خطة ماكينزي ، وزراعة القنب الهندي [ الحشيشة ]!
رنا علوان
بدايةً ، شركة [ ماكينزي أند كومباني ] هي واحدة من أهم الشركات الرائدة في مجال (إستشارات الأعمال) كما يُعرّف عنها ، وتشتهر بقدرتها على تقديم (الحلول الاستشارية) للشركات والحكومات على حدٍّ سواء
أسّسها أستاذ المحاسبة في جامعة شيكاغو (جيمس ماكينزي) في العام 1926 ، وبعد وفاته في العام 1937 ، استلمها مارفن باور (خرّيج جامعة هارفرد) ونقلها من مجرّد مؤسـسة ، استشارات عادية مقرّها الولايات المتحدة ، إلى شركة عالمية بارزة في الاستشارات الإدارية ، ويعمل فيها أكثر من تسعة آلاف مستشار في مختلف المجالات الإدارية
تم الإستعانة بها في عام 2018 ، لإعداد خطة ، قد تساعد لبنان في النهوض ، وانطلقت الدراسة من تحليلات (للوضع الراهن) في القطاعات المُنتجة مع ما تبرزه من ميزات تفاضلية ، وتمتاز سياسة ماكينزي في اعداد خططها بأنها تفصيلية وليست نظرية ، فهي لا تكتفي بالاطار العام ، بل تحدد القطاعات الإنتاجية التي تملك قيمة مُضافة مرتفعة ، وكيفية تطويرها ، والسبل والطرق الآيلة الى ذلك ، بالإضافة الى تقدير العوائد المرجوة منها على (القطاع بحد ذاته) بشكل خاص ، وعلى الاقتصاد بشكل عام
إستندت ماكينزي في بادئ الأمر إلى دراسة قديمة سبق أن أعدّتها شركة (بوز أند كومباني) لمصلحة الدولة اللبنانية عام 2010 ، لتخرج بعدها بخطوط عريضة لمجموعة من الاقتراحات ركّزت فيها على ست قطاعات تجدها كفيلة بإخراج الاقتصاد اللبناني من دوّامته ، وهي
الزراعة والصناعة والسياحة والخدمات المالية
من ثم وضعت خطة بعد دراسة مُفصّلة ، وقد تناولت الخطة الاقتصاد اللبناني بكافة جوانبه
- على صعيد القطاع الزراعي هدفت الخطة إلى [رفع انتاجية صغار المزارعين] من خلال اعتماد التكنولوجيا والأساليب الزراعية الحديثة ، وتغيير أنواع البذور ( اضافة الى الاستفادة من الامكانيات التصديرية للمزارعيين التجاريين من خلال تحسين معايير الجودة والانتقال إلى المحاصيل ذات القيمة الأعلى )
وقد أوصت ماكينزي ، بزراعة الحشيشة لأغراض طبية ، فالقطاع الزراعي في لبنان يُصنّف كواحد من (القطاعات الغنيّة) التي يجب الاهتمام بها وتنشيطها لتشغيل يدٍ عاملة وزيادة قيمة الإنتاج المحلي
وفي هذا السياق ، من المهم ان تكون زراعة القنب الهندي حاضرة ، خصوصًا بعد أن شرّع البرلمان زراعتها
تنتشر زراعة القنب [ الحشيشة ] في منطقة البقاع بشكل غير شرعي ، وترد ما يقارب [ الـ4 مليارات دولار ] تُغطي المحاصيل مساحةً تتراوح بين ( 200,000 و300,000 )دونم ، ويعتاش من هذه زراعة بين ( 25 و50 ألف ) عائلة ، حسب أخر دراسة نشرتها وزارة الصناعة
ومن المُتوقع أن يرد هذا النشاط في العام 2025 ما يفوق [ المليار دولار للدولة ] ، كما أن كل مزارع سيجني [ 1000 دولار كحدٍ أدنى بغض النظر عن سعر الصرف ] إثر عملية تصدير منتجات القنب شرعيًا للاستخدمات الطبية ، ( وفق دراسة ماكنزي )
أما عن خطر الزراعة على المجتمع ، يشير أصحاب الإختصاص( إلى أن “نسبة المواد المخدرة في البذرة الجديدة تتراوح بين 0.5% و1%، وبالتالي ما من خطر “)
لا زال يعتمد المزارع في البقاع اليوم على البذرة القديمة ، وهي محلّية يُمكن استخلاص ( الزيت المُستخدم في علاج مرضى السرطان منها)
أما البذرة الجديدة ، والتي تُنتج[ 18 نوع دواء ] ، فلم يتم استقدامها بعد ، وهي ستكون مستوردة بالدولار ، إلّا أن زراعة القنب للاستخدامات الطبّية تستوجب معايير عالمية ، ويقول اصحاب الإختصاص ان “لا قدرة للمزارعين على استيفاء المعايير دون دعم الدولة”
تجدر الإشارة إلى أن متمولين بدأوا بشراء الأراضي الكبيرة التي تزيد مساحتها عن 50,000 متر مربع في منطقة بعلبك – الهرمل لاستثمارها منذ اخذ العلم بتشريع القانون ، علمًا أن مساحة كل مزارع في اليمونة ( لا تتعدى الـ15000 متر مربع )
ما سينعكس سلبًا على المزارعين ، في ظل تخوّفٍ من الاستنسابية وتوزيع تراخيص الزراعة على المستثمرين الكبار دون غيرهم
للأسف [ التطبيق ينتظر إقرار المراسيم ، والقانون يلحظ توزيع التراخيص على المستحقين بعيدًا عن الاحتكار ، وتفاديًا لأي محاصصة ]
- على صعيد القطاع الصناعي ، شدّدت الخطة على ضرورة [ تركيز الجهود على 4 قطاعات : تصنيع الاغذية والمنتجات التي تعتمد على قدرات التسويق مثل العطور ومستحضرات التجميل قطاع الادوية وأنظمة البناء الحديثة مثل الابنية المسبقة الصنع ، انشاء 4 مجمعات صناعية تتوافر فيها امكانات التنافس على المستوى الاقليمي]
- على صعيد القطاع السياحي ، اكدت خطة ماكينزي على ضرورة زيادة عدد الزوار من 14 دولة اوروبية محددة والبلدان العربية والبلدان التي يوجد فيها عدد كبير من المنتشرين ، وإعطائه إلتفاتة إضافية من قبل المختصين
- على صعيد الخدمات المالية ، اكدت الخطة على اهمية [ العمل على تطوير القنوات الرقمية في القطاع المصرفي لنمو القطاع وتوفير البدائل للعملاء ] وتطوير قطاع الخدمات المالية وترسيخها من أجل تمكين وتمويل برامج التنمية الاقتصادية الوطنية
ووفقًا للخطة ، سيتم [ الإستفادة من التكنولوجيا لتعزيز الإنتاجية في القطاعات ذات الأولوية ليصبح الاقتصاد قائمًا على الابتكار
كما تناولت الخطة الاستفادة من معارف أصحاب المواهب في المهجر وتأثيرهم ، توجيه وتشجيع التدفقات المالية للمنتشرين الى الإستثمارات المنتجة
ختامًا ، لم يتبقَ لنا من إختيار سوى العودة الى تلك الخطة التي تم وضعها سابقًا والأخذ بها ، ففي ظل هذا الوضع المتردي ، وتدهور الأوضاع المعيشية في لبنان خلال العامين الماضيين جراء انهيار قيمة العملة الوطنية والتي انتجت أكبر أزمة شهدتها البلاد منذ استقلالها عام 1943 ، لا يمكن للبنان ان يستمر بهذه الوتيرة المتدهورة ، دون أي تدخل ، اما ما يُعيق تنفيذ هذه الخطة اليوم على أرض الواقع هو عدم توفر الأُطر التطبيقية لها لغاية اللحظة
فالخطة تطلب إقرار ( مشاريع قوانين على صعيد مجلس النواب) ، كما يجب تحديد أهداف مسبقة ، وبجدول زمني مع الوزارات المعنية
من هنا ولتسهيل العمل بتوجيهات الخطة يجب (تشكيل لجنة) مؤلفة من ممثلين عن الرئاسات الثلاث تعطى الصلاحيات للمتابعة مع الوزارات ومجلس النواب ، وفكفكة المشاكل وتخطي العوائق البيروقراطية التي تمنع التنفيذ
وبالتالي تكون هذه اللجنة بمثابة المسرع والمسهل لتطبيق الخطة ، بعيدًا عن اللجان الوزارية التي عادةً ما تكون جامدة وتخضع لجدول عمل الوزراء وكيفية تعاطيهم مع بعضهم البعض
2023-09-02