرض الإتاوات والسيطرة على الموانئ والموارد الطبيعية، مع غياب كامل للرقابة والقانون.
ثانياً: أهداف السياسيين من استغلال العشائر
السياسيون الذين يزجون العشائر بالسياسة يهدفون إلى تحقيق مكاسب آنية سريعة، أهمها ضمان الأصوات الانتخابية من خلال ولاءات عشائرية جماعية، وخلق قواعد نفوذ اجتماعي موازية لسلطة الدولة الرسمية.
كما يستخدمون العشائر كأدوات ابتزاز للخصوم أو لتمرير صفقات مشبوهة بعيداً عن أعين المؤسسات الرقابية. والأسوأ من ذلك، أن بعضهم يسعى لضرب فكرة المواطنة، وتحويل المواطن إلى تابع قبلي يسهل التحكم به عبر زعيم العشيرة، لا عبر برامج انتخابية حقيقية أو مبادئ سياسية واضحة.
ثالثاً: أمثلة حقيقية من المشهد العراقي
منذ 2003، أصبح زج العشائر ظاهرة متفاقمة في العراق.
في الانتخابات، تحولت المضائف العشائرية إلى ساحات إعلان ولاءات سياسية. وشهدت محافظات الجنوب خاصةً تحالفات علنية بين سياسيين وشيوخ عشائر لضمان الأصوات، بينما تحولت النزاعات الانتخابية إلى صراعات عشائرية مسلحة.
وفي البصرة خلال احتجاجات 2018، استُخدمت بعض العشائر لقمع المتظاهرين أو لتحريك الشارع ضد خصوم سياسيين. كما سُجلت حوادث عديدة لسيطرة عشائر على الموانئ والموارد النفطية عبر تحالفات مع جهات حزبية متنفذة.
رابعاً: خطورة استمرار الظاهرة على مستقبل العراق
استمرار زج العشائر في اللعبة السياسية ينذر بمستقبل مظلم للعراق.
فالدولة ستضعف أكثر، وسيحل قانون العشيرة محل القانون الرسمي، مما يهدد وحدة العراق وسيادته. وستتحول الخلافات السياسية إلى نزاعات دموية، بينما يفقد الاقتصاد قدرته على النهوض بسبب انتشار الفوضى والابتزاز.
ومع الوقت، سيتآكل مفهوم المواطنة تماماً، وسيتحول العراق إلى كانتونات عشائرية متصارعة يسهل التدخل الإقليمي والدولي فيها.
خامساً: كيف نوقف هذا الانحدار؟
• تفعيل سلطة القانون بقوة: لا أحد فوق الدستور، ويجب تجريم أي استغلال عشائري للعمل السياسي.
• نشر ثقافة المواطنة: من خلال التعليم والإعلام والمناهج المدرسية، لتعزيز فكرة أن الولاء يجب أن يكون للوطن وليس للعشيرة.
• دعم مؤسسات الدولة المدنية: تقوية القضاء، والأمن الوطني، والمؤسسات الرقابية لضمان عدم تدخل العشائر في عملها.
• عزل السياسيين الذين يستخدمون العشائر: عبر قوانين انتخابية صارمة تمنع التحشيد العشائري السياسي.
• تحفيز المصالحة المجتمعية: عبر فتح حوارات وطنية حقيقية تهدف إلى بناء هوية وطنية موحدة تتجاوز الانتماءات الضيقة.
⸻
خلاصة القول:
اللعب بورقة العشائر هو مقامرة خطيرة بمصير العراق. إن استمرار هذه الظاهرة سيؤدي حتمًا إلى تدمير ما تبقى من الدولة، وسيقود البلاد نحو مستقبل مظلم من الانقسامات والصراعات.
المطلوب اليوم هو موقف وطني شجاع ينقذ العراق قبل فوات الأوان.
2025-05-09