تمويل وَدَعْم العدوان الصّهيوني!
الطاهر المعز
تتجاهل الدّول والشّركات الدّاعمة للكيان الصهيوني أحكام محكمتَيْ العدل والجنايات الدولية، بل زادت دعمها للحرب العدوانية – التي تُعتَبَرُ حرب الإمبريالية ضدّ الشُّعُوب المُضطَهَدَة والواقعة تحت الإستعمار، وليست حربًا بين الشعب الفلسطيني ( أو حماس) وجيش الإحتلال – ما جعل الكيان الصهيوني يعتبر الأمين العام للأمم المتحدة “شخصًا غير مرغوب به”، فيما تستقبل الولايات المتحدة رئيس حكومة العدو في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، ويُعلن كيان الإحتلال “عدم شرعية” منظمة دعم وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (أنروا)، واستمرت هذه الدّول (منها دول عربية مثل مصر والأدرن والسعودية ودويلات الخليج الأُخرى والمغرب…) والشّركات في دعم الكيان الصهيوني، في مخالفة صريحة لقرار محكمة العدل الدّولية، بمبادرة من جنوب أفريقيا بشأن الإبادة الجماعية، الذي تَضَمَّنَ أدانة العنف المستمر والدَّعْوَة إلى الوقف الفوري لأي مساعدات عسكرية تخدم الإبادة الجماعية، مما يجعل هذه الدّول والشركات متواطئة في تصميم وتنفيذ عمليات الإبادة الجماعية، ولولا هذا الدّعم المالي والعسكري والسياسي والإعلامي، لما تَمكّن العدو من مُواصلة عُدْوانه. تتضمن الفقرات الموالية جَرْدًا جُزْئِيًّا للدّعم الإمبريالي للعدوان الصهيوني، وفق المعلومات المُتوفِّرة والمَنْشُورة، لأن العديد من مُوَرِّدِي الأسلحة لا ينشرون أخبارًا عن صادراتهم من المعدات العسكرية إلى العدوّ، ولذلك فإن البيانات التي وردت في الفقرات الموالية تُمثل الحَدّ الأدنى للدّعم المالي والعسكري للإحتلال…
قَدّر المصرف المركزي للعدُوّ الصّهيوني فاتورة حرب الإبادة بحوالي 66,5 مليار دولار ( تُقدّرها أطراف صهيونية أخرى بنحو 75 مليار دولارا)، من بينها حوالي 31 مليار دولار لتكاليف العمليات العسكرية، وتجديد العسكريين والمعدات والذخائر والدعم اللوجستي، حيث ارتفعت ميزانية الجيش بنحو 50% وقامت الولايات المتحدة بتمويل ما نحو 70% من “المجهود الحربي” بهدف إنقاد الكيان الصهيوني من أعمق ازمة اقتصادية في تاريخه، بفاتورة حرب ستحتاج لسنوات عديدة جدا لتسديدها، عدا عن حاجتها لتغيير جوهري في بنية ميزانيتها السنوية العامة، ويتوقع المصرف المركزي الصهيوني استمرار نَسَق الإنفاق الحربي المُرتفع بنسبة 50% سنويا ضمن ميزانيات السنوات الثلاث القادمة 2025 – 2027 وربما بعد سنة 2027، لأن التكلفة اليومية للعدوان على لبنان تُقَدَّرُ بنحو 133 مليون دولارا، وفق ما أورده الإعلام الصهيوني بشأن مشروع ميزانية العام 2025 التي يتم عَرْضُها على الكنيست خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024، لكن لِكُلِّ حَرْبٍ منافع تستفيد منها بعض شرائح المجتمعات وبعض القطاعات التي ترتفع أرباحها خلال فترات الحرب، مثل المصارف ومصانع الأسلحة وشركات وشبكات تسويق الأغذية والسّلع الضّرورية… (دولار أمريكي واحد = 3,76 شيكل يوم الثّلاثاء 29 تشرين الأول/اكتوبر 2024 )
وافقت إدارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن يوم 29 آذار/مارس 2024، على نقل قنابل وطائرات مقاتلة بقيمة مليارات الدولارات إلى الجيش الصهيوني، مما رفع قيمة المنح والمساعدات العسكرية الأمريكية خلال ستة أشهر من العدوان الصهيوني إلى 18 مليار دولارا، وقدّمت الولايات المتحدة دعمًا ماليا إجماليا للكيان الصهيوني بقيمة 158,8 مليار دولارا ( أو ما يُعادل 260 مليار دولارا مُعَدّلة بحسب التّضخم) في شكل مُساعدات ثُنائية، بين 1953 و 2021، وتُقدّم الولايات المتحدة 3,8 مليارات دولارا سنويا في شكل مُساعدات عسكرية، فضلا عن تمويل أنظمة الدّفاع الصّاروخي والتّجديد المُستمر للأسلحة والذّخيرة التي يستخدمها جيش العدو، وتمول الولايات المتحدة حوالي 70% من “المجهود الحربي الإسرائيلي” وفق وسائل الإعلام الصهيونية، فيما تتكفل دول أخرى، خصوصًا من أعضاء حلف شمال الأطلسي وأوروبا منها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا بتقديم الدّعم المُكمّل للدّعم الأمريكي، وقُدِّر الدّعم العسكري الأمريكي المُباشر للجيش الصهيوني بين السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023 والثلاثين من أيلول/سبتمبر 2024، بنحو 23 إلى 26 مليار دولارا بحسب معهد “واتسون”، فضلا عن أشكال الدّعم الأخرى مثل العمليات العسكرية الأمريكية ضد اليمن ونَشْر مزيد من السفن والطائرات الحربية والبطاريات ومنظومات الصّواريخ، سواء في فلسطين المحتلة أو في الأردن والخليج والأراضي التي يحتلها الجيش الأمريكي في سوريا والعراق، وتُؤكّد سفارة الولايات المتحدة في فلسطين المحتلة “إن الدّعم مُفيد لإسرائيل وكذلك لأمريكا، فبالإضافة إلى الدعم المالي، يشمل التعاون تبادل المعلومات في إطار مكافحة الإرهاب والقوى المُعادية، والبُحوث والتدريبات العسكرية المشتركة وتطوير الأسلحة، والحوار الإستراتيجي، ضمن القوة المشتركة لمكافحة الإرهاب، كل ستة أشهر…”
لم ينخفض حجم الأسلحة وقيمة الدّعم المالي الأمريكي، بل أعلنت إدارة جوزيف بايدن يوم 13 آب/أغسطس 2024، عن عقود أسلحة إضافية لدَعْم العدوان الصهيوني بقيمة 20,3 مليار دولار، من بينها 50 طائرة من طراز بوينغ F15 وعشرات الآلاف من ذخيرة الدّبّابات ومن قذائف الهاون فضلا عن عربات نقل الجنود ومَرْكَبَات تكتيكية وصواريخ جو-جو متطورة متوسط المدى، وبرنامج إمداد الجيش الصهيوني بالأسلحة والقذائف والذّخيرة والصواريخ حتى سنة 2029
وصف وزير مالية العدو – أثناء عرض الميزانية السنوية لسنة 2025 – حرب الإبادة الجماعية بأنها “أطول حرب وأكثرها تكلفة في تاريخ إسرائيل”، لكن الولايات المتحدة وكندا وألمانيا والإتحاد الأوروبي وبريطانيا يُمَوِّلُون الإنفاق الحربي والإستعلامات ولوجيستيات الحرب العدوانية، ويتضمّن الدّعم: المساعدات المالية وتوفير الأسلحة والطاقة الضرورية للطيران الحربي والدّبابات وبطاريات الصّواريخ والسّفن الحربية وغيرها من لوازم حرب الإبادة، فيما تُوَفِّرُ الشركات الوقود والغذاء وقطع الغيار وما إلى ذلك من وسائل إدامة الإحتلال والعُدْوان ضد الشعب الفلسطيني ومجمل الشعوب العربية…
يُعتبر الإتحاد الأوروبي من أهم داعمي الكيان الصهيوني وخصوصًا من خلال الشراكة الاقتصادية الأوروبية، ففي مجال الإقتصاد والتبادل التجاري، وَقَّع الإتحاد الأوروبي وحكومة دولة الإحتلال اتفاقية شراكة سنة 1995 ( أصبحت نافذة منذ سنة 2000)، ويعتبر الاتحاد الأوروبي الشريك الإقتصادي الأول للكيان الصّهيوني بحوالي 29% من حجم المُبادلات الدّولية للبضائع للكيان الصهيوني (أرقام سنة 2022)، خصوصًا بعد تنفيذ اتفاقية الشّراكة التي تتضمن محوَرَيْنِ رَئِيسِيَّيْنِ: الحوار السياسي وتحرير التجارة بين الطرفين، وتَمّ إلغاء الرسوم الجمركية والقيود على حجم البضائع، ليصبح الإتحاد الأوروبي أكبر مصدر للبضائع نحو فلسطين المحتلة بنحو ثُلُث الحجم الإجمالي لواردات الصهاينة وأكبر مُستورد بنحو رُبُع الصادرات الصهيونية، ويكاد الإتحاد الأوروبي يُعادل الولايات المتحدة، كما يقوم الاتحاد الأوروبي بتمويل 130 مشروعًا في مجالات “الابتكار والأبحاث” الصهيونية ضمن برنامج ( Horizon Europe ) الذي يُعتبر الكيان الصهيوني أكبر مُستفيد من ميزانيته وعلى سبيل المثال حصلت جامعة تل أبيب خلال السنة الجامعية 2023/2024، أي منذ بداية العدوان الحالي حتى شهر حزيران 2024، على ما لا يقل عن 126 مليون يورو من هذا البرنامج الذي يدعم مباشرة مشاريع البحث العسكري وتطوير الأسلحة المُستخدَمَة حاليا في غزة ولبنان، ومن ضمنها الطائرات الآلية العسكرية، وفق مُنَظّمَتَيْ – Statewatch و Informationsstelle Militarisierung – ( آذار/مارس 2024 )
يتميز الإتحاد الأوروبي بدعمه اقتصاد الكيان الصهيوني من خلال المبادلات التجارية وتمويل الأبحاث والدّراسات والمِنَح الأكاديمية. أما العلاقات العسكرية الأمريكية الصهيونية فتتجاوز الإتحاد الأوروبي – خُصوصًا وإن حصة الدّعم الألماني (ثم الفرنسي) هامة جدًّا، ووقعت شركة – Xtend – الصهيونية عقودًا هامّة مع وزارة الحرب الأمريكية بعد السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، حيث أصبح نشاطها مُقتصرًا على دعم الجيش الصهيوني، وتتميز المُساعدات الأمريكية بطابعها العسكري، فالولايات المتحدة هي الشريك العسكري الرئيسي للإحتلال الذي يُعتَبَرُ أكبر مُتَلَقّي للمساعدات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، بنحو 3,8 مليارات دولارا سنويًّا بشكل قارّ بهدف “الحفاظ على التّفوق العسكري على الجُيُوش العربية مجتمعة” وهو ما تسميه الولايات المتحدة “الميزة العسكرية النوعية”، ولهذا الغرض، أعلن الرئيس جوزيف بايدن، بعد بضعة أيام من السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، عن تقديم “مساعدة عسكرية إضافية لإسرائيل”، فضلا عن استهلاك جيش الإحتلال الذخائر المخزنة في فلسطين، وبعد تصعيد وتيرة العُدوان على لبنان، أعلنت وزارة الحرب الصهيونية، يوم الخميس 26 أيلول/سبتمبر 2024، حصولها على مساعدات عسكرية أميركية جديدة بقيمة 8,7 مليار دولارا “لدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة”، وتأتي ألمانيا مُباشرة بعد الولايات المتحدة، في طليعة الدّعمين، فهي ثاني أكبر مصدر للأسلحة إلى العدو، بنحو 30% من وارداته بين سنتَيْ 2019 و2023، وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام ( ) سيبري – SIPRI) وتبيع ألمانيا إلى الكيان الصهيوني غواصات قادرة على استخدام السلاح النّوَوِي بثُلُثَيْ سعرها، فضلا عن أسلحة أخرى ومُعدّات وذخائر، وطلبت نيكاراغوا من محكمة العدل الدّولية إصدار قرار بوقف صادرات الأسلحة الألمانية إلى الجيش الصهيوني الذي يستخدمها في ارتكاب المجازر، وقرار باستئناف تمويل وكالة الأمم المتحدة لِغَوْث وتشغيل اللاجئين (أنروا)، ولا تنفرد ألمانيا بالدّعم المُطلق أو شبْه المُطلق للكيان الصهيوني، لأن الدول الأوروبية (من الإتحاد الأوروبي ومن خارجه، مثل سويسرا التي تَدَّعِي الحياد) تبيع الأسلحة وتستورد وتُصدّر السلع من وإلى فلسطين المحتلة وتمنع التّظاهرات المُنَدِّدَة بالمجازر، وتمنع نشاط الجمعيات والمنظمات المُنَدّدة بالكيان الصهيوني وتُطارد من خرَجَ عن صف الحكومات ( ومُفَوّضِيّة الإتحاد الأوروبي ) الدّاعم للكيان الصهيوني، وأصبحت تُهمة “مُعاداة السّامية” ( وهي ظاهرة أوروبية بَحْتَة ) تِعِلَّةً لحَظْر نشاط الجمعيات واعتقال ومُحاكمة مناضلين حُقُوقِيِّين ونقابيين وطلبة…
2024-11-02