جوليس العراق: نافع الأسود… بطل الملاكمة وشهيد المبادئ!
بقلم: البروفيسور وليد الحيالي
النشأة والتكوين: يتيم احتضنته بغداد
في قلب بغداد، في محلة عزات طويلات المجاورة لمحلة قنبر علي، نشأ الفتى نافع الأسود يتيمًا، يتلمس طريقه بين أزقة المدينة القديمة. تولت تربيته عائلة عبد الستار الطيار، وهي عائلة دينية عُرفت بالكرم والأخلاق.
تحت رعاية هذه العائلة الكريمة، كبر نافع على قيم النزاهة والاستقامة، لكنه بمرور الأيام انجذب إلى مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة، مؤمنًا أن الحزب الشيوعي العراقي كان النصير الحقيقي للفقراء والمظلومين.
“آمن نافع الأسود بأن الحق لا يُؤخذ بالكلمات بل بالمواقف… فاختار أن ينتمي إلى صفوف المدافعين عن المظلومين.”
المسيرة الرياضية: بطل من ذهب
لمع نافع في سماء الرياضة العراقية بفضل موهبته الاستثنائية في رياضة الملاكمة. وقد تميز خصوصًا في الوزن الخفيف، حتى أطلق عليه لقب “جوليس العراق”، لما كان يتمتع به من قوة عزيمة وشجاعة قلّ نظيرها.
كان نادي المهداوي الرياضي الواقع في باب المعظم، هو محطته الكبرى، حيث تدرب وتعلم فنون الملاكمة ورفع اسم العراق عاليًا في ساحات المنافسة.
“لم يكن نافع مجرد ملاكم… كان مقاتلًا عنيدًا داخل الحلبة وخارجها.”
نافع والثورة: دفاع عن أحلام الفقراء
عندما اندلعت ثورة 14 تموز 1958 بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، كان نافع الأسود في طليعة الشباب المؤمنين بالتغيير، والداعمين للثورة. قاتل دفاعًا عن مبادئ الثورة ضمن مجموعة المقاومين الشجعان المرتبطين بـنادي المهداوي، معتقدًا أن العراق يستحق الحرية والعدالة.
“في زمن الخوف، كان نافع أحد القلائل الذين واجهوا الظلم بشجاعة المؤمن بالمستقبل.”
النهاية البطولية: شهادة في أزقة قنبر علي
في 8 شباط 1963، وعقب الانقلاب البعثي الدموي على ثورة 1958، عمت بغداد حملات اعتقال وتصفيات دموية. حاصرت مليشيات الحرس القومي أزقة قنبر علي، حيث كان نافع يتوارى مع رفاقه، رافضًا الاستسلام.
وفي معركة غير متكافئة، قاتل حتى النهاية. وبين الأزقة الضيقة التي يعرفها أكثر من أي مكان آخر، وقع شهيدًا، رافعًا راية الكرامة والمقاومة.
“سقط نافع الأسود، لكن سقطته لم تكن إلا وقفة شرف أمام سطوة الظلم.”
إرث لا يموت
رغم مرور أكثر من ستين عامًا على استشهاده، لا يزال اسم نافع الأسود محفورًا في ذاكرة العراق كرمزٍ للنبل والشجاعة. بطلٌ لم يبع روحه للطغاة، وظل مخلصًا لفقراء بلاده حتى اللحظة الأخيرة.
اليوم، حين تُروى حكايات البطولة في العراق، يعود اسم جوليس العراق، نافع الأسود، حاضرًا، كأيقونة للصمود في زمن الانكسار.
خلاصة
نافع الأسود لم يكن مجرد ملاكم أو مناضل سياسي؛ لقد كان رمزًا عراقيًا خالصًا لمعنى التضحية، ومعنى أن تكون وفيًا لمبادئك حتى النهاية. وما أحوجنا اليوم لاستحضار سيرته في زمن يغيب فيه الأبطال الحقيقيون
2025-05-09