محدثي من حلب… في 14.11.2016: في معية قائد ميداني في الجيش العربي السوري، في مدينة حلب، موقع كان يحتله الإسلاميون الإرهابيون. آليات محترقة وجثث متناثرة وركام. أرض محروقة.
هنا تمكنوا من تفجير مركبة مفخخة، هنا سقط شهيد. في هذا المبنى أو بالاحرى بين هذه الأنقاض لنا شهيد أيضاً. هناك استطاع جندي سوري أن يعترض سيارة محملة بالمتفجرات حاول سائقها اقتحام طليعة قواتنا.
سمعت القائد: أنا على يقين من أن الإسلاميين الإرهابيين لن يمروا بعد اليوم، لن يتكرر ما حدث، لقد تعلمنا الدروس وحفظناها جيداً.
لن تصل العربات الملغمة إلى خطوطنا، أما الإرهابيون «الانغماسيون» بحسب التسمية المعروفة، فإننا نزعنا في حلب الهالة التي كانت تحيط بهم وأجبرناهم على أن يتفجروا وحدهم بعيدين عن الناس. صحيح أن أولادنا ذاقوا مرارة الجوع وارتياع العراء. ولكن ذلك أكسبنا تصميماً وقوة على أن نجبل تراب سورية بالدمع والدم من أجل إعادة بنائها.
شاهدت فصائل من الجيش العربي السوري ومجموعات من المقاومة تصل إلى المكان وتتمركز في نقاط محددة، من باب الحيطة تحسباً من هجوم معاد محتمل فضلاً عن ضرورات استكمال العملية العسكرية.
الجنود هم في خدمة الدولة، وهذه الأخيرة يتولى قيادتها رجال السياسة يعاونهم موظفون من المفروض أن اختيارهم خضع لمعايير الكفاءة والاقتناع بصحة وجدوى المهمة الموكلة إليهم، بالإضافة إلى الصدق والأمانة والنزاهة.
لقد أثبتت الحرب في سورية بوجه عام أن ضمانة الدولة تكمن في مستوى أداء القيادة السياسية والإدارية خصوصاً في البلاد الفقيرة والضعيفة كمثل بلادنا.
فإذا كانت هذه القيادة واعية ومتبصرة تضاؤل خطر الحرب الإمبريالية عليها، وأمكن إحراز تقدم في سيرورة التحرير الوطني وفي تدعيم ركائز السيادة والاستقلال الوطنيين.
طبيعي أن يفرح الجنود كلما أنجزوا بنجاح عملاً عسكرياً، طلبته منهم قيادة الدولة.
هذا ما يحدث في حلب عندما ينتهي الجنود والمقاومون من تطهير حي من أحياء المدينة، من الارهاب الاسلامي. يزهون حباً برفاقهم الذين سقطوا شهداء أثناء تنفيذ العمل المذكور. هذا من ناحية، أما ناحية ثانية فإن المقاتل يحتاج نفسياً إلى أجواء احتفالية تبعث على البهجة والفرح تعويضاً عن القلق والحذر والخوف أثناء أوقات القتال.
لا سيما أن الحرب لم تنته بعد! يقول محدثي، أنه رأى أثناء جولته في المنطقة المحررة «الجنرال» ومعاونيه منكبين على دراسة خريطة عسكرية استعداداً للعملية العسكرية التالية!
استمع محدثي إلى «حكايات الحرب» كما يرويها المقاومون أنفسهم الذين استوقفته مجموعة منهم في المكان الذي تفجرت فيها مركبة مفخخة فتسبب الانفجار باستشهاد رفيق لهم. علم على لسانهم أن رفيقاً ثانياً حاصره الإرهابيون الإسلاميون طوال عدة ساعات، بقصد أخذه أسيراً، ولكنه قاومهم وقتل منهم ثلاثة عناصر.
أخيراً تمكنت مجموعة من المقاومين من الوصول إليه فأنقذته وكان جريحاً فقتلت من الإرهابيين عدداً آخر، ونقلت الجريح إلى المستشفى…
يحكي محدثي عن قصص المدنيين الذين لا يسمع بهم منافقو الإنسانية في الأمم المتحدة وفي البلاد الاستعمارية الغربية، لأنهم يــُقصفون بالسلاح الذي يسلمه الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون إلى الإرهابيين الإسلاميين، ويقبضون ثمنه من خزائن آل سعود وغيرهم من نواطير ينابيع النفط في الخليج.
قصص المدنيين كثيرة بحسب محدثي، حكايات الألم طويلة. هنا رجل يلملم بقايا أثاث من بقايا منزله، هناك إمرأة تبكي بيتها المحروق وقبله التقى رجلاً يصرخ! يقولون في الأمم المتحدة، وعبر أبواق الدعاية الامبريالية ان في أحياء حلب الشرقية 400 ألف من المدنيين.
هذا تضخيم إعلامي دعائي. لأن في هذه الأحياء أقل من 100 ألف من المدنيين، وغالبيتهم رهائن ممنوعون من الخروح منها. يحسن التذكير بالمناسبة أن الأمم المتحدة وممثليها زعموا أن في داريا 20 ألف مدني، فأرسلوا إليهم أطناناً من المساعدات وملايين من الدولارات. كانت المفاجأة يوم التسوية، فباستثناء المسلحين وعائلاتهم، كان المدنيون قليلين. 500 هم مجموع الذين خرجوا من داريا من ضمنهم المسلحون!
من البديهي أن في مدينة حلب قاعدة عسكرية كبيرة ورئيسية، في إطار عملية «الإرهاب الإسلامي» التي أطلقتها مرة أخرى (بعد أفغانستان والعراق ونيجيريا ومالي) بحسب قراءتي في مسار الحرب على سورية، الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الأوروبيون، وفي طليعتهم الحكومة الفرنسية التي تؤدي في سورية دوراً يحاكي الدور البريطاني في العراق، بمعاونة حكومة السلطان أردوغان في تركيا وسلطة آل سعود، أو بتعبير أوضح، بمعاونة عسكرية تركية وبتمويل خليجي.
مجمل القول أن الولايات المتحدة الأميركية تحارب في سورية بواسطة الحكومة التركية. وليس مستبعداً في رأيي أن تكون غايتها إشعال حرب تركية ـ سورية. علماً أنه من المحتمل جداً أن تتمدد مثل هذه الحرب، إلى حرب تركية ـ إيرانية وإلى حرب تركية ـ روسية! ليس بالضرورة أن هذه الحرب ستتحول إلى مواجهة عالمية شاملة.
رغم أن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها الأوروبيين سيقدمون بالقطع لتركيا مساعدات عسكرية من دون حساب، بالإضافة إلى انهم سيفرضون على الروس حرباً تقليدية أي سيمنعونهم من استخدام سلاح غير تقليدي، حاسم!
قد يكون مفيداً في هذا السياق، أن نذكر بأن الوصول إلى المياه الدافئة (البحر الأبيض المتوسط) يمثل معطى ثابتاً طبع العلاقات بين روسية القيصرية من جهة وبين الدولة العثمانية من جهة ثانية، بالإضافة إلى معطى ثان يتمظهر بالعداوة التقليدية بين الدول الغربية في جانب وروسيا في جانب آخر، تارة تتخذ وجهاً دينياً (مسيحيون لاتينيون مقابل مسيحيين أرثوذكس) وتارة أخرى وجهاً عقائدياً (الشيوعية ـ الرأسمالية). مهما يكن فإن ذلك يفسر إلى حد كبير الروابط الموجودة بين تركيا من ناحية وبين الدول الغربية من جهة ثانية. ولعل حرب القرم (1853ـ 1856) التي وقعت روسيا القيصرية من جهة وتحالف ضم تركيا وفرنسا وبريطانيا من جهة ثانية تعيد إلى الأذهان طبيعة العلاقات التركية ـ الأوروبية الغربية والغايات من ورائها (حصار روسيا). تجدر الملاحظة هنا إلى أن شرارة حرب القرم انطلقت من فلسطين، من بيت لحم. وأن تركيا آنذاك كانت «مريضة».
ولكن لا بد من أن يلحظ المراقب في نطاق هذا التصوّر، أو هذه الفرضية، أن الطرف التركي المنخرط في الحرب على سورية، يعاني استناداً إلى وسائل الاعلام، من مشكلات داخلية كبيرة. وربما يكون «مريضاً» بمثل المرض الذي أصابه في بدايات القرن الماضي. ينبني عليه أن هذا كله بالإضافة إلى الدور الذي يمكن أن تؤديه الصين، يجعل منطقياً، المسألة السورية عند منعطفين: اما أن تتفاقم الأزمة في تركيا فتضطر هذه الأخيرة إلى الانسحاب من سورية واما الحرب السورية ـ التركية، علماً أن الطرفين «مريضين»!
وبالتالي فالتالي ليس مستبعداً أن يشكل ذلك فرصة لاقتسامهما بالحسنى أو بالقوة…