حلفاء كييف يستعدون للأسوأ: «التنازل» عن الأراضي حتمي؟
ريم هاني
لم يعلن أي من الرئيسين، الأميركي المنتخب دونالد ترامب، أو الروسي فلاديمير بوتين، عن شروطهما التفصيلية لإنهاء الحرب في أوكرانيا أو آلية تحقيق ذلك، إلا أنّه من الممكن، من خلال دراسة ردود الأفعال الأوكرانية والأوروبية، والخطوات التي تتخذها الإدارة الأميركية الحالية في «أسابيعها الأخيرة»، استشراف مصير الحرب بين موسكو وكييف، والتي يبدو، حتى الآن، أنّها لن تكون على «الشكل» الذي تتمناه الأخيرة. وفي هذا السياق، تلفت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية إلى أنّ حلفاء أوكرانيا في أوروبا أصبحوا يميلون بشكل متزايد، ولو بصمت، نحو حقيقة أنّ الحرب مع روسيا لن تنتهي إلا عبر مفاوضات تتضمن «تنازلات عن الأراضي الأوكرانية» التي نجحت موسكو في السيطرة عليها، والتي تقدر بنحو «خُمس مساحة أوكرانيا». وأصبحت وجهة النظر الأوروبية تلك، أكثر إلحاحاً، مع فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية. وطبقاً للصحيفة، فإنّ المناقشات المشار إليها، والتي تجري «خلف الأبواب المغلقة»، تستند إلى الوقائع الميدانية «القاتمة»، بعدما أصبحت أوكرانيا في موقع «دفاعي»، ووسط مخاوف من انحسار التمويل الأميركي لها مستقبلاً، ما دفع بعدد من الدول الأوروبية إلى التطلع إلى وضع «أسس» للمفاوضات، رغم استمرار مزاعمها العلنية حول تقديم «دعم دائم» لكييف. وطبقاً لمقابلات أجرتها الصحيفة الأميركية مع عشرة ديبلوماسيين سابقين وحاليين في أوروبا و»الناتو»، فإنّ الحديث عن تنازلات عن أراضي أوكرانيا لم يعد «يثير الدهشة» في أوساط صنّاع السياسة الأوروبيين، وإن امتنع هؤلاء عن إطلاق تسمية «الأرض مقابل السلام» على الشروط المشار إليها. وتنقل «واشنطن بوست» عن جيرار أور، السفير الفرنسي السابق في واشنطن، قوله إنّ «الجميع قد توصلوا على الأرجح إلى هذه الخلاصة»، لافتاً إلى أنّه «من الصعب أن يقروا بذلك علناً، لأنهم سيكونون كمن يقول إنه سيكافئ العدوان». من جهتها، تسارع الإدارة الأميركية الديموقراطية إلى محاولة «إنقاذ» حليفتها بشتى الوسائل، وآخرها إعلان إدارة جو بايدن السماح لكييف باستخدام الأسلحة الأميركية لضرب عمق الأراضي الروسية، والذي سرعان ما قوبل برد روسي صارم، تمثّل في تحديث العقيدة النووية للبلاد، في ما وصفه الكرملين بأنّه جاء في «وقت مدروس». وكانت أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال»، في وقت سابق من هذا الشهر، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، بأنّ إدارة بايدن تضغط في اتجاه إرسال مليارات الدولارات من المعدات العسكرية إلى أوكرانيا قبل مغادرتها منصبها، في عملية تواجه عقبات لوجستية كبيرة، وتثير مخاوف من أن عمليات النقل ستستنفد المخزونات الأميركية الممتدة بالفعل. وتؤكد العوائق، طبقاً للصحيفة، إلى أي مدى عطّل انتخاب ترامب حملة المساعدات الأميركية لأوكرانيا، التي عانت من انتكاسات شديدة في ساحة المعركة في حربها ضد روسيا، وتكافح الآن للحفاظ على إمدادات الأسلحة الغربية التي تتيح لها مواصلة القتال.
ويخشى مسؤولو إدارة بايدن من أن الإدارة القادمة ستحد من شحنات الأسلحة الأوكرانية، كجزء من مساعيها إلى جلب كييف وموسكو إلى طاولة المفاوضات. وعبر إرسال أكبر قدر ممكن من المساعدات العسكرية إلى كييف قبل كانون الثاني، يأمل المسؤولون الأميركيون الحاليون في منح أوكرانيا موقفاً تفاوضياً أقوى وتعزيز دفاعاتها، علماً أنّه قبل الانتخابات، كانت واشنطن تخطط لتسليم المساعدات المتبقية لكييف بحلول نيسان، وفقاً لمصدر في البنتاغون، قبل أن يصبح توقيت إرسالها أكثر «إلحاحاً» بعد الانتخابات. كما أنّ تأثير الزيادة المخطط لها في عمليات نقل الأسلحة على المخزونات العسكرية الأميركية، وخاصة الدفاعات الجوية، يشكل «مصدر قلق كبير» في أوساط المسؤولين الأميركيين، ما يدفع بالولايات المتحدة إلى البحث في خيارات أخرى، على غرار إعادة شراء الأسلحة من دول أخرى لمنحها لأوكرانيا. وطبقاً لمسؤول أميركي كبير وآخر في وزارة الدفاع، فإنّ الأخيرة لديها مخازن «محدودة» من الذخائر التي تطلق من الجو، والتي يمكنها إرسالها لتسليح مقاتلات «أف- 16» الجديدة في أوكرانيا.
يؤيد حلفاء كييف الأوروبيون بشكل متزايد مفاوضات مع موسكو تتضمن تنازلات عن الأراضي الأوكرانية
بدورها، تتحضر أوروبا، على ما يبدو، لحقبة «ما بعد الدعم الأميركي»، علماً أنّها كانت تتخذ جملة من الإجراءات العسكرية – مثل رفع إنفاقها الدفاعي -، والاقتصادية أيضاً، لـ»تحصين» نفسها من ولاية ترامب الجديدة، قبل فوز المرشح الجمهوري بالانتخابات حتى. وفي هذا السياق، تحدثت وسائل إعلام أميركية عن أنّه بعدما قوبل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في وقت سابق من العام الجاري، برد فعل عنيف من بعض الحلفاء الأوروبيين، عقب إعلانه أنّه لن يستبعد إمكانية نشر بعض القوات في أوكرانيا، لمساعدتها في بناء «الردع» ضدّ روسيا، فإنّ بعض الدول، ومن ضمنها بريطانيا ودول في أوروبا الشرقية، أصبحت تبحث حالياً فكرة نشر الجنود على الأراضي الأوكرانية، كـ»ضمانة أمنية»، في حال التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب. وقد يكون الدفع الأوروبي المستجد في اتجاه التوصل إلى مثل ذلك الاتفاق، عائداً، طبقاً لمراقبين، إلى إدراك في أوساط صناع السياسة الأوروبيين بأنّ عبء «الدفاع عن أوكرانيا»، سيزداد على الدول الأوروبية التي تبدو منهكة اقتصادياً وسياسياً، أكثر مما كانت عليه في ولاية ترامب الأولى. وبعدما أثبتت الحرب الأوكرانية الصعوبات التي ستواجهها أي دولة أوروبية في حال دخولها في حرب، من دون الدعم الأميركي، بدأ الضغط من أجل «إرساء حكم ذاتي استراتيجي»، يكتسب زخماً أكبر، بما يشمل جهوداً لتعزيز إنتاج الأسلحة وإضفاء الطابع الرسمي على الشراكات الأمنية الإقليمية؛ إذ أبرمت برلين ولندن، على سبيل المثال، صفقة تاريخية ستتضمن تصنيع زوارق عسكرية ألمانية في قاعدة في اسكتلندا، وتطويراً مشتركاً للطائرات المسيرة والأسلحة بعيدة المدى، علماً أنّ قيادة «الناتو» أصبحت تتولى، بالفعل، بعض مسؤوليات البنتاغون، في ما يتعلق بتنسيق المساعدات العسكرية لكييف. والأربعاء الماضي، أجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، رحلة خاطفة إلى بروكسل، حيث التقى بكبار أعضاء «الناتو» والاتحاد الأوروبي، والمسؤولين الأوكرانيين، لوضع استراتيجيات بشأن مستقبل القارة.
حلفاء ترامب «منزعجون»
وعلى ما يبدو، فإنّ حلفاء ترامب لم يستسيغوا خطوة بايدن الأخيرة، والتي تهدد، طبقاً لمراقبيين غربيين وروس، بتصعيد يصل حدّ «إشعال حرب عالمية ثالثة»، والإلقاء بعبء حرب «أشرس وأوسع» على عاتق الإدارة الجمهورية القادمة، ولا سيما أنّ ترامب كان قد دعا، في اتصال هاتفي مع بوتين، أخيراً، إلى «عدم تصعيد القتال». وفي هذا السياق، قال النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا، مايك والتز، الذي سيشغل منصب مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب، لشبكة «فوكس نيوز»، الإثنين، إن قرار بايدن هو «خطوة أخرى على سلم التصعيد»، في وقت يبحث فيه ترامب استراتيجية «كبرى»، تقضي بـ»جلب الطرفين إلى الطاولة لإنهاء الصراع». ومن جهته، قال ابن ترامب، ترامب جونيور، لوسائل إعلام، إنّ «المجمع الصناعي العسكري يريد أن يضمن استمرار الحرب العالمية الثالثة، قبل أن تتاح لوالدي فرصة لخلق السلام وإنقاذ الأرواح».
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة تعبّر عن رأي صاحبها حصراً
2024-11-23