تولد”الحركة الوطنيه العراقية”اولاعراق/6!
عبدالاميرالركابي*
عن اية “حركة وطنية” نتحدث؟ اليست الاحزاب القائمه منذ الثلاثينات من القرن المنصرم هي ” الحركة الوطنيه” كما تقول عن نفسها، وكما تسنى لها ان تدعي بعدما تشبعت بالمنظورات المستعارة الجاهزة الغربية الحديثة، واخضعت بلادها لاشتراطاتها ولما يتناسب مع وجودها، ويمنحه المبرر المجتمعي من طبقات وفرضية كيانوية حديثة وتشكلية متصلة بها، اي الباس العراق هيكلية مجتمعية من خارجها، فما كان ماهي عليه وماقد حصل الا النقل الاصم، من دون ان نعرف اية محاولة نظر او تبصر، فضلا عن الوصول الى حد هضم المنجز الغربي الحديث، والتوغل في ابعاده ودلالاته قبل محاولة استقدامه، فضلا عن الذهاب المباشر الى اعتماده والتماهي معه، مع المبالغة النامة عن عمق القصور، والوقوع تحت سطوته لدرجة الضعه، مع مثلبة التباهي بما عند الاخر وما هو صنعته ومنجزه.
ماركسية شيوعية، وليبرالية شعبوية، وقومية، مفاهيم لم يعرف عنها من قد سعوا لتلقفها جاهزة اي شيء يذكر اطلاقا، من دون هداية الغرب الحديث ونهضته المعاصرة الالية البرجوازية وماتمخض عنها، الامر المعيب، بالأخص حين يعتبر وكانه الطريق اللازم والواجب باتجاه ماعرف وماقد جرت تسميته ب “النهضة” التي لاسبيل لها الا النهوض غربيا، وبحسب القواعد الحديثة الاوربية من دون اي ملمح ذاتي، لابل وبالقفز دون الافكار والادراكية التحليلية، مباشرة الى “الحزبية”، وهذا هو حال العراق تحديدا، فهو حتى لم يعرف برغم خصوصية تكوينه التاريخية، وموقعه الاستثنائي البدئي والوسيط، حتى ماقد عرفته مصر وساحل الشام من”افكار”، كانت مدخلا لتشريع الالتحاق بالغرب، ماجعل الظاهرة المذكورة تتخذ صيغتين، الاولى مصرية شاميه تفكرية توهمية، والاخرى عراقية طابعها الرئيسي الحزبية المباشرة العملية.
يبقى الواقع التاريخي والبنيه والكينونه هنا، خارج البحث لتحل محلهما توهمية منقولة عن كيانية وتاريخ وسيرورة اخرى مختلفة، يؤتى بهامن خارج المكان، فتصاغ اشكال التوهمات القسرية الطبقية والمجتمعية التي لاوجود لها، ولم يسبق ان عرفت على مر تاريخ هذا المكان من المعمورة، كي ترتكب والحالة هذه اكبر الجرائم بحق المعرفة والرؤية التاريخيه، وبحق الوعي البشري ومستقبل العالم، وهنا نجد انفسنا امام واحده من اخطر الموضوعات هي خصوية ذاتية عراقية صرفة، ففي اي مكان من العالم يمكن ان يتم التعكز على الغرب ومنجزه الحاضر الالي البرجوازي كما حصل وهو حاصل على مستوى المعمورة، منذ الانقلاب الالي وماتمخض عنه، فلايكون لمثل هذا الصدوع للتغلبية النموذجية الغربية وان المؤقته، اثر او معنى ودلالة كبرى تتعلق بالغرب نفسه، وبمنجزه الحاضر، ونهضته وحقيقتها وكمال ماتضمره كونيا، الا في العراق الموقع الكوني ابتداء واستهلالا تاريخيا، حيث الخروج عن ” الخصوصية”!!! هو جريمه كونيه تصيب العالم والغرب منه بالذات، بوطاة استمرار القصورية والمنظور الارضوي وتكريسها.
يستند هؤلاء بالاساس على فبركة برانيه يمارسها الغرب في العراق لمقاصد افنائية لنمطية نوعيه مغايرة اخرى، باقامة كيانيه ودولة من خارج النصاب المجتمعي، وبالضد من التشكلية الحديثة العراقية المستمرة منذ القرن السادس عشر مع ظهور “اتحاد قبائل المنتفك” في ارض سومر الحديثة منطلقا لسيرورة تاريخيه، تشير الى الدورة الثالثة من تاريخ هذا المكان، بعد دورة اولى سومرية بابلية ابراهيمه، وثانيه عباسية قرمطية انتظارية، انتهتا بالانقطاعية الملازمة لقانون التاريخ المتحكم بصيرورة العراق بين الدورات الكبرى الامبراطورية اللاارضوية بعد سقوط بابل اولا، وبغداد لاحقا، ومع ان هؤلاء يقولون بمعارضتهم للوجود الاجنبي والاحتلال، ويعملون ضده، الا انهم يفعلون مايقولونه بلغته كينونه وتصورا، بعد ان يقلبوا بنيتهم المجتمعية والتاريخيه لكي تنسجم مع مايراه هو ويعتقده عن نفسه والعالم، ويظل يسعى بكل جهده كي يفرضه في ارضهم حتى يزيلها من الوجود.
الحركة مابعد وطنيه ومايتجاوزها، هي التي تطابق الحقيقة العراقية التاريخيه لكيانيه وجدت كونية، ولم يسبق لها على الاطلاق ان كانت كيانوية “وطنيه”، فهي ازدواج امبراطوري ولاارضوي حدسي نبوي، نتاج ودالة على الازدواج اللاارضوي الارضوي، وهو الموضع الذي ينطوي على الحقيقة الكونية المجتمعية النهائية، يوجد ابتداء غير قابل للتحقق لنقص الاسباب المادية “وسيلة الانتاج”، والاعقالية التفكرية بسبب القصورية العقلية التاريخيه التي يكون عليها العقل عند بداياته المجتمعية قبل انقضاء التفاعلية التاريخيه “اليدوية” الطويلة، بمعنى كون ارض مابين النهرين هي الموضع الكوني المجتمعي، وفيه تودع المكنونات التحولية المقررة على الكائن البشري ومجتمعيتة بما هي الوسيلة، الذاهبة من المجتمعية الجسدية الحاجاتية، الى العقلية، والى تحرر العقل من ثقل وطاة متبقيات الحيوانيه العالقة به، والتي تلعب ابان زمن طويل جدا، دور الحامل له الى ان تتوفر الاسباب اللازمة ويحدث الانقلاب الاكبر، الامر الذي لن يتحقق الا بالانتقال من الانتاجوية ” اليدوية” الى ” الالية”، وبالذات مع تحورها الى “تكنولوجيا عليا “، بعد المصنعية صيغتها الاولى و ” التكنولوجيا الانتاجوية” الحالية وقد اخذت تقترب من الزوال، ووقتها يصير العالم محكوما الى اللاارضوية التحولية الانتقالية شرطا، دونه وفي حال عدم تحققه، خطر اكبر على الوجود البشري والحي.
تمر البشرية مع الانقلاب الالي، ب مرحلة وفترة من “الحداثة الوهمية” تعززها في الغرب الاوربي بالاضافة للاستعداد البنوي، استمرار عمل الالة ارضويا جسديا كما كانت ابان الطور اليدوي، مع قوة تسارع الاليات المجتمعية، وهو مايسود ابان الطور المصنعي من عمل الالة اضافة للطور ” التكنولوجي الانتاجوي” الحالي، تحتل اوربا ومن ثم الكيانيه الامبراطورية الامريكيه المفقسه خارج الرحم التاريخي خلالهما، موقع الغلبة على مستوى المعمورة الى ان تصل الى مشارف الحقبة الثالثة من التحول الالي، مع تبلور اسباب ” التكنولوجيا العليا” مافوق الجسدية الحاجاتيه / العقلية، ووقتها لايعود الغرب وامريكا في وضع يتيح لهم الاستمرار في ذات الوضع التغلبي الاستثنائي الذي بدا مع الالة، في حين تبدا بنيتهم بالتراجع كما حاصل الان، ذهابا الى احتمالية الانهيار بعد الاضطراب الشامل، ابتداء من توقف وتراجع الفعالية والقدرة على الفعل المتحكم به، ووقتها يحضر الاصل المجتمعي اللاارضوي، ويصير هو المحور الانتقالي الانقلابي الكوني، مع نوع حضوره الكتابي وليس الكياني، فالعراق كيانيه كتابية كونية شاملة للمعمورة لا مادية جغرافية محلوية، وتلك او هذا هو نوع حركته الوطنيه ونمط تعبيريتها، وساعتها نصير في غمرة الانقلابية العظمى المنتظرة منذ سبعة الاف عام، تلك التي ظلت الى اليوم مبعده عن الادراك.
2024-06-11