ثلاث رسائل سامة للعدو!
إيهاب شوقي
هناك العديد من الرسائل السامة التي يرسلها العدو الصهيوني وراعيه الأمريكي، والتي يجب التوقف عندها ومواجهتها وإفشالها. فهناك بعض التصريحات والمسارات السياسية والعسكرية التي يستهين بها البعض في غمرة المواجهات البطولية للمقاومة، ولا يعطيها القدر الكافي من التحليل والانتباه، وبالتالي ضرورة العمل على الإفشال.
لعل خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله قد لفت إلى سلوك العدو ومراميه بزرع اليأس في نفوس الشعوب وإيصالهم إلى حال مفادها أن لا جدوى من المقاومة، وأن مصير المقاومين سيكون الدمار، كما يحدث في غزة من جرائم.
من أهم هذه الرسائل التي ينبغي التوقف عندها ومواجهتها، ثلاث رسائل نرى أن هناك أولوية قصوى في مراقبتها والتعامل اللائق معها، مع التأكيد أن عناوينها هي مجرد أوهام استراتيجية عند العدو، حيث يغفل حقيقة مهمة، وهي أن زمن الهزائم قد ولّى.
هذه الرسائل الثلاث نراها كما يلي:
أولًا: رسالة إعادة احتلال غزة!
قد يرى البعض أن العدو الذي فشل في تحقيق أي انتصار، في غزة على مدى هذه الأسابيع، بات يضع بنكًا وهميًا للأهداف لإقناع مستوطنيه بأي إنجاز، وهذا صحيح ومحل اتفاق، ولكن الأمر لا يخلو من رسائل، حيث انتقاء الأهداف حتى ولو وهمًا، يكمن وراءه علل. فمثلًا، اقتحام مجمع مستشفى الشفاء، والذي حوّله العدو إلى معركة كبرى ولم يتورع عن ارتكاب جرائم الحرب بشأنه، له رمزية، حيث يوحي العدو بأن سيطرته على المجمع هي اعادة احتلال للقطاع، بعد أن كان رفع العلم الفلسطيني على المجمع إعلانًا عن تحرير غزة، عندما كان المجمع مقراً للحاكم العسكري الصهيوني في أثناء احتلال القطاع.
واللافت أن العدو هو من حوّل المستشفيات إلى أنفاق حربية واستغلها استغلالًا عسكريًا ودرعًا بشريًا، فعندما احتلت “إسرائيل” القطاع سنة 1967 استخدمت مرافق غزة مقراتٍ لعمل الحاكم العسكري، وفي سنة 1980، حوّلت “اسرائيل” الطابق الأرضي، في مستشفى الشفاء، إلى مثابة خندق أو ملجأ للقيادة، وظلت تستخدمه حتى آخر يوم لاحتلالها سنة 1994.
ثانيًا: رسالة النكبة الجديدة!
حاولت “اسرائيل”، منذ أول خطاب لنتنياهو بعد الطوفان الذي أغرق الكيان وزلزل أركانه بلا عودة، أن توحي بالتماسك عبر التهديد بتغيير وجه الشرق الأوسط وبأنّ ما سيحدث في غزة سيتردد صداه لأجيال. وأرفق تهديداته بمطالبة أهل غزة بمغادرتها، وكلها مفردات للنكبة، ما يرسل رسائل سامة لغزة وللشعوب بأن هناك نكبة جديدة لقطع الطريق على الثقة التي تولّدت عند الشعوب بأن الكيان بالفعل أوهن من بيت العنكبوت.
لتأكيد هذه الرسائل، أكد وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت أنه يجب هزيمة حركة حماس، “وإلا فلن يكون لــــ”إسرائيل” وجود في هذا المكان”. كما دعا وزير المالية الصهيوني الإرهابي المتطرف “بتسلئيل سموتريتش” أهالي قطاع غزة إلى الهجرة إلى مختلف دول العالم، في ظل تواصل العدوان الوحشي واستهداف مستشفيات القطاع وأحيائه السكنية. وجاء ذلك تعليقًا على مقال عضوي الكنيست “رام بن باراك” و”داني دانون”، في صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، واللذيْن اقترحا فيه خطة هجرة طوعية للاجئي غزة، قائلين: “هذا هو الحل الإنساني الصحيح لسكان غزة والمنطقة بأكملها بعد 75 عامًا من اللجوء والفقر والمخاطر”، وكل ذلك هو استدعاء واحياء لفكرة الترانسفير التي تلت الانتفاضة الفلسطينية، والتي تبنتها الحكومة المتطرفة لأرئيل شارون، في العام 2001، بعد دخول ائتلاف الوزير المقتول رحبعام زئيفي طرفًا فاعلًا به.
غير أنّ زئيفي نفسه سبق له أن أكد أنه استقى فكرة الترانسفير من آباء الحركة الصهيونية. ففي واحدة من مقالاته الكثيرة في هذا الشأن، وهو بعنوان “الترحيل من أجل السلام”، نشرها في صحيفة “هآرتس” في 17 آب/ أغسطس 1988، كتب ما يلي: “صحيح أنني أؤيد الترانسفير بحق عرب الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الدول العربية، لكنني لا أملك حق ابتكار هذه الفكرة، لأنني أخذتها من أساتذة الحركة الصهيونية وقادتها، مثل دافيد بن غوريون الذي قال من جملة أمور أخرى “إن أي تشكيك من جانبنا في ضرورة ترحيل كهذا، وأي شك عندنا في إمكان تحقيقه، وأي تردّد من قبلنا في صوابه، قد يجعلنا نخسر فرصة تاريخية”.
وقبل أقوال زئيفي بأكثر من ثمانية أعوام؛ ألمح الوزير الإسرائيلي الأسبق والخبير الاستراتيجي أهارون ياريف إلى وجود “خطة جاهزة” في الأدراج الإسرائيلية الحكومية لترحيل 700 – 800 ألف عربي، حين “تنشأ الأوضاع الموضوعية لذلك”.
ويبدو أن العدو قرأ أن الوضع الرسمي العربي ملائم لتكرار النكبة وتهجير الفلسطينيين، ففي خلال حرب فلسطين 1947-1949، طُرد ما يقدر بنحو 700 ألف فلسطيني، بعد طرد غالبيتهم الساحقة من المدن والبلدات والقرى التي احتلها المستوطنون اليهود إما بالترهيب وإما بقوة السلاح.
وكان من أسباب النكبة، وظن “اسرائيل” أنها متوفرة حاليًا، أسباب مثل ضعف الجيوش وارتهان قادتها للاستعمار وفجوة التسليح وحرص الغرب على التفوق الصهيوني، ولكن تناست “اسرائيل” أن هناك مقاومة شكّلت معادلات تحت عنوان عريض وهو أن “زمن الهزائم قد ولّى”.
ثالثا: رسالة تبادل الرهائن وليس الأسرى!
يمكن تفسير مماطلات العدو وفقًا لما يحاول تصديره من دعايات ومحاولات لتصفية المقاومة، حيث تتعامل “اسرائيل” مع ملف الأسرى بأن هناك رهائن لدى “حركة ارهابية” وليس أسرى حرب لدى حركة تحرر وطني لها صفة عسكرية. وبالتالي تسعى لخلق معادلة وقود أو السماح بالمساعدات أو هدنة مؤقتة مقابل الافراج عن “الرهائن”؛ ولذلك حتى كل التسريبات التي تقول إنها ستفرج عن فلسطينيين هي تسريبات تتعلق بالأطفال والنساء وليس أسرى التنظيمات!
“اسرائيل” المتغطرسة التي تسعي للردع والاذلال لن تنفذ صفقة إلا بتصدير صورة نصر ولو زائفة، وبالتالي لن يتم الخضوع لهذه الصيغ، والأهم وصول رسالة واحدة للعدو في مقابل رسائله، وهي أننا في معركة وجودية منفصلة عما مضى، فلا رهان على تسويات، حتى لو حدثت هدنة، فإذا كان المطلوب تصفية المقاومة، فهو أمر عند المحور المقاوم عظيم ودونه الرقاب.
2023-11-17