بسم الله الرحمن الرحيم
بيان نعي صادر عن الأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني
…………………………………………………………
ببالغ الحزن والأسى تنعي الأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني إلى قواعد الحزب وجماهيره وأنصاره وإلى الشعب اليمني قاطبة رحيل اللواء علي محمد عبد الله مغلس الذي ووري جسده الطاهر الثرى أمس الجمعة في العاصمة صنعاء التي كان الفقيد واحدا من أبطال الدفاع عنها وعن ثورتها وجمهوريتها في ستينيات القرن الماضي وفي ملحمة السبعين يوما المجيدة التي أرست مداميك الحد الفاصل النهائي بين عهدين في تاريخ اليمن.
ولد الفقيد اللواء علي مغلس في عزلة قَدَسْ-مواسط-حجرية-محافظة تعز في العام 1946. وتلقى تعليمه الأولي في كتاتيب القرية قبل أن يلتحق بمدارس عدن الأهلية زمن الاستعمار البريطاني. وعندما اقتحمت طلائع الضباط الأحرار قصر البشائر في صنعاء كان ضمن آلاف الشباب الذين لبوا نداء الثورة في أيامها الأولى. وفي الحرس الوطني كان الفقيد من بين الشباب الذين تشكلت منهم الدفعة الأولى كلية حربية بعد الثورة مباشرة، وبعد تخرجه ابتعث إلى واحدة من أشهر الأكاديميات العسكرية التي تخرج منها العديد من قادة الجيوش في العالم وهي أكاديمية فرونزا في الاتحاد السوفييتي التي انطلق منها الفقيد إلى ميادين القتال في مختلف جبهات الدفاع عن الثورة الجمهورية بما في ذلك جبهة صعدة حيث كان أول ضابط يدخلها مع القائد عبد الكريم السكري، وكان آخر موقع قيادي يشغله في الجيش هو رئاسة أركان أحد المعسكرات القتالية التي رابطت في منطقة ثلاء وهناك التقى لأول مرة الضابط إبراهيم محمد الحمدي وقامت بينهما صداقة دائمة.
وفي الجيش انتهى المطاف بالفقيد ليكون كبير المعلمين في المركز الحربي بتعز الذي كان بمثابة كلية قيادة وأركان، ولكن سرعان ما ألفى نفسه ضمن مئات الضباط الذين طالتهم أحداث أغسطس وذهبوا بين قتيل وسجين وشريد، ومن حسن طالعه أنه نجا من القتل والسَّجن ليعيش مشردا في شقة ضمن العمارة 105 شارع مصدق-حي الدقي-الجيزة-مصر، ولهذا العنوان تاريخ يحكي سيرة واحد من أنبل الناس الذين جاد بهم الدهر على اليمن.
في مصر التحق الفقيد بكلية الحقوق جامعة القاهرة ليثبت أن الحياة أوسع وأرحب من أن يخرجه منها أولئك الذين لا يفرقون بين الأوطان والزرائب والحظائر. وفي مصر كانت شقة طالب الحقوق علي مغلس في 105 ش مصدق بمثابة ملحقية صحية ومنامة لكل يمني ضاق به الحال، وبخاصة الضباط والجنود الذين سحقتهم أحداث أغسطس 1968 ورمت بهم إلى المجهول لتتلقفهم الأمراض النفسية، وكان هؤلاء بالمئات وليسوا بالعشرات، وكان الواحد منهم لا يصل إلى مطار القاهرة إلا وهو يحفظ عن ظهر قلب 105 شارع مصدق حيث علي مغلس الإنسان بحجم الوطن.
في القاهرة كانت لدى الفقيد سيارة فيات هي الوحيدة التي كانت تطيل الوقوف أمام مركز طبيب الأمراض النفسية الشهير يحي الرخاوي، وكان معظم زوار هذا المركز من ضحايا أحداث أغسطس 1968 في اليمن وكان طالب الحقوق علي مغلس حاضرا بحماس وبحب مع كل حالة تصل إلى الطبيب من البداية إلى النهاية حتى أصبح على علم بالأمراض النفسية الشائعة وبأعراضها وبالوصفات العلاجية التي تعطى لها، وكان حين يصل إلى الطبيب يسرد له أعراض الحالة التي برفقته ويقترح لها العلاج المناسب الأمر الذي لفت انتباه الدكتور يحي الرخاوي فمكنه من العمل في المركز كمعالج نفساني متدرب تحت إشرافه، وبالفعل أصبح الفقيد معالجا نفسانيا بالخبرة ولكن في حدود معينة لا يتعداها، وظل يعمل في مركز الرخاوي لأكثر من عشر سنوات وعلى علاقة حميمة بمجلة الطب النفسي التي لم يبرحها ما بقي له من العمر.
في مطلع ثمانينيات القرن الماضي عاد الفقيد إلى صنعاء، وفي ذلك الوقت مكنه رفيق دربه محمد عبد السلام منصور من العمل في الخطوط الجوية اليمنية مديرا لمكتب رئيس مجلس الإدارة. وفي العام 1988 رشح الفقيد نفسه في آخر انتخابات نيابية جرت قبل وحدة 22 مايو 1990 وفاز فيها بعضوية مجلس الشورى عن مديرية المواسط. وعند إعلان قيام وحدة 22 مايو 1990 تم دمج برلماني الشمال والجنوب في برلمان واحد وكان الفقيد عضوا فيه. وفي انتخابات أبريل 1993 خسر الفقيد دائرته أمام سلطان العتواني، ويسجل له تاريخ الانتخابات النيابية في اليمن أنه أول رجل يقنع أنصاره ومؤيديه بالذهاب على رأس موكب كبير لتهنئة منافسه. أما آخر عمل رسمي شغله الفقيد قبل إحالته للتقاعد هو مدير عام الشئون القانونية في شركة الخطوط الجوية اليمنية.
كان الفقيد علي مغلس ضمن طلائع الشباب الأولى الذين التحقوا بحركة القوميين العرب بعد ثورة سبتمبر 1962 وكان على علاقة مباشرة بقيادات الحركة وعلى رأسهم عبد القادر سعيد أحمد طاهر وعبد الحافظ قائد. وعندما تحولت الحركة إلى اليسار الماركسي أصبح علي مغلس في الحزب الديمقراطي الثوري، وظل ملتزما للعمل الحزبي قبل وبعد توحيد فصائل اليسار في الحزب الاشتراكي اليمني إلى أن أقعده المرض.
والفقيد علي مغلس من القلائل الذين أقاموا علاقة متينة ودائمة مع الكتاب وكان مواظبا على اقتناء آخر الإصدارات العربية والمترجمة التي تزدحم بها رفوف المكتبات وله مكتبة عامرة بالكتب النفيسة، ونادرا ما كان ديوانه اليومي في صنعاء يخلو من المثقفين والكتاب والسياسيين من شتى المشارب، وكقارئ نهم لم يكن الفقيد ميالا إلى الكلام بقدر ما كان مستمعا من الطراز الرفيع.
رحم الله الفقيد اللواء والمثقف والإنسان علي محمد عبد الله مغلس. له المجد ولروحه الخلود، وخالص العزاء وعظيم المواساة لنجله أشرف وشقيقته ولزوجه أم أشرف ولكل آل المغلس والعزاء موصول لأصدقائه ومحبيه ورفاق دربه.
صادر عن الأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني
صنعاء 20 أغسطس 2022