تهجير الشعب الفلسطيني .. الوجه الفاشي الجديد للاستعمار الصهيوأمريكي!
توفيق سلاّم
ما يجري اليوم في غزة والضفة الغربية ليس مجرد عدوان عسكري أو حملة أمنية، بل هو تنفيذ ممنهج لسياسة تهجير قسري، تمثل طورًا جديدًا من الاستعمار الكولونيالي الذي يعيد إنتاج نفسه بثوب فاشي معولم.
إحلال العنصر الاستيطاني
المشروع الصهيوني، منذ نشأته، لم يكن يومًا مشروعًا للاندماج أو التعايش، بل مشروع اقتلاع واستيطان، هدفه تفريغ الأرض من سكانها الأصليين وإحلال عنصر استيطاني مكانهم. هذا التهجير ليس نتيجة طارئة للحرب، بل جزء لا يتجزأ من استراتيجية طويلة المدى تتقاطع فيها مصالح الحركة الصهيونية العالمية مع مراكز الهيمنة الإمبريالية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
فالتهجير القسري هنا، ليس قرارًا فرديًا، بل نتيجة لسياسات متعمدة تتخذ من الحرب، والحصار، والتدمير البيئي، وقطع سبل العيش أدوات لفرض الرحيل بالقوة. من خلال المجازر التي تُرتكب في غزة، والحصار والتجويع، وهدم كل مقومات الحياة، والتضييق اليومي في الضفة الغربية، ليست إلا آليات إكراه جماعي تمارسها منظومة استعمارية عنصرية، تمولها وتبررها واشنطن تحت شعار حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، بينما تبرمج أنظمة القتل كما تُبرمج المعونات العسكرية.
لذلك فإن التهجير الممنهج للفلسطينيين لا ينفصل عن منطق السيطرة الإمبريالية على الجنوب العالمي، حيث تتحالف الرأسمالية النيوكولونيالية مع المشاريع العنصرية لاستغلال الموارد وقمع الشعوب. كما أن ما يسمى بـ”حلول إنسانية” كإقامة ممرات آمنة أو إعادة التوطين، ما هي إلا محاولة لتسويق عملية التهجير على أنها إنقاذ، بينما جوهرها اقتلاع ونهب. تمامًا كما يحدث في مناطق أخرى من الجنوب العالمي، من الكونغو إلى السودان، ومن بوليفيا إلى ميانمار، يتم استخدام الحرب كسلاح لتفريغ الأرض وتحويل السكان إلى فائض بشري يُزاح عن الطريق.
الخطاب الصهيوني الأمريكي اليوم، والذي يتحدث بلغة التقنيات الذكية، والقنابل الدقيقة، هو الوجه الجديد للفاشية، التي لا تقتل فحسب، بل تقتل وتبرر، تقتل وتبني سردية حول الضحية باعتبارها تهديدًا ديمغرافيًا وأمنيًا يجب التخلص منه. وضمن هذا المنطق، يتحوّل الفلسطيني إلى عبء، وإلى مشكلة سكانية، تمامًا كما يُختزل المهاجر الجنوبي إلى خطر وجودي على أوروبا، لا إلى إنسان حُرم من الأرض والعيش.
التهجير الذي يستهدف الفلسطينيين اليوم هو تعبير فجّ عن منطق رأسمالي/استعماري بشع، حيث الأرض ليست وطنًا بل عقارًا، والسكان ليسوا بشرًا بل عوائق يجب إزالتها، والمقاومة الوطنية ليست حقًا شرعيًا في مقاومة المحتل، بل “إرهابًا” يجب سحقه. ومثلما صاغت الإمبرياليات القديمة حدود الدول على هواها، اليوم يُعاد رسم جغرافية فلسطين على وقع القصف والدمار، لا لإحلال السلام، بل لترسيخ نظام تطهير عرقي يتكئ على دعم دولي وشرعية زائفة.
وفي قلب هذا الاستعمار الجديد، نجد العنصرية لا كخطاب شاذ، بل كأداة استراتيجية.
فشيطنة الفلسطيني، لتجريده من الإنسانية، واختزاله إلى تهديد، وكلها خطوات تمهيدية لتبرير التهجير الجماعي. وما يرافق ذلك من مجازر جماعية وتدمير للبنى التحتية، وقطع الكهرباء، والتجويع، واستهداف المشافي، ليس عشوائيًا، بل سياسة متعمدة لضرب الحياة ذاتها، وخلق مناخ لا يمكن العيش فيه، لدفع الفلسطيني دفعًا إلى مغادرة الأرض.
مشاهد الفاشية
ما يحدث في غزة من مجازر يومية للسكان المدنيين، ليس فقط استمرارًا للاستعمار، بل تطور له، حيث تختلط الرأسمالية المتوحشة بالمشروع الصهيوني والعنصرية البنيوية لتوليد مشاهد جديدة من الفاشية الكوكبية، مشاهد يصبح فيه الإنسان غير ضروري إلا بقدر ما يخدم مصالح السوق أو يفسح المجال لاستيطان جديد، واحتلال للأراضي العربية.
نرى إسرائيل تواصل الهجوم على رفح ومحيطها تقصف وتخرب وتهدم ما تبقى من المدينة وتحويلها إلى منطقة عازلة عن غزة وطرد ربع مليون فلسطيني منها.
فكل جسد فلسطيني يُقتلع من أرضه هو شهادة على عنف النظام العالمي. وكل لاجئ فلسطيني جديد هو أثر مادي لاندماج السياسات العسكرية الأمريكية بالمخططات الصهيونية. وكما كانت أوروبا ترسم خريطة إفريقيا بمعايير الهيمنة، ترسم اليوم أمريكا مع الاحتلال الصهيوني خريطة فلسطين الجديدة بمعايير الطرد والاقتلاع.
فالتهجير للشعب الفلسطيني اليوم ليس نتيجة لحرب واحدة، بل نتيجة لمشروع استعماري محدث، يعيد ترتيب الجغرافية والسكان وفق منطق النهب والتصفية، في ظل صمت دولي، وتواطؤ عربي وإقليمي، وتحالف رأسمالي/صهيوني يضع الربح والسيطرة فوق كل اعتبار إنساني.
قراءة هذا المشهد الكارثي تتطلب النظر في أربعة مستويات متشابكة: البعد الاستراتيجي للمحتل، وموقف الإدارة الأمريكية، وسلوك الأنظمة العربية.
ما يفعله نتنياهو ليس مجرد “رد على حماس”، بل هو تنفيذ واضح لمشروع تاريخي، تفريغ غزة من سكانها بالحصار، والقصف، والتدمير الممنهج للبنى التحتية، وصولًا إلى منع المساعدات واستهداف المدنيين عمداً، كل ذلك جزء من استراتيجية تهدف إلى خلق ضغط لا يُحتمل يدفع السكان نحو الرحيل القسري.
خطابه المتكرر عن “منطقة آمنة” و”غزة ما بعد الحرب” و” وتسليم حماس سلاحها واخراجها من غزة”، ليس سوى غطاء لخطته الأعمق تغيير ديمغرافي بالقوة. وعرقلة الصفقة ليست مجرد تكتيك تفاوضي، بل وسيلة لإبقاء الحرب مشتعلة كي يستكمل نتنياهو مشروعه الاحتلالي لقطاع غزة والضفة الغربية. فهو لا يريد الهدنة لأنها ستعيد الأضواء على الجرائم، وستمنح الفلسطينيين فرصة لالتقاط أنفاسهم، بالإضافة أن هذا لا يخدم مسار “التفريغ”. فنتنياهو في سباق مع الزمن، إما أن يُنهي حلم المقاومة عبر الإبادة أو يُنهي مستقبله السياسي.
لذا يحاول بشتى الوسائل عرقلة التفاوض باضافة شروط جديدة. هذه المرة يشترط لوقف إطلاق النار تسليم حماس سلاحها وخروجها عن قطاع غزة. بالرغم من أن وقف إطلاق النار في غزة هو قرار أمريكي أكثر منه قرار إسرائيلي. إلا أن حماس لم توافق على أي مقترح جديد، ولن تُسلم سلاحها.
تحدث الباحث في الشأن الفلسطيني محمد القيق عن المفاوضات الجارية في مصر لإنهاء الحرب في قطاع غزة، مؤكدًا أن إسرائيل منذ البداية لا تريد أن تضع بندين مهمين في إتفاق، الأول وقف الحرب، والثاني أن يكون اليوم التالي فلسطينيًا.
ورأى القيق عبر مداخله
لإذاعة سبوتنيك أن الوقائع تشير إلى أن إسرائيل في أزمة سياسية وعسكرية. لافتًا إلى أن رئيس الوزراء نتنياهو بانتهاكه وقف إطلاق النار فشل فشلاً ذريعًا، وأن المشكلة ليست في حماس، بل في إسرائيل ونظرتها للفلسطينيين ودول الجوار”.
خذلان الأنظمة العربية
الصمت العربي ليس مفاجئاً، لكنه اليوم أكثر فجاجة. معظم الأنظمة العربية باتت ترى في استمرار المقاومة إحراجاً سياسيًا وأمنيًا. بعضها يراهن على ما بعد الحرب لإعادة بناء غزة بـ”شروط سياسية”، وبعضها متواطئ صراحة مع مشاريع إعادة تدوير السلطة الفلسطينية على حساب المقاومة، وكلها تقف عاجزة أمام الرفض الشعبي العربي الذي يرى في ما يجري نكبة جديدة تُبث على الهواء مباشرة.
المقاومة الفلسطينية، هي جدار الصد أمام المشروع الإسرائيلي، رغم الجراح، ورغم الثقل الإنساني الهائل، ما تزال المقاومة تُمثّل العقدة التي تفشل خطط المحتل الصهيوني في تجاوزه. ووجودها بحد ذاته يُفشل “مشروع التفريغ”، ويُفسد على أمريكا والصهاينة حلم ما يسمونه “غزة منزوعة السلاح”.
نحن أمام مرحلة مفصلية،
إما أن تُفرض تهدئة تُعيد شيئًا من التوازن، أو أن يمضي المحتل بتواطؤ وصمت دولي وعربي للاستمرار بارتكاب المجازر والتطهير العرقي، وهذا ما سيؤدي إلى مزيد من التوتر في المنطقة، وربما حرب إقليمية لاحقة.
2025-04-16