حكايةٌ من قريةٍ أفغانيةٍ!
عادل علي
في منتصف عام ألفين كنتُ منتظراً دوري لمقابلةٍ للحصول على عمل، وهناك شخص اخر فيه ملامح شرقية وهدوء وسكينة راكن جسمه في زاوية الغرفة ينظر بعيداً من خلالِ نافذة واسعة نحو السحاب المتحرك صوب الجنوب راسماً اشكال هندسية تتشكل وتتلاشى بشكل مستمر.
لقد حصلنا على عمل بعد مقابلة قصيرة، فكانت حصتي المنطقة الوسطى ، وحصة الشاب المنطقة الشرقية، فلم نتعارف عندها، رغم ان رقمه في قائمة الموظفين ٥٨٨، ورقمي ٥٨٩.
لم تجري الامور بسهولةٍ مع رئيس القسم، الامر الذي جعلني ان اطلب منه ان يوافق على نقلي الى المنطقة الشرقية، فوافق فوراً.
هناك التقيتُ بالرقم ٥٨٨ وعرفتُ انه من افغانستان واسمه مير ويزي. واذا لم اكن على خطأ فأن كلمة مير يقابلها بالعربي “سيد”.
وويزي خريج جامعة كابل فرع الهندسة المدنية.
حدثني يوماً بأنه عمل فترة من الزمن مع بعثات الامم المتحدة والتي تقوم بأنجاز بعض المشاريع الخدمية لتسهل حياة الناس هناك.
قال ويزي: وقع اختيارنا على منبع ماء في اعلى الجبل ، ورغبنا ان نمد انابيب لتوصيل المياه الى القرية.
اثناء العمل التحضيري الذي استمر لاسبوعين كانت نساء القرية في غبطة وينعكس ذلك بالإطراء علينا والدردشة معنا بشكل مستمر.
النساء كُن يعتقدن بأننا سنقوم ببناء مستوصف او مدرسة او رصف الطريق، ولكنهن عندما عرفن بما نرمي تنفيذهُ ادارن وجههن عنا تماماً. وعندما سألني المهندس الاممي عن السبب، اجبته بأني لا اعرف واني مستغرب من ردود افعال القرويات.
حاولتُ عدة ايام للتحدث معهن لمعرفة السبب دون جدوى حتى عثرتُ على امرأة متقدمة في السن وسألتها عن سبب المقاطعة.
فكانت اجابتها غريبة وغير متوقعة. قالت العجوز : انتم تريدون ان تحرمونا من حريتنا الوحيدة التي نتمتع بها سويعات قليلة يومياً.
فقلتُ لها، (والحديث مازال لويزي)
عن اي حرية تتكلمين آماه؟ قالت: انتم ،معشر الرجال، لا ترونها ولا تحسوا بها ولكنها بالنسبة لنا كبيرة وعزيزة. فقلتُ لها، نحن نسعى لجلب المياه الى القرية بواسطة الانابيب لكي نُقلل من معانات النساء من الذهاب الى قمة الجبل . فقالت: دعنا نُعاني ونتعب ولكننا سعداء لامتلاكنا فسحة الحرية.
وفسحة الحرية هذه تمتد من القرية الى النبع ومن النبع حتى القرية . ولكنها خالية من مراقبة الرجال وتتخللها دردشة فما بينهن.
ثم اردف ويزي: لقد تفهم المهندس الاممي والغى الفكرة تضامناً مع النساء واحتراماً لحريتهن
2023-12-09