حول “المفاوض الإيراني” والتبرع بأوراق التفاوض!
صائب خليل
تدور في اوساط التواصل الاجتماعي خاصة لدى محور المقاومة فكرة لا اساس لها هي ان “المفاوض الإيراني” مفاوض عظيم ويصنع المعجزات. والحقيقة بعيدة عن هذا كل البعد (إلا اذا قارناه بـ “المفاوض العراقي” الذي يعمل مع الفريق المعادي وليس العراقي).
“المفاوض الإيراني” وقع في اول اتفاق له مع اميركا على اوراق تتعهد بكل شيء ولا تحصل على اي ضمانات بأي شيء! والنتيجة أنه تم الضحك على ايران ولم تحصل على ما كان متفقا عليه، وصارت “الضمانات” هي هدف المفاوضات التالية ولم تحصل عليها ايران.
نلاحظ تصريحات ما قبل المفاوضات من الجانب الإيراني فتجد مخالفات لأبسط المبادئ. فلكي تحصل على اوراق ضغط يجب ان لا تقول بأن “المفاوضات خيارك الاستراتيجي” ولا يوجد لك خيار غيره! لأنك بهذا تضعف قوتك التفاوضية.
ولنتذكر أن كل الرؤساء العملاء العرب، من محمود عباس إلى السادات وبقية رؤساء مصر الى ملك الاردن وملوك الخليج، كانوا كلهم يؤكدون بمناسبة وبدون مناسبة ان “السلام خيارهم الاستراتيجي الذي لا بديل عنه”! وهو خير ما تقدمه لإسرائيل من هدية تعفيها من تقديم اية تنازلات، وهذا ما حدث.
لكن، ان كان هذا الأمر مفهوم ان يقوم به العملاء والمستحمرين الذين يملأون السياسة العربية، فهو غير مفهوم ان يقوم به من ليس كذلك.
فعندما يفهم الخصم انك “محصور” بالتفاوض ونتائجه، فسوف يعطيك اقل النتائج وهو واثق انك غير قادر على الرفض!
الصحيح هو ان تدعي ان المفاوضات لا تهمك كثيرا وانها ان لم تنجح فلديك خيارات كثيرة اخرى وانها قد تكون افضل لك.. حتى ان كان هذا الكلام مجرد للبلف وليس حقيقة! لا ان تتكلم بالعكس.
وعلى ارض الواقع، ما هي الفائدة من ان تعرض ايران نشاطاتها “بشفافية” أمام لجنة الطاقة، وتستضيف 120 مراقب نووي، حتى بدون مفاوضات؟ ماذا بقي لأميركا لتفاوض عليه وتتنازل من اجله؟
اليس المنطقي ان تجعل تلك “الشفافية” مشروطة بالوصول الى اتفاق؟
في احدى المفاوضات بين سيد لبنان واسرائيل حول تبادل الأسرى، رفض الحزب ان يعطي حتى معلومة عن حياة او مقتل احدى الرهائن إلا مقابل اطلاق بعض الأسرى!
أذكر قبل سنوات حين انهارت المحادثات قالت ايران انها لتبيان “حسن النية”، وضعت على منشآتها كامرة مراقبة تسجل كل شيء بدون ان ترسل الصور الى وكالة الطاقة الذرية، وان ارسال الصور مرهون بالاتفاق. وهذا ايضا كان إضعافا شديدا للمفاوض الإيراني. الصحيح ان تجعل الخصم يقلق بأكثر من الحقيقة ليجد دافعا للاتفاق معك، لا ان تطمئنه بـ “حسن النية” مسبقا، وتسلمه أوراقك أو حتى بعض اوراقك، دون مقابل. إن هذه المخالفات لمبادئ المفاوضات الاساسية تشي بعمل متعمد اكثر مما تشي بجهل، فلا يعقل ان يجهل أحد مبدأ ان يحتفظ لنفسه بكل الأوراق الممكنة.
2025-04-15