حياة الغطرسة في المدينة الزمردية!
ترجمة واعداد: عزام مكي.
تحت هذا العنوان اصدر المدير السابق لصحيفة الواشنطن بوسط في بغداد، راجيف شاندراسكاران ، كتابه الذي يصف فيه الحياة في المنطقة الخضراء بعيد الغزو الامريكي للعراق. وقد نشرت الغاردين اللندنية ملخص لثلاث فصول من الكتاب بقلم المؤلف نشر على ثلاثة اعداد ابتداء من 19 شباط 2007.
وفيما يلي الجزء الرابع والاخير من الترجمة
هناك الكثير ما زال يتعين القيام به
قبل التسليم الرسمي للسلطة للعراقيين اكد بول بريمر، المفوض السامي الامريكي في بغداد، بان الاحتلال قد استطاع ان ” يغير” البلد ” بشكل جذري نحو الاحسن”. ولكن الاغتيالات والسيارات المفخخة بالاضافة الى الهجمات على انابيب البترول قد اعطت صورة مغايرة. هذا ما يرويه راجيف شاندراسكران في الجزء الختامي من ملخص كتابه.
الغارديان 21 شباط 2007
في صيف 2004 وأثناء ماكان لويس بول بريمر الثالث، المندوب السامي الامريكي في العراق ورئيس سلطة الإتلاف المؤقتة التي ادارت الحكومة العراقية لفترة 14 شهر، يتهيئ للمغادرة، كان مستوى توليد الطاقة الكهربائية في حدود 4000 ميكاوات. الشئ الذي ادى الى ان تكون حصة توزيع الكهرباء لمعظم البيوت في بغداد هي اقل من 9 ساعات لليوم- بدلا من 6000 ميكاوات التي وعد بانه سيقوم بانجازها. اما الجيش الجديد فكان لديه اقل من 4000 متدرب جديد وقد شكل هذا ثلث العدد الذي وعد به. وكذلك فان 70% من افراد الشرطة الذين يقومون بواجبات الدورية، لم يستلموا التدريبات المفترض ان تكون ممولة من قبل سلطة الإتلاف. وصل متوسط عدد الهجمات على القوات الامريكيه والمدنيين الاجانب اكثر من 40 في اليوم الواحد، بزيادة ثلاث مرات منذ كانون اول. اصبحت عمليات الاغتيال و التخريب ضد المنشآت النفطية والكهرباء، تحدث بشكل يومي. في عمليات سبر الاراء التي اجريت برعاية سلطة الإتلاف، والتي اجريت قبل عدة اسابيع من عملية تحويل السيادة، اجاب 85% من المشاركين بعدم ثقتهم بادارة بريمر_الاحتلال.
وبسبب التأخيرات البيروقراطية، فأن 2% من 18 بليون دولار من ميزانية سلطة الإتلاف الممولة من قبل الولايات المتحدة، قد تم صرفها. ولم يتم صرف اي شئ على البناء ،الرعاية الصحية، المرافق الصحية او من اجل توفير المياه النظيفة، وتم تخصيص المزيد من الاموال للادارة بدلا من المشاريع التي لها علاقة بالتعليم، بحقوق الانسان او الديمقراطية والحكم معا. في نفس الوقت اقدمت سلطة الإتلاف على تبذير معظم الاموال المخصصة للتنمية والبالغة 20 بليون دولار والممولة من مبيعات النفط العراقي، واكثر من 1.6 بليون دولار منها دُفعت الى شركة هالبيرتن بشكل اساسي مقابل استيراد الوقود للعراق.
وفي مطلع حزيران خاطرت بالذهاب الى محطة الدورة لتوليد الطاقة الكهربائية في جنوب بغداد. كانت من المفترض ان تكون نموذج للجهد الامريكي لاعادة اعمار العراق. لقد عانت هذه المحطة ويلات القصف في حرب الخليج عام 1991 وتم اهمالها من قبل حكومة صدام. لايمكن ان تعمل المحطة اكثر من ربع امكانياتها، الشئ الذي ادى الى انقطاع طويل للطاقة الكهربائية في العاصمة. بعد ان قام خبراء سلطة الإتلاف بجولة ميدانية لهذه المنشأة الهرمة، تعهدوا بان يعيدوها الى الحياة. وتم وضعها على رأس قائمة المشاريع ذات الاولوية، وكلفت شركات المانية وروسية للقيام بعمليات الاصلاح. لكن موجة الهجمات العنفية التي هزت البلد في الربيع اوقفت عمليات اعادة البناء في الدورة وتقريبا في كل مكان آخر.
لقد هرب المتعاقدون الالمان في نيسان. وغادر الروس في نهاية آيار، بعد ان لقى اثنين من زملائهم مصرعهم باطلاق النار عليهم اثناء وصولهم الى محطة الدورة راكبين باص صغير. بينما كنت اسير داخل المحطة شاهدت الاجزاء التي كانت تنتظر من يُركبُها مبعثرة على الارض. وكذلك الفنيين العراقيين وهم في معاطف العمل الزرقاء يتسكعون ويدخنون في المكان. في غرفة التوربينات شاهدت شعارا على الحائط، ” عاشت المقاومة”.
وكانت سرعة العمل اكثر نشاطا في مجالات التشغيل للجيش والشرطة العراقية. لقد استقرت سلطة الإتلاف اخيرا على ماأعتبرته بمثابة نجاح ستراتيجية التدريب، بعد ان تم استبعاد كل من بيرني كيريك ( المسؤول عن اعادة بناء الشرطة العراقية) و والت سلوكومب( المسؤول المدني عن الجيش العراقي). ولقد صرح لي قائد عسكري امريكي رفيع المستوى بان الاخطاء الشاملة لسلطة الإتلاف ” كلفتنا سنة كاملة جدا ثمينة”.
اما في داخل المنطقة الخضراء ( الجيب الامريكي في مركز بغداد) فكان هنالك احساس مؤلم عن مهمة لم تكتمل. ” هل استطعنا القيام بما كان ينبغي عمله؟ بما وعدنا ان نعمله؟” هكذا تسائل احد مسؤولي سلطة الإتلاف في حديثه لي في بار فندق الرشيد مستطردا بان ” لايوجد احد هنا يؤمن بذلك.”
في مقابلتي مع بريمر قبل مغادرته، اصر بان العراق ” قد تغير بشكل جوهري نحو الاحسن بفضل الاحتلال”. لقد استطاعت سلطة الإتلاف، كما يقول، من وضع العراق على الدرب نحو حكومة ديمقراطية و اقتصاد مفتوح بعد اكثر من ثلاث عقود من دكتاتورية اشتراكية مريرة. وان من اكبر الانجازات، اضاف قائلا، كانت تخفيض معدلات الضرائب، في تحرير قوانين الاستثمار الاجنبي وتخفيض رسوم الاستيراد.
ومع اقتراب حديثنا الى نهايته، طرحت عليه سؤال واسع عن الاعمال الغير منجزة. ” بعد انسحابي” اجاب بريمر ” سيبقى الكثير ليتم انجازه.”
في اليوم الذي تلى مقابلتي لبريمر، التقيت عادل عبد المهدي، وهو من قيادي الشيعة البارزين، على افطار في حديقة منزله الامامية. واثنا تناولنا التمر والمعجنات، سالته عن ماهو الخطأ الاكبر الذي عملته سلطة الإتلاف. فلم يتردد بالقول ” ان الخطأ الاكبر للاحتلال، ” …. ” كان الاحتلال نفسه.”
لقد اراد بالطبع من الولايات المتحدة ان تنصب السياسيين المنفيين في الخارج ليكونوا هم الحكام الجدد للعراق في نيسان 2003. بغض النظر عن مصلحته الخاصة في ذلك، فان ماقاله صحيح. فبعد ان تحرروا من قبضة الدكتاتور، اعتقد العراقيون بان تكون لهم الحرية في اختيار حكومتهم المؤقتة، وفي ادارة شؤون اعادة بلدهم الممزق. لم تكن بلدهم مثل المانيا او اليابان، المهزومتين في معارك الحرب العالمية الثانية ليتم حكمه من قبل المنتصرين في الحرب. لقد احتاج العراق المساعدة – على شكل مشورة وموارد كبيرة- من جهات داعمة ذات نوايا حسنه، وليس احتلال شامل مع سلطة امريكية متغطرسة تحكم من قصر الطاغية، تأكل لحم الخنزير وتشرب البيرة، محاطة بجنود (الـﮜـرﮔـة*) والاسوارالعالية.
” اذا حدث نجح في هذا المكان” اخبرني احد الاصدقاء من سلطة الإتلاف قبل مغادرته، ” فانه سيكون بالرغم مما عملناه وليس بسسبه.”
* الجنود البريطانيين من اصل نيبالي
2020-04-16