تونس : مجلس النواب ينتفض ضد قطر !
بقلم أحمد الحباسى *
في تاريخ الشعوب هناك محطات و تواريخ و أحداث لا تنسى بسهولة و كما لا يزال الشعب التونسي يحمل كراهية لفرنسا بسبب ما تخلل الحقبة الاستعمارية من مجازر و اغتيالات و سفك لدماء الأبرياء و اغتصاب للثروات فان هذا الشعب نفسه لن يغفر لقطر و لحكام قطر بالذات جملة الانتهاكات التي ارتكبتها حركة النهضة بتمويل قطري و لغاية تدمير البلاد منذ 14 جانفى 2011 إلى الآن . قطر اليوم منبوذة تماما و هي في نظر الشعب التونسي أو أغلبيته على الأقل كالقط المحاصر الذي عليه أن يتخذ كل الاحتياطات لكي لا يتم القبض عليه بيسر و سهولة لذلك هناك شعور عام بالارتياح لدى المواطن التونسي بمجرد سماع خبر إسقاط البرلمان التونسي لمشروع القانون الأساسي المتعلق بالموافقة على اتفاقية بين الحكومة التونسية و صندوق قطر للتنمية حول فتح مكتب للصندوق في تونس . توجهات السياسة القطرية و ارتكابها لكثير من الحماقات و الألاعيب و الانتهاكات و المؤامرات لا تلاقى قبولا في تونس و الممارسات العدائية التي ارتكبها النظام القطري المسنود إسرائيليا قد جعل الكيل يطفح بحيث اتسع الخرق على الراتق و بات الجميع يتحدثون عن هذا الصديق اللئيم الذي يريد بنا شرا.
سنوات مريرة و عسيرة و نظام قطر يرسل أمواله النفطية لحركة النهضة بغاية تمويل الإرهاب و بث الفوضى و قتل الأبرياء و تغذية ميادين القتال بملايين القنابل الانشطارية المتمثلة في الآلاف من الانتحاريين الذين تولت الحركة غسل أدمغتهم و تدريبهم و مليء قلوبهم بالضغينة نحو شعوبهم حتى يصبحوا قتلة محترفين لا يرف لهم جفن و هم يذبحون الأبرياء على مدار مساحة الأرض العربية . قطر لا تستنكف إعطاء المال و تبذيره و توفير السلاح بيد و باليد الأخرى تحاول بكل قوتها و خبثها تسخير قناة ” الجزيرة ” لتذرف دموع التماسيح على ضحايا الإرهاب في لعبة مزدوجة و ممارسة قذرة للتناقض على أعلى مستوياته . حين أعلنت قطر بإيعاز من إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية تمردها على تقاليد العلاقات بين الدول بتدخلاتها السافرة و تآمرها المفضوح لإسقاط الأنظمة العربية بتسخير الشيخ يوسف القرضاوى ليتولى الإفتاء بما سمى ” بالجهاد ” في سوريا و قناة الجزيرة لبث الفوضى الأمريكية الخلاقة كانت تعلم يقينا أنها تقطع حبال صلة الرحم و التآزر بينها و بين بقية الدول العربية بمن فيهم تونس و كانت تدرك مليّا أن التونسيين لن يغفروا لها دماء أبناءهم المغدورين أو الذين سخرتهم لضرب سوريا و غيرها من البلدان العربية .
لا يشك اثنان في أن تونس تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة جدا و تحتاج إلى تمويلات أجنبية كما لا يشك اثنان أن تونس تحتاج إلى التمويل الخليجي لكن هذه الحاجة الملحة لن تدفع هذا الشعب أبدا للقبول بالدعم الذي يقدمه ما يسمى بالصندوق القطري للتنمية و لا بمحاولات النظام القطري التي تخفى وراءها شبهات تآمر لم تعد خافية على أحد. النظام القطري اليوم مجرد مقاول تحت الباطن لبعض مخططات الإدارة الأمريكية الصهيونية التي باتت تشكل خطرا على الأمة العربية و هذا النظام الفاشل لم يفلح رغم كل محاولاته و تبذير أمواله النفطية بلا حساب إلى إسقاط النظام السوري و لا إلى ضرب الاستقرار في تونس و لا إلى توفير الأرضية الخصبة للتمدد الصهيوني داخل ليبيا بل الأغرب من ذلك أن إسرائيل نفسها تعتبره و كما جاء على لسان رئيس حكومتها بنيامين نتانياهو منذ أيام قليلة نظاما منافقا غير جدير بثقتها رغم ما قدمه من خيانات و بيع ذمة. بعد كل التآمر و التحالف مع الصهيونية العالمية طيلة سنوات وجدت قطر نفسها معزولة و منبوذة و مجرد نظام غبي مغرور يمارس إرهاب الدولة .
لقد وجدت قطر و بالأحرى إسرائيل و أمريكا المقاول الماكر و الجاهز ليقوم بدور قذر أساسه ضرب الاستقرار في تونس كما وجدت قطر في حركة النهضة و أزلام حزب نداء تونس و من تحالف معهم من أحزاب الصفر فاصل مقاولا أكثر خيانة و عمالة و عليه حاولت استغلال ذلك لتمرير أكثر ما يمكن من مخططاتها لضرب الاستقرار الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي و كان مجلس نواب الشعب مسرحا لتنفيذ هذا المخطط و عمل نواب هذه الأحزاب على تمرير الاتفاقية مع الصندوق القطري للتنمية بالقوة رغم معارضة كتلة نواب الحزب الدستوري الحر و اعتداء النائب الصحبى صمارة على رئيسة الحزب داخل قبة البرلمان في مشهد يؤكد ما وصلت إليه ذمة كثير من النواب من سقوط في بئر الخيانة مقابل رضاء حركة النهضة و زبانيتها . من يطالع نص الاتفاقية يجدها لا تختلف تماما عن نص ما يسمى بمعاهدة قصر السعيد المؤرخة في 12 ماى 1881 الموقعة بين فرنسا و داى تونس محمد الصادق باى التي تعلن ” حماية ” فرنسا على البلاد التونسية .
لا يمكن أن نتغافل على تصريحات وزيرة المالية سهام البوغديرى نمصيّة التي اعتبرت أن مشروع الاتفاقية لا يمس بالسيادة التونسية في تضارب صارخ و مشبوه مع أراء نواب الشعب و في موقف يثير علامات استهجان و تساؤل خاصة أن رئيس الدولة قد جعل من شعار السيادة الوطنية شعارا انتخابيا يمرره في كل جولاته استعدادا للانتخابات الرئاسية القادمة . تصريح السيدة الوزيرة خارج عن سياق الأحداث و عن تضحيات الشهداء و عن كل ما تحمله هذا الشعب ليكسب استقلالا حتى بالحد الأدنى و هو يصبّ فى خانة واحدة هو خدمة الاستعمار القطري و المشروع الصهيوني الأمريكي و يمثل في كل الحالات وعكة صحية ذهنية لدى السيدة الوزيرة تؤكد أن السيد الرئيس قد فشل مرة أخرى في اختيار الوزير الأمثل لتسيير دواليب هذه الوزارة . ليخرج السؤال : هل أن الوزيرة في واد و الرئيس في واد أم أن شعار السيادة الوطنية قابل للصرف في سوق السياسة ؟
كاتب و ناشط سياسي
2024-04-11